تتزامن حالة الصدام الحاصلة بين أطراف الفصائل السورية الحكومية والعسكرية مع اتجاه تركيا لفتح خطوط تواصل مع حكومة دمشق، من أجل بدء محادثات بشأن سلسلة ملفات تتعلق بسوريا.
وحتى الآن لم تتضح الصورة التي ستكون عليها العلاقة بين دمشق وأنقرة في المرحلة المقبلة. وكانت عملية فتح “أبو الزندين” وإغلاقه مؤخرا قد ولدت اعتقاد لدى كثيرين وبينها الفصائل التابعة لحكومة دمشق بأنها خطوة أولى لتعبيد طرقات التطبيع.
أكدت المصادر بان الاحتلال التركي عقد اجتماعاً موسعاً للفصائل السورية السياسية والعسكرية على أراضيها، لبحث عدة ملفات، من بينها افتتاح معبر أبو الزندين بريف حلب الشرقي.
ويأتي الاجتماع في ظل احتجاجات رافضة لإعادة افتتاح معبر أبو الزندين الذي يقع في شمال حلب، ويفصل المعبر قرية أبو الزندين عن مزارعها الخاضعة لسيطرة قوات حكومة دمشق، وهو معبر تجاري ويقع على الطريق الدولي إم فور.
هدف الاجتماع، محاولةٍ الفصائل الموالية للاحتلال التركي لإيجاد مخرَجٍ لتركيا، فيما يتعلق بمأزق المعابر، والتعامل علناً مع حكومة دمشق، وتجميل صورة المحتل التركي، رغم أنه أحدُ الأطراف الرئيسة المتسببة في تعميق معاناة السوريين، منذ عام 2011.
المجتمعون في تركيا، بالتأكيد لم يناقشوا الأزمات التي تعصِف بالسوريين، وضرورة الاستماع لصوتهم ومطالبهم، وهذا ليس بجديد، بحسب مااشارته المصادر، لكن المفارقة أنهم لم يناقشوا أيضاً الآثار المترتبة على فتح معبر أبو الزندين، بين المناطق التي يسيطرون عليها ومناطق سيطرة حكومة دمشق، بل طُلب منهم وعلى عَجَلٍ قراءةٌ سريعةٌ لما يجب عليهم القيام به، إذ ارتأت أنقرة الآن أنَّ فتح المعبر له تأثيرٌ إيجابي،أما آراء أهالي المنطقة والاحتجاجات اليومية المنددة، فلا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت.
لكن سرعان ما ارتسمت صورة عكسية ومخالفة لذلك، وترجمها بيان اعتبر باحثون ومراقبون أن تفاصيله تشكّل “تحولا كبيرا سيكون له تداعيات” في المرحلة المقبلة.
البيان صدر من جانب فصيل عسكري كبير يطلق عليه اسم “الجبهة الشامية”، وحمل لغة هجومية ضد “الحكومة السورية المؤقتة” التابعة للاحتلال التركي ورئيسها عبد الرحمن مصطفى، وتطورت سياقاته شيئا فشيئا لتصل إلى حد الإعلان عن مقاطعتها بالكامل والدعوة لحجب الثقة عنها.
و بحسب زعم فصائل “الجبهة الشامية” يأتي قرار وقف التعاون بعد إتهامهم من قبل عبدالرحمن مصطفى بحرق العلم التركي في التظاهرات الشعبية التي حدثت في المناطق المحتلة في الأشهر الأخيرة إلى جانب تحريض الأهالي، كما أشارت العديد من المواقع التابعة للفصائل بأنه بخصوص فتح معبر أبو الزندين كان قرار فصيل الجبهة الشامية السيطرة على المعبرة و توليه جميع المواضيع المتعلقة بهذا الشأن.
علما بأن جميع الفصائل في الشمال المحتلة هم عبارة عن مسلحين يعملون حسب التعليمات التركية وتنفيذ أجندتها الاحتلالية و خطتطها المستقبلية.
ولم تبد “الحكومة المؤقتة” أي رفض لفتح المعبر، وأكدت في بيانها بعد الاجتماع، أنه يهدف فقط لإنعاش المناطق التي تديرها اقتصاديا.
من جهتها، ذكرت صحيفة “الوطن” المقربة من حكومة دمشق، أن أنقرة تلتزم بتعهداتها لموسكو بافتتاح معبر أبو الزندين خلال الشهر الجاري و”قبل الاجتماع الرباعي المرتقب”.
وأضافت أنه، لم يعد بمقدور أنقرة اكتساب مزيد من الوقت والمماطلة بافتتاح أبو الزندين، بغية تحسين شروط التفاوض خلال اللقاء الرباعي الموعود، وذلك استجابة لمطلب روسي بوضع المنفذ في الخدمة.
وأوضحت الصحيفة نقلاً عن مصادرها، أن موسكو تعتبر فتح المنفذ بمثابة “إبداء حسن نية من أنقرة تجاه دمشق” للدخول في مفاوضات تطبيع تفضي إلى حلحلة المواضيع الخلافية.
وقبل أيامٍ تناقلت مصادرُ محلية، أن الاستخبارات التركية شكّلت ما تسمّى” كتائب الموت التركمانية ” الذي يشبه طريقة تعامل”الذئاب الرمادية” في المناطق السورية المحتلة، بعد الاحتجاجات التي شهدتها، تنديدًا بمحاولات التطبيع، بين الاحتلال التركي وحكومة دمشق.
وبحسب المصادر، فإنّ مهمةَ هذه الكتائب تصفيةُ واختطاف كلِّ مَن يعارض أوامر تركيا، وعلى وجه الخصوص مسألةَ فتح معبر أبو الزندين.
هذا وتشهد مدينة الباب المحتلة وبشكلٍ شبه يومي، احتجاجاتٍ شعبيةً، تنديداً بإعادة فتح معبر أبو الزندين، مع تصاعد حالةٍ من الغضب الشعبي، على خلفية تنفيذ الفصائل الأوامرَ والمصالح التركية بشكلٍ مباشر، منذ احتلال المنطقة، دون أي اعتبارٍ لمصلحة السوريين.
وعلى هذا الحال من الشد والجذب، تبقى كلمة السوريين ورأيهم غيَر مدرجٍ على جدول أي مناقشاتٍ أو لقاءاتٍ تركية، مع ما تسمى المعارضة، ليس ذلك فقط، بل لطالما استخدمتهم أنقرة لتنفيذ مصالحها في مناطقَ متفرقة، لكن مَن يتمعّن في المشهد المعقد، لن يبذل جهداً كبيراً حتى يتأكد أن هناك جمراً تحت الرماد، ينذر بإشعال ثورةٍ حقيقيةٍ ضد تركيا، التي تاجرت بقضيتهم وكل من ساندها، وليس ذلك ببعيد، بحسب ما يرى مراقبون.