أخبار عاجلة

توحيد قوى المعارضة السورية الديمقراطية الطريق لتحقيق آليات الحل السوري- السوري

مقدمة:

الأزمة في سوريا تعاني من الفوضى في ظل استمرار العنف والعنف المضاد بدعم ومساندة من مراكز القوى المستفيدة بسيناريوهات تفوق أحياناً طاقات الشعوب على فهمها ناهيكم عن التصدي لها، لدرجة باتت وجها لوجه أمام خطر الانحلال إن لم توجه الأمور وفق توجهات سليمة تنقذ ما تبقى منها، خصوصا أن ما تسمي نفسها ويسميها البعض أيضا بالمعارضة السورية دخلت في متاهات ودهاليز لا تفهمها ولا تملك وعياً يؤهلها للخروج منها، وبالنتيجة تتحول لأداة تخدم الآخرين وليس أدل على ذلك من تحول الكثير ممن كانت تسمي نفسها قوى معارضة لأحضان داعش والجماعات السلفية الجهادية ومبايعتها ومشاركتها بالمجازر الجماعية على امتداد ساحات تواجدها دون رادع.

تعمق الازمة هي أعمق وأخطر من كونها مجرد أزمة بنيوية للنظام، بل هي نتاج دخول التطورات المجتمعية الى مدارات مصطنعة غريبة عن طبيعة شعوب المنطقة ومجتمعاتها تطورت تدريجياً من خلال تطور فكرة الدولة والسلطة لدرجة القداسة لتصل مؤخراً لمرحلة المرض عبر الأنظمة القومية المبنية على ايديولوجيات متجمدة مصنعة وفق مقاسات مغلوطة أقلها أنها لا تتناسب مع حقيقة الإنسان والمجتمع الطبيعي التعددي التشاركي، والاقتصار على رؤى قصيرة النظر عمقت الأحادية بمعنى من المعاني، بشكل ولد معه ذاتياً الإنكار والإقصاء والتسلط والاستعباد والظلم، عبر بناء دكتاتوريات ونظم فاشية أو شبه فاشية كانت آخر ابداعاتها النظم الأمنية الخانقة للحياة والتي تنعدم فيها امكانيات الانفتاح والتطور، مما يدفع الوضع نحو انفجار الأزمة والتوجه نحو فوضى لا يمكن الخلاص منها إلا بتركيبات جديدة قادرة على التماشي مع العصر و التطورات العلمية والتقنية الهائلة في كل مناح العلم والحياة، والتي لا يمكن تجاهلها باعتبارها احدى السمات الاساسية لعصرنا، وعصر الديمقراطية، حيث بدأنا نشهد ملامح ربيع الشعوب بوضوح.

أحداث السنوات السابقة في سوريا والمنطقة أكدت لنا أن الثورة في هذه المرحلة وفي مثل هذه الأوضاع تحتاج دون شك إلى نظرية متكاملة واضحة الملامح تجسد حاجة الشعوب، تؤمن مشاركة الشعوب والمكونات المختلفة بما فيها الجماعات الصغيرة وحتى الأفراد بشكل فاعل ومسؤول في بناء نظام ديمقراطي جديد وحمايته وتطويره، وأن تتوحد مختلف قوى المعارضة الوطنية الديمقراطية العلمانية في ذلك وتتحول خلال اتفاقها وتوحيدها إلى رافعة ونواة الكتلة التاريخية التي يحتاجها وينتظرها شعب سوريا. لكن في البداية لابد من تصورات ومبادئ نظرية عملية فكرية وسياسية نتفق عليها كمعارضة، أمّا ما يلحق الاتفاق من خطوات عملية فيمكن تصنيفها بالتفاعل الاجرائي الذي يقوي التصورات وقناعة التوحيد.

حقيقة المجتمع السوري والعلاقة بين مكوناته:

سيطرة المفاهيم السلطوية على المجتمعات قد أساءت كثيرا إلى جوهرها الطبيعي المتمثل في التعايش بين مكونات المجتمع، وخصوصاً بعد تشكل الدول القومية استنساخاً من التجربة الاوربية عبر سياسات تعسفية اقصائية إنكارية لفرض نموذجها الموحد من خلال الاعتماد على الايديولوجية القومية التي تحمل في جوهرها وذاتها بذور الاستعلاء والإنكار، وانتهجت اساليب وطرق بعيدة عن القيم والاخلاق الانسانية لتمرير مصالح فئات معينة على حساب كل المجتمع.

