أخبار عاجلة

لماذا يستمر رجب طيب أردوغان – رئيس تركيا – بإجراء الانتخابات…؟

ألهم الرئيس أردوغان جيلاً من الشعوبيين الأوروبيين إهمال الديمقراطية

ربما تتساءل – عزيزي القارئ – لماذا يستمر رجب طيب أردوغان – رئيس تركيا – بإجراء الانتخابات.

يسرق حزبه موارد الدولة ليقيم حملاته الانتخابية، ويرهب المنافسين الداخليين، تسيطر أسرته وأصدقاؤه على معظم القنوات التلفزيونية في تركيا؛ لذلك يواجهون معارضة ضئيلة في الصحافة، في الفترة التي تسبق يوم الاقتراع، يحصل أردوغان على عشرة أضعاف وقت البث في القنوات التلفزيونية مقارنة بأقرب منافسيه.

عندما لا يفوز بأحد الانتخابات، يجد طرقًا لجعله يبدو وكأنه الفائز؛ إذ تحتكر الأناضول – وكالة الأنباء الرسمية – النتائج الأولية وتُظهر النتائج من حصونه أولاً، لجعله يبدو وكأنه يقتحم الصدارة، في كثير من الأحيان، لم ينته إحصاء الأصوات قبل إعلان الفوز؛ ولكن أنصاره يتدفقون إلى الشوارع.

إنه تمثيل للديمقراطية، وليس الشيء الحقيقي، وأردوغان مدمن على ذلك، لقد حضرتُ سبع جولات من الانتخابات والاستفتاء منذ الانتقال إلى تركيا قبل ست سنوات، بالكاد يكون لدي الوقت للتحقيق أو الإبلاغ عن الفساد الهائل الذي يشغل الهيكلية الإدارية في تركيا، أو الحرب ضد الكرد في جنوب شرق البلاد والتي قتل أكثر من 6000 شخص منذ عام 2015 وشرد مئات الآلاف، هذا هو جزء واحد من هذا الموضوع.

حملاته، المؤلفة من التجمعات الجماهيرية والتظاهرات، هي شيء آخر أيضا. أردوغان هو أسعد ما يكون أمام حشد طيّع للترويض، ويفضل أن يكون معه من أن يكون أمام عدو يبصق السم، أن يكون الإسلام ضحية هي مادة دسمة لهؤلاء المحتشدين، النفاق الغربي أفضل. نفاقه الخاص هو أنه يدعي أن إرادة شعبه هي الأساس، في الوقت نفسه وخارج المسرح، هو قارٌّ في قصره مع زمرة من المطبلين له، لقد ضمن حقاً قبضته على السلطة التنفيذية وقوات الأمن والقضاء من خلال عمليات التطهير والإصلاح الدستوري.

لم يستخدم سلطته لتحسين بلده، أنفق معظم القروض الرخيصة التي تدفقت على تركيا خلال العقد الماضي على مشاريع البناء التي تثري أصدقاءه بدلاً من التعليم أو التحديث الصناعي، على الرغم من أن انخفاض الليرة إلا أنه يصر على كبح أسعار الفائدة للحفاظ على تدفق الائتمان والقوة الشرائية لدى الأتراك، الأمر الذي أدى بدوره إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود. لقد أنتج تدخله السياسي في الشرق الأوسط منذ بداية الربيع العربي 3.6 مليون لاجئ سوري في تركيا، وهي نقطة حساسة للعديد من الأتراك الذين يكافحون لأجل مستقبلهم، بينما يضح أردوغان اللوم في كل شيء على التدخل الأجنبي.

هوامش الفوز ضيقة دائما، وتنحسر الآن بسرعة، كانت ليلة 31 مارس كارثية بالنسبة له بكل المقاييس؛ في الانتخابات المحلية التي خاضها استفتاء على شعبيته، خسر حزبه مساحة واسعة من البلاد بما في ذلك جميع المدن الكبرى. فاز حزب كردي بمعظم جنوب شرق تركيا، على الرغم من سجن زعيمه وأعضاء آخرين متهمين بارتكاب جرائم إرهابية. طارت من يده إسطنبول وأنقرا – اللتان يديرهما محافظون إسلاميون منذ عام 1994 – إلى المعارضة العلمانية على الرغم من الجهود الكبرى التي بذلتها وكالة الأناضول، والتي قلصت النتائج المباشرة في الوقت الذي تقدم فيه منافسه في إسطنبول.

لم يكن أردوغان – الذي يستمد تصوراته من دائرته الموغلة بالعبودية له – يتوقع الضربة، غادر مقر حزبه الرئيسي في تلك الليلة ذاهلا مطرقا، يقول المطلعون إنه أشعل غضبه في “بيرات البيرق”، صهره ووزير الاقتصاد ووريثه المفترض، الذي أشرف على الحملة؛ ولكن لم يمض وقت طويل قبل أن تقرر دائرته الداخلية أنه إذا كنت لا تحب النتيجة، قم بتغييرها فقط. لقد سعوا عبثًا إلى الإطاحة بمرشح المعارضة في إسطنبول، ثم استبدال الأكراد المنتخبين في الجنوب الشرقي بمقربين لأردوغان.

أوعز أردوغان إلى دائرته الضيقة أنه لا يستخدم كل حيلة من دليل الاستبداد الحديث. يسميها المنظرون الاستبداد التنافسي، فالديكتاتورية لمّعت الديمقراطية من خلال الانتخابات التي لن تسير إلا في اتجاه واحد. في جميع أنحاء أوروبا، يتعلم جيل جديد من الشعوبيين الرقص على الحبال، ويحولون الديمقراطيات باتجاه أنفسهم فقط، عن طريق التسلل عبر الثغرات القانونية في الدساتير، والفجوات في تنظيم وسائل الإعلام والمجتمع المدني. لدى مشاهدة أردوغان، أدركوا أنهم تحت غطاء الديمقراطية الزائفة.

في صربيا، اتبع “ألكساندر فوتشيتش” النسخة الأولية: الصعود من رئيس الوزراء إلى الرئيس، وحشد وسائل الإعلام في هذه العملية. في المجر، يعرض “فيكتور أوربان” أزمة اللاجئين تهديد للأمن القومي. في البوسنة، أثار القادة الكراهية العرقية ليبعدوا نظر الشعب عن المحسوبية المتفشية.


لكن رأس البلاغة الديمقراطية والانتخابات المستمرة لا يمكن أن يخفي بنية فاسدة ليست ليبرالية إلى الأبد. أخفق أردوغان في الانتخابات المحلية، وردود الفعل العنيفة له واضحة للجميع، إلا لأنصاره الأكثر ولاءً، والذين يتراوح عددهم بين 20 و 30 في المائة من الناخبين الأتراك. كما أعطت المعارضة – التي هُزمت من قبل – القدرة على الفوز في الانتخابات المقبلة، المقرر إجراؤها في عام 2023، ما لم يقرر أردوغان عدم إجرائها.

خياره الآن هو بين الاستمرار في تمثيلية الديمقراطية الهزلية، أو تجاهلها دكتاتوراً غير آبه، تشير تصرفاته الأخيرة إلى أنه يميل نحو الأخير، والخيار الثالث، وهو التنحي عن طيب خاطر، هو أحد الإجراءات التي يبدو أنه لن يوافق عليها، ولن يعتبرها أصلا، سيؤثر المسار الذي يسلكه على الشعبويين الذين يعتبرونه معلمًا. راقب تركيا إذا كنت تريد معرفة كيف ستتكشف الخطوة القادمة في أوروبا.

مترجم عن التايمز البريطانية 04/09/2019