أخبار عاجلة

«كورونا سياسي» ضد أكراد تركيا

ينشغل العالم كله دون استثناء بفيروس «كورونا» الذي تحول، بتوصيف منظمة الصحة العالمية، إلى وباء، لم يستثن بلداً في العالم، ولا يزال يحصد عشرات آلاف الأشخاص، ولا تجد الدول مكاناً لتكديس الجثث أو لدفنها. لا تستثني هذه الحالة الدول الغنية والفقيرة، وتضرب الكرة الأرضية من دون طلقة رصاص واحدة. وفيما تنفق مليارات الدولارات؛ لتصنيع الأسلحة وشرائها، عكست حالة «كورونا» عجز الدول، ربما باستثناء الصين، عن مواجهة هذا الوباء القاتل.

لا تشذ تركيا عن هذه القاعدة؛ حيث أعلنت، متأخرة، وصول الفيروس إليها. وفي ظل اتهامات للحكومة، بأنها تخفي الوقائع والأرقام الحقيقية عن مصابي وضحايا «كورونا»؛ فإن رزمة المساعدات التي أعلنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لم تلق رضا من الطبقات العاملة والفقيرة، ووصفوها بأنها تحمي الأغنياء، وأصحاب المصالح الكبيرة.

لكن هذا في جانب، وما يجري على الساحة السياسية شيء آخر.

ففي عز الانشغال ب«كورونا» كانت وزارة الداخلية التركية تعزل العديد من رؤساء البلديات التابعين لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي، وتعتقلهم بتهمة التعاون مع «الإرهاب»؛ أي «حزب العمال الكردستاني».

خلال يومين فقط، في مطلع الأسبوع الحالي، أقدمت الحكومة على عزل واعتقال رؤساء بلديات: باتمان وإرغاني وإيغيل وليجه وسلوان وغيرويماق وحلفلي وغوكتشه باغ. وعيّنت بدلاً منهم المحافظين أو القائم مقامين.وبهذه الأرقام، يصل عدد البلديات التي قام حزب العدالة والتنمية باعتقال رؤساء بلدياتها المنتخبين إلى 47 بلدية من أصل 65 فاز فيها حزب الشعوب الديمقراطي. وبالتفصيل عزل واعتقل رؤساء 3 بلديات مدن كبرى (ديار بكر، فان، ماردين)، إلى جانب بلديتين مركز محافظة، و32 بلدية مركز قضاء، و4 بلديات قرى. ولم يبق بيد الحزب سوى 18 بلدية.

وكان مسلسل عزل رؤساء بلديات الأكراد قد بدأ فور صدور نتائج الانتخابات البلدية في 31 مارس/آذار الماضي، والتي حقق فيها حزب الشعوب الديمقراطي انتصارات كبيرة في المناطق الكردية، وهي الانتخابات التي فازت فيها المعارضة ببلديات كبرى؛ مثل: إسطنبول وأنقرة وإزمير وأضنه ومرسين وأنتاليا وغيرها من المدن الكبرى.

أقل وصف أطلقه قادة حزب الشعوب الديمقراطي الكردي على عمليات العزل أنها «انتهازية سياسية»؛ بل تساوي بخطورتها فيروس «كورونا».

يقول رئيس الحزب مدحت سنجار: إنه في وقت ترتفع الدعوات للتكافل والتضامن الوطني؛ لمواجهة «كورونا» يبادر حزب العدالة والتنمية إلى الفصل بين المواطنين، وتعزيز مفهوم الاستبداد، بدل المشاركة وهذا غير مقبول أخلاقياً. ووصف سنجار إجراءات العزل بأنها غدّارة، وتلحق الضرر بكل تركيا، وتاريخ البشرية لن ينسى ذلك.وانتقد حزب الشعب الجمهوري المعارض عمليات العزل، معتبراً أن رئيس البلدية الذي يأتي بالانتخاب لا يذهب إلا بالانتخاب.

وترد رئيسة كتلة الحزب الكردي في البرلمان ميرال بيشطاش عمليات العزل، بأنها لضرب نجاح الحزب في مكافحة انتشار فيروس «كورونا». وتقول: إن السلطات المحلية (البلدية) لعبت دوراً كبيراً في مواجهة خطر «كورونا»، وبدلاً من دعمها يلجأ حزب العدالة والتنمية إلى إقصائها عن المسؤولية. فبلديات حزب الشعوب الديمقراطي أعفت المواطنين من الكثير من الفواتير، وقدمت دعماً للمحتاجين، وهذا لم يعجب سلطة العدالة والتنمية. وفي وقت يصارع العالم ضد «كورونا» فإن حزب العدالة والتنمية يصارع حزب الشعوب الديمقراطي. وفي بلد ديمقراطي كان يجب أن تمنح بلديات الحزب جوائز بدلاً من معاقبتها. ووصفت بيشطاش، حزب العدالة والتنمية بأنه مثل الفيروس.طرحت عمليات تصفية الوجود السياسي الكردي في تركيا تساؤلات مفتوحة حول جدوى العملية الانتخابية سواء النيابية أو البلدية. فالعديد من زعماء حزب الشعوب الديمقراطي ونوابه هم في السجن منذ فترة طويلة، وعلى رأسهم رئيس الحزب السابق صلاح الدين ديميرطاش. أكثر من ذلك فإنه بالكاد انتهت الانتخابات البلدية في مارس الماضي حتى بدأت حملة العزل والاعتقالات بملفات سابقة على الانتخابات. وبالتالي إذا كان بحق هؤلاء ملفات دعم الإرهاب، لماذا سمح لهم بالترشح أصلاً للانتخابات البلدية؟ وفي الحقيقة إن كل ناشط كردي في تركيا له ملف جاهز عند الطلب. وهو جزء من خطة شاملة من جانب القوميين المتشددين الذين يمثلهم حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية. وتقوم الخطة على تصفية الوجود المادي للحركة الكردية في تركيا تارة بالعمليات العسكرية وتارة بالعزل من المواقع المنتخبة وأخرى برمي هؤلاء في السجن.

مجلة الخليج