وبالنتيجة باتت الشعوب وكل المكونات المجتمعية عرضة للتلاعب والتشويه، فانقلبت الحقائق والمفاهيم الأصيلة المتمثلة بالتعايش السلمي المتفاعل ايجابياً، الذي ساد قروناً في المنطقة التي تعتبر رمزاً من رموز التعددية والتشاركية الفاعلة.

آلاف السنوات من التاريخ المشترك بين المكونات الأصيلة لهذا البلد خلقت منه وحدة مجتمعية منسجمة متناسقة متفاهمة رغم كل المد والجزر والاخطاء التي حصلت والممارسات السلطوية والاستغلالية للحكام في مختلف الاوقات والأماكن. اذ أن اللحمة الاساسية الجماهيرية للمكونات بقيت بعيدة عن تناقضات وممارسات الحكام والفئات المستبدة.
يستحيل فهم حقيقة العلاقة بين مكونات سوريا والمنطقة المتعددة والمتداخلة دون الغوص في اعماق التاريخ وبداية تشكل وتطور التجمعات البشرية و تشكل الحضارات على هذه الارض التي تمتد لآلاف السنين وتمكنت من خلق اللوحة الحقيقية لمجتمع المنطقة.

ان المكونات الاساسية للمجتمع السوري الراهن والمتمثلة بالعرب، الكرد ، الأرمن، السريان، الآشور، الكلدان، التركمان، الشيشان، الشركس بالاضافة للموحدون الدروز وباقي المذاهب والأطياف السورية كافة، كلهم اصلاء في هذه الارض شاركوا في صناعة تاريخ وحضارة المنطقة وشّكل كل واحد منهم جزء من الرصيد التاريخي والاجتماعي لها.

تداخل الاقوام والعشائر والقبائل والمجموعات البشرية الأخرى طيلة قرون طويلة وتلاحمها في الصراع ضد الغزاة والتغييرات الديمغرافية التي رافقت سنوات الصراع المستمرة في المنطقة كل هذا خلق موزاييكاً رائعاً. متداخلاً برز فيما بعد في الكثير من المواقف المشتركة لهذه الشعوب تجاه الهجمات الخارجية.
سوريا تشكل جزءا مهماً من الجغرافية التي تذخر بهذا الكم الهائل من التنوع الاصيل بشرياً وثقافياً ولغوياً وحضارياً واذا اضفنا امتدادها على ساحل البحر الذي أمن لها التواصل والاستمرار والتمازج مع الشعوب والاقوام الأخرى خلف البحار، ولهذا عاشت سوريا تطورات وصراعات في مراحل عصرية مختلفة، تمكنت من إزالة الحدود بين المختلفين المتمايزين لتشكل منهم وحدة متكاملة قادرة على تقبل التنوع والاختلاف في داخلها ومع غيرها، ومن هنا فإنه لا يمكن لأي من هذه المكونات ان تدعي ملكيتها الاحادية الخاصة للمنطقة التي تعاقبت عليها وشارك فيها كم هائل من المكونات التي تداخلت لتشكل لوحة واحدة تتعايش فيها كل الألوان، وهنا يكمن سر تمسك الجميع بوحدة البلد الذي يتميز اصله بتشكله الخاص الطبيعي الاصيل.
وعلى الرغم مما أشرنا إليه لم يكن تاريخ سوريا مجرد لوحة سلام دائم، انما عانت من مشاكل وحروب وصراعات وغزوات اختلفت اغراضها وممارساتها تركت في كثير من الاحيان جروحا لم تلتئم طويلا، وفي صراعها هذا تمكنت من خلق اسلوب الحياة المستند الى التكامل والاخوة، او بشكل اخر يمكن القول ان هذه الصراعات والتناقضات قد دفعت بكل المكونات الموجودة للإيمان بضرورة الاعتراف بالآخر والتعاون والتعامل معه على اسس الندية والمساواة، اي الاعتراف بالآخر المختلف عنه والتعايش معه بسلام.
ولا يخلو التاريخ السوري من قادة في مراحل كثيرة كانوا رمزا للجمع بين السوريين على اختلاف اصولهم ودياناتهم وثقافاتهم ويجب ان لا يغيب عن بالنا ابداً إن ثقافة وسلوك الكثير من المنظومات الحاكمة التي سادت في هذه الارض بما فيها الامبراطوريات كانت تستوعب التمايز والغنى الثقافي وترفض الاغتراب والانكار والاقصاء.
لا يمكن لأي كان أن يقفز فوق حقائق التاريخ وتلك العلاقات العميقة التي هي قديمة قدم التاريخ التي بدأت مع أولى هجرات العشائر والمجاميع السامية من شبه الجزيرة العربية نحو العراق ومن ثم امتدادها على أطراف نهري دجلة والفرات وانتشارها في سهول ميزوبوتاميا، إن كانت السياسات الإسلامية في بعض المراحل قد قامت على النفس القومي في الحكم إلا إن الكرد ظلوا بعيدين عن هذا التوجه والسلوك وبقوا صادقين مع إيمانهم وهنا تبرز أهمية قيادة صلاح الدين في تحرير القدس وأهمية شخصيته القيادية التي امتلكت روح الإسلام.

إن العلاقات الكردية العربية قديمة ومبنية على أساس التسامح والأخوة والانتماء إلى أمة ثقافية بعيداً عن الشوفينية القومية في المراحل التالية من تاريخ سوريا، ويمكن التأكيد على تلك العلاقات الايجابية أيام الاستعمار الفرنسي و معارك التصدي له، فقد استمرت العلاقات إلى بعد الاستقلال حيث لعب الكرد الدور الأساس في التحرر ووضع اللبنة الأولى في الدولة السورية الحديثة، إلى أن سيطر حزب البعث على دفة الحكم بالاعتماد على الفكر القومي الشوفيني الأحادي.
السياسات الشوفينية والمشاريع الاستثنائية التي استمرت طوال نصف القرن سببت الكثير من المشاكل والأحداث والانتفاضات نتيجة لحالة الإنكار والإقصاء والقمع من قبل النظم الحاكمة العنصرية إلا انه ورغم ذلك فان الصراع لم يتطور يوما ليصل إلى صفوف المجتمع وبقي محصورا في عقول وذهنيات الساسة وأصحاب السلطة ولم يتمكن من تفكيك نسيج المجتمع السوري وهدم ثقافة التعايش السلمي. وبقي التطلع إلى حياة مشتركة على أساس الحرية والعدالة والمساواة يشكل أعلى القيم التي دافع عنها السوريون باستمرار ولا يزالون يحافظون على هذه الثقافة دون خلل وجداني وإنكار للآخر.

أما بالنسبة للعلاقة بين الكرد والسريان والكلدانين والآشوريين والأرمن والشيشان والتركمان فهي الأخرى تمتد إلى عمق التاريخ بوصفهم مكونات الوطن المشترك، والتي اتسمت دائما بالتفاهم ونعتقد أن أمورا عديدة ساهمت في حسن هذه العلاقات، وروح التفاهم والتعايش المشترك.
وفي هذا الإطار لا يمكن البحث في مسالة المكونات وذلك بمنظور الأقلية والأكثرية للشعوب التي تعيش على هذه الجغرافية فهي جميعها أصيلة وذات جذور تاريخية ثابتة، وكلها تملك حقوقاً طبيعية في هذا البناء الشامخ الذي اسمه الوطن المشترك بغض النظر عن قيام الأنظمة الحاكمة التي عملت باستمرار على بث روح الفتنة والعداء بين هذه المكونات.
كانت سوريا دائما محط أنظار وأطماع الغزاة ولهذا توالت إليها الهجرات وتعرضت للغزوات بسبب غناها المادي و موقعها الاستراتيجي والتي تسببت بحالات من اللا إستقرار والفوضى والدمار والسلب والنهب فإنها في جانب آخر تركت ورائها آثار ثقافية مهمة وتداخلا حضارياً رائعاً ليس هذا فحسب بل يكاد يكون الشعب السوري خليطاً منسجماً إلى حد ما من أعراق وأقوام بنت حضاراتها الذاتية التي أكسبت سوريا غنى ترك آثاراً عميقة في روحية الإنسان السوري تمثل في توطيد قيم الحياة المشتركة بين مختلف المكونات الأثنية والدينية واللغوية التي لسنا بصدد ذكرها وتعدادها هنا.
كما أن ثقافة إنكار الآخر ليست إلا ثقافة دخيلة و مستوردة بعيدة عن المفاهيم الأصلية لأبناء سوريا. فما تعرضت له جميع المكونات لا علاقة له بروح الشرق وبالروح السورية الأصيلة.

الدولة السورية الحديثة و الحالة الراهنة.
بعد حصول سوريا على “استقلالها ” إثر الحرب العالمية الثانية، عاشت مرحلة قصيرة من الازدهار السياسي تميزت بالتنوع والتعدد وبقسط من الديمقراطية، إلا أن الانقلابات العسكرية المتتالية خلقت غياب استقرار الوضع السياسي، لكنها رغم ذلك حافظت على تنوعها وظلت بعيدة عن إنكار الآخر وإقصائه، ربما كل ذلك كان نتيجة لبقايا تأثيرات عملية الاستقلال وروحها التي كانت لا تزال تفعل فعلها، فاستمرت التسمية بالجمهورية السورية اعترافاً بتنوع مكوناتها وتعددها قومياً ودينياً وثقافياً، لكن هذا الربيع الديمقراطي نسبياً لم يصمد إلا سنوات قليلة، حتى بدأت النزعات القوموية العروبية تتصاعد لتصل ذروتها بإعلان الاتحاد مع مصر كاستجابة لهذه النزعة التي تطورت في كلا البلدين، وبدأت الحريات بالانحسار والانقطاع، وتم خنق الديمقراطية النسبية الناشئة التي ظهرت في سوريا مع الاستقلال والتي استمرت عقدا من الزمن وتعرض التحول الديمقراطي في الدولة والمجتمع للانقطاع والتوقف، وبدأت السياسات القوموية تفعل فعلها، فكان إعلان الجمهورية العربية المتحدة ومن ثم تسمية الجمهورية السورية باسم الجمهورية العربية السورية إعلان صريح بقوموية الدولة وإنكار وإقصاء لكل المكونات الأخرى بما فيها تلك التي شاركت بقوة في الاستقلال والحياة السياسية مثل الكرد والسريان وغيرهم، وسيطر البعث على الحكم وبدأت الحريات تنحسر حتى اختنقت.
تسارعت المشاريع العنصرية والإجراءات الاستثنائية والتعسفية والاضطهاد والإكراه بحق الشعب الكردي وغيره من المكونات على كل الجبهات، فكان الإحصاء الجائر والحزام العربي عناوين بارزة للإنكار وظلم الآخر، ما لبثت أن شملت الجميع عبر إعلان حالة الطوارئ التي استمرت نصف قرن، شلت خلالها الحياة السياسية والديمقراطية النسبية آنذاك حتى باتت سوريا أشبه بسجن كبير للشعوب والحريات والقيم الإنسانية.
كان لا بد من حل ديمقراطي شامل يتمثل في دمقرطة الدولة والمجتمع، وحل القضية الكردية وقضية المكونات الأخرى، وهو ما بدا شبه مستحيل في ظل النظام السياسي السائد، فكان الحراك الثوري الشعبي ردا على حالة الاختناق التي سادت المجتمع المتأزم بشدة.

تطورات الأزمة والحراك الشعبي في سوريا، ونتائج ما آلت إليها الأمور، أظهرت بما لا يقبل مجالا للشك أن هذه التحركات افتقرت للقيادة الكفؤة القادرة على قيادة دفة الثورة والتحول الديمقراطي لأسباب عديدة، أهمها غياب الرؤية الصحيحة للواقع السوري ومستقبله، وافتقارها لاستراتيجيات وخطط سليمة لتطوير هذا الحراك الثوري شعبيا، وعدم اعتمادها على قواها الذاتية، مما سمح للخارج بالتدخل حتى بات الخارج ليس فقط العامل الحاسم بل في كثير من الأحيان الوحيد، وانفتحت سوريا أمام تدخلات لا حصر لها وتعددت مصادر التمويل لدرجة تمكنت من استخدام الساحة السورية لتصفية حساباتها وخدمة لمصالحها الاستراتيجية والتكتيكية، فكانت النتيجة نمو التيارات الإسلامية الراديكالية المتطرفة التي سيطرت فيما بعد على قوى المعارضة السورية الهشة وغير المنظمة كفاية، بدءا من الإخوان المسلمين و القاعدة وجبهة النصرة وصولاً إلى داعش كأخطر منظمة إرهابية متطرفة دموية عنيفة تخوض الحرب باسم الاسلام ضد كل القيم، ويعتبر تناول هذه المعارضة الخاطئ للقضية الكردية وقضايا الشعوب داخل سوريا إحدى ابرز أسباب ما آلت إليه المعارضة من فشل.
تمكن النظام عبر الحرب الخاصة مستفيداً من وضع قوى المعارضة سياسياً وعسكرياً من فرض استراتيجيته إلى حد كبير للوصول إلى الثنائية التي باتت معروفة /النظام أو القوى الإسلامية المتطرفة/، ونجح فيها إلى حد كبير، الاستثناء الوحيد كان موقف مكونات شمال وشرق سوريا الذي أُعلن منذ البداية تمثيله للثورة بأسلوبه الخاص، واعتماد خطط عمل مناسبة رفضتها المعارضات الأخرى واثبتت التطورات التي شهدتها الساحة السورية صوابية الموقف الديمقراطي السلمي هذا.

المبادئ الأساسية للحل الديمقراطي في سوريا

أمام هذا الكم الهائل من المشاكل المعقدة التي دفعت بسوريا إلى هذا الواقع لابد من اعتماد حلول جذرية لا تكتفي بمعالجة الأعراض بل تتوجه نحو الأسباب وإزالتها ومنعها من الانتكاس او الظهور مجددا ويكون ذلك من خلال دمقرطة هذا الواقع بشكل كامل تحصل من خلالها كل المكونات الموجودة على كامل حقوقها دون إنكار او اقصاء، لفتح الطريق أمامها للتطور والعطاء لتكون سوريا وطنا يشارك في بنائه وينعم بخيراته ويديره الجميع.
الدمقرطة الشاملة تشمل كل مرافق الحياة ، و هذه بالتأكيد عملية معقدة متشعبة مستدامة تحتاج للوقت و الجهد و نحن ندرك أن لا احد يملك عصا سحرية تحقق المطلوب خلال لحظات ، لكن لابد من وضع و تحديد المبادئ الأساسية التي يجب أن نستند إليها و لابد هنا من التكرار بأن نموذج الدولة – الأمة الذي يفضي إلى بناء دولة قومية أحادية يعتبر فخاً قاتلاً للشعوب و المجتمعات لابد من تجاوزه نحو مفهوم الأمة الديمقراطية التي ترفض تلك الحدود السياسية الضيقة نحو التعددية والعيش المشترك. إذا نحتاج إلى تكوين قادر على احتواء كل هذه العناصر بكل اختلافاتها الثقافية وبحرية ودفعها نحو التطور ويعترف بوجودها وحقوقها في البقاء والتطور من خلال هذا التنوع أما التفكير قوميا او دينيا او مذهبيا ومحاولة فرض الأحاديات ستقيدنا في المربع الأول وهذا الحل يكمن في تحول سوريا إلى كيان جامع مشترك لكل المكونات بكل عناصرها وأبنائها , والابتعاد عن مفهوم و منطق التضحية بالأجزاء في سبيل الكل والعمل وفقا لقاعدة إنقاذ الجزء و الكل معا على اعتبار أن الأجزاء تشكل الكل و لن يكون الكل حرا وصحيا إذا كان الجزء مريضا و يعاني من العبودية.

نحن الآن في سوريا أمام إعادة إنتاج جديد وعصري لمفهوم الوطن والأمة وإذا كان لزاما ولابد من القول بأن سوريا أمة فان هذه الأمة تتكون من أية قومية …؟
وهنا يمكن القول بأنها أمة لا تتكون من قومية أثنية ولا دينية ولا اقتصادية ولا ثقافية ولا لغوية واحدة بل ستكون الأمة المشكلة من التعددية التكوينية للجسم الحقيقي للمجتمع السوري وهذه هي الأمة الديمقراطية المستندة إلى الأسس الديمقراطية والحريات والعيش المشترك لكل المكونات و العمل على بناء وتهيئة الأرضية المناسبة لظهور الفرد و المواطن الحر وهذا هو الحل المطروح للتنفيذ و الذي يعطي المجتمع و الفرد ككل إمكانية تطور الذهنية والتفكير و هنا لا بد من الإجابة على السؤال الآخر الأساسي الذي يطرح نفسه من تلقاء ذاته ألا وهو : ماهي الإدارة الذاتية الديمقراطية، وما هي الأسس التي يجب الاعتماد عليها وامتلاكها في الحل الديمقراطي الجديد.

تعبر الادارة الذاتية الديمقراطية عن التفسير الديمقراطي الغير دولتي لمبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها. اذ بمقدور الديمقراطية والدولة ان تلعبا دورهما كسيادتين تحت السقف السياسي عينه. والدستور الديمقراطي هو الذي يرسم الحدود الفاصلة بين مساحتي نفوذهما.

ان الادارة الذاتية الديمقراطية هي التعبير الملموس للحل الديمقراطي في سياق حل كافة القضايا الاثنية ومنها القضية الكردية ايضا. وهو مختلف عن المواقف التقليدية. ولا يرى الحل في اقتطاع حصته من الدولة السورية بل وحتى انها لا تنساق وراء تشكيل دول اثنية بمعناها الشبه الاستقلالي. ومطلبها الاولي من الدولة السورية هو اعترافها بحقوق كافة الاثنيات والقوميات في ادارة أنفسهم بأنفسهم وبإرادتهم الحرة وعدم زرعها العراقيل على درب تحولهم الى مجتمع وطني ديمقراطي. فاذا كانت الدولة الحاكمة ملتزمة بالمبدأ الديمقراطي فعلا، لا قولا، فحتى لو لم تناصر المجتمع الديمقراطي، فعليها ألا تعيقها او تفرض عليها الحظر.

ملامح سوريا المستقبل.
بالنظر الى هذه اللوحة السورية المتأزمة الكارثية لابد لنا من التصدي بوعي ودراية لهذا الانحدار السريع نحو الهاوية، حيث تسبب نموذج الدولة القومية بمآس وأزمات مزقت البنية المجتمعية ولا يمكن تجنبها الا بتحول ديمقراطي راديكالي حقيقي, وإعادة النظر في سوريا الراهنة والعمل على تحويلها إلى وطن يتلاءم ويتوافق مع قيم العصر ومبادئه دون التخلي عن الاصالة التاريخية لهذا البلد ومكوناته وتراثه وثقافته وحضارته وتعدديته.

أننا امام مهمة جديدة وتحديات كبيرة تفرض على الجميع أحد أمرين لا ثالث لهما:
– إما المشاركة فعلياً وعملياً في عملية التحول الديمقراطي لسوريا وتجاوز بقايا النظام والتسلط القومي الاحادي الشوفيني بشكل يؤمن المشاركة الديمقراطية الحرة وسبل التطور لكل مكونات المجتمع السوري على قدم المساواة.
– أو ترك سوريا لبراثن الرجعية الارتدادية المتعفنة المتمثلة في التشكيلات الجهادية السلفية لتحيل الغنى الحضاري، الثقافي و المجتمعي في سوريا إلى صحراء.
التحول الديمقراطي سيخلق وطنا ديمقراطيا مشتركا لكل المكونات، يمكننا تحديد ملامحه الرئيسة ولو بالخطوط العريضة، ملامح سوريا الجديدة التي ستكون لكل السوريين. سوريا الديمقراطية التي يعيش فيها المواطن الفرد الحر، سوريا التشاركية التي تهب جميع المكونات لبنائه والدفاع عنه وحمايته.
لابد لسوريا ان تتحول من الدولة المركزية والتي اندفعت بجنون السلطة نحو التسلط والديكتاتورية والاوليغارشية، وابدعت في انتاج نظام أمنى مستبد شوفيني تنكر حتى لوجود الانسان ككائن له كرامته وقيمته، وحول سوريا بكليتها الى زنزانة يعمل سجانوها بشكل ممنهج ومنظم للقضاء على ابجديات الحرية والحياة الكريمة.
لابد لها ان تتحول ديمقراطياً وفق المعايير الصحيحة التي تحترم التعددية وتحقق مشاركة الجميع جماعات وافراد في العمليات المجتمعية عبر تامين الحريات والفرص للجميع، وهذا لا يمكن تحقيقه في سوريا كدولة قوموية احادية مركزية، اي لابد لسوريا ان تتحول نحو اللامركزية لتمكين جميع المكونات باختلاف ابعادها ومزاياها وخصائصها من المشاركة في الحقوق والواجبات في الوطن المشترك الذي يجب ان يكون شعار الجميع دون اقصاء او ابعاد او تحكم او احتكار أو تسلط، اي لابد ان يكون وطنا تسوده القوانين العادلة والاطر الديمقراطية التي ستكون الضمانة الدستورية الحقوقية لسوريا المنسجمة مع هذا العصر.
ان الاصرار على اللامركزية في سوريا، لا يعني الغاء المركز كلياً، بل إن المركز سيتحول من كونه اداة تحكم الى وسيلة تنسيق وتوحيد بين جميع الاجزاء التي تشكل الكل، مع احتفاظه بوظائف اساسية تحمل الصفة الاستراتيجية العامة.
لا بد ان تكون الدولة في الجمهورية السورية على نفس المسافة من كل الثقافات والأديان واللغات وغيرها من العناصر المختلفة للشعوب والمشاركة في بناء سوريا ديمقراطية تحقق الفصل بين الدين والدولة، وستكون من مهمات الدولة تأمين الاجواء الديمقراطية لتطور العناصر الثقافية المكونة للمجتمع بما فيها الأديان والمذاهب والطوائف بشكل حر، وعدم السماح بسيطرة احداها على الاخرى، ولا تهميش احدهم للآخر.
لابد من التوجه نحو تقسيمات ادارية جديدة وفق معايير ديمقراطية تأخذ حقيقة التنوع الثقافي في سوريا بكل مكوناته بعين الاعتبار، بعد التخلص من الذهنية والنزعة التي سيطرت على الدولة طيلة العقود السابقة.
وهنا ما يجب الاشارة اليه ان تطبيق الادارة الذاتية الديمقراطية تتطلب مقدما وجود نظام ديمقراطي في سوريا. إذ لا ديمقراطية في سوريا دون بناء إدارات ذاتية وحل مشاكله الديمقراطية المتمثلة في دمقرطة المجتمع والدولة وحل كل القضايا.
هذا الوطن يمكنه أن يحيا بسلام ووفاق مع محيطه الديمقراطي، لابل ستكون سوريا مثالا يحتذى بها في الشرق الأوسط للتحول الديمقراطي الحقيقي الاصيل، وسيتمتع باحترام الجميع من الشعوب والمجتمعات المجاورة. وسوريا الديمقراطية ستشكل ارضية جديدة لبناء الانسان والمجتمع بشكل سليم، وستدفع باتجاه خلق المواطن الفرد الحر.
يجب ان ندرك ان تنوع مكونات سوريا المجتمعية عابرة للحدود، لا تتوقف عند حدود الدولة السياسية وهذا التنوع سيشكل اساسا لعلاقات صحيحة وصحية مع دول الجوار، وستشكل ارضية خصبة لبناء علاقات كونفدرالية ديمقراطية قد تعم الشرق الأوسط الذي يرفض بطبيعته تكوينات النظريات القوموية العرقية والدينية بما فيها الدولة القومية.
تحقيق كل هذا يتطلب وعيا وايمانا وثقة والتزاما بالمثل الانسانية العليا وكذلك اصرارا على العمل الملتزم المنظم والمخطط لطليعة واعية تستهدف بناء المجتمع الديمقراطي الحر من خلال خلق المواطن الفرد الحر في وطن ديمقراطي مشترك لكل ابنائه.

الاجراءات العملية:

بالنظر الى هذا الواقع السوري يمكن ان نرى بكل سهولة ان الاحداث التي جرت حتى الآن بدأت بتمزيق النسيج المجتمعي السوري وتصدع الوحدة الوطنية بسبب اصرار الاطراف المتصارعة على استخدام العنف.
استمرار هذا الواقع سيدفع باتجاه التقسيم مما سيحدث انفجارا يهدد المنطقة برمتها نظراً لتشابه اوضاعها وتركيباتها لذا لا بد من إيجاد حل لهذا الواقع المتردي الذي وصل الى حافة الانهيار عبر إيجاد حلول عملية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من سوريا ووقف الانفجار الذي يهدد ليس فقط الدولة السورية بل حتى المكونات المجتمعية في كل المنطقة.
الحل السياسي لا زال هو الحل الوحيد وبديل للحل العسكري في اطار الوحدة السورية القائمة على اساس احترام التعددية على كل الجهات والاصعدة والمكونات من خلال التخلص من مفاعيل التوجهات والافكار القومية الاحادية الانكارية واجراءاتها ومؤسساتها نحو بناء مجتمع ديمقراطي تعددي في دولة لا مركزية قادرة على فسح المجال امام كل عناصر المجتمع لتلعب دورها الحقيقي في سوريا المستقبل ويجب ان لا يغيب عن بالنا ان الازمة السورية باتت أزمة اقليمية ودولية نتيجة التدخلات الخارجية على ارض الواقع.
ومن اجل وقف نزيف الدم السوري وانهاء حالة التشرذم والتبعثر التي تمر بها سوريا وقواها السياسية والتي تسببت في هدر طاقات المجتمع السوري وديناميكياته الداخلية وتتويج الثورة السورية بالنصر ولإعادة بناء سوريا ديمقراطية حرة على أساس اتحاد التنوعات والاحترام المتبادل بين الكل السوري والأجزاء المكونة له لا بد من وضع خارطة طريق لحل الازمة السورية على أسس الديمقراطية التوافقية والعدالة والمساواة بين الجنسين، واعتبار حرية المرأة ضمانة كافة الحريات.

خارطة طريق قوى المعارضة الوطنية السورية

لا بد من الالتزام بعدة مبادئ تتفق عليها القوى السورية للوصول إلى حل سياسي واقعي في مثل هذه الظروف:

المبادئ الأساسية:

1- الانتقال من النظام الاستبدادي المركزي والقوموي إلى نظام ديمقراطي لامركزي يتشارك فيه جميع السوريين في الإدارة والبناء.
2- محاربة الجماعات المتطرفة الجهادية التكفيرية بمختلف مسمياتها.
3- احترام التنوع المجتمعي السوري بكافة مكوناته وأطيافه ومذاهبه والحفاظ عليه.
4- الحفاظ على وحدة الوطن السوري.
اعتماداً على هذه المبادئ الاساسية فإننا نرى أنه على القوى السورية الفاعلة على الأرض ان تتحرك بقوة لطرح نموذجها من خلال الوصول بالتوافق الى صيغة مشتركة للحل وهذا ممكن من خلال النموذج الذي طرحناه سابقاً مما يستوجب:
اولا- طرح مشروع الحل المعتمد ومناقشته مع كل القوى السياسية المؤمنة بالحل السلمي الديمقراطي بدون استثناء والنقاش معها لايصال المشروع الى صيغته النهائية للبدء بإجراءاته العملية.
ثانيا- الاتفاق على تجمع يضم قوى المعارضة الديمقراطية وعقد اجتماع موسع لممثليها للسير بالمشروع وتطبيقه على أرض الواقع.
ثالثا- عقد مؤتمر وطني سوري (مؤتمر السلام والحل الديمقراطي السوري) يُدعى إليه كافة القوى السياسية المؤمنة بالحل السلمي ومؤسسات المجتمع المدني والفعاليات المجتمعية برعاية من الأمم المتحدة.
رابعاً- انتخاب مجلس من المؤتمر محدود الصلاحيات ومن كل المكونات والأطياف مع مراعاة نسبة تمثيل المرأة والشبيبة ويكون مسؤولاً أمام المؤتمر ويكون من مهامه:

1- العمل على وقف اطلاق النار وتثبيته مع ضرورة التعاون الأممي.
2- إطلاق سراح المعتقلين السياسيين على خلفية الأحداث والكشف عن مصير المفقودين.
3- التواصل مع الدول المعنية بالأزمة السورية والمنظمات الأممية والحقوقية.
4- إدارة المرحلة لحين جهوزية الانتخابات العامة.
5- يقوم المجلس بتشكيل لجنتين الاولى مهمتها صياغة مسودة دستور ديمقراطي متفق عليه من قبل كل السوريين للدولة السورية الديمقراطية والثانية لتحديد آلية وشكل الانتخابات العامة في سوريا.

خامساً- تنتهي صلاحيات ومهام المجلس الديمقراطي السوري مع انتهاء المرحلة الانتقالية في سوريا.

لا نود هنا اشهار اللزام بقدر ما هو الاصرار والالتزام الواعي بقضايا الشعب من خلال رؤى ديمقراطية حقيقية تسمح للجميع بالمشاركة في الحل والبناء لتكون سوريا وطناً ديمقراطياً علمانياً تعددياً لا مركزياً لكل السوريين على أساس احترام الحقوق الديمقراطية لكل السوريين.