مخرجات ما تم الاتفاق عليه بين كل من الرئيس الروسي بوتين والتركي أردوغان في سوتشي أمام مرحلة صعبة من الناحية العملية حتى تتوضح الخطوات الجادة فيها، حيث إن الحديث التركي عن إقامة منطقة منزوعة السلاح بعمق 15-20 كم بين المعارضة والنظام إلى حد ما يشبه المستحيل، وبخاصة في إن من يتواجد في تلك المنطقة هم فصائل إرهابية ـ جبهة النصرة- الذين لن يقبلوا بما تم الاتفاق عليه بين بوتين وأردوغان بالشكل السهل. لكن؛ إن كان هناك قبول من الجانب المذكور- جبهة النصرة أو الفصائل الراديكالية بشكل عام- فإن؛ ذلك يعني بأن المرحلة القادمة ستكون الأصعب بحكم إن تركيا تحت مسمى إنقاذ حياة الملايين في إدلب لعبت دوراً سلبياً في إنقاذ الإرهاب من إدلب، بالإضافة إلى أنها وضعت نفسها مرة أخرى وبدليل دامغ هذه المرة بعد الأدلة التي توافرت وتنصلت منها فيما يخص علاقاتها مع داعش في إن لها تأثير غير محدود على القوى الراديكالية بما فيها جبهة النصرة أو جبهة فتح الشام كما تطلق على نفسها اليوم في إدلب.
إن التفاهم الذي حدث والمهلة المقدمة ـ 15 تشرين الأول القادم- في حسم ملف إدلب وفصل المعارضة المعتدلة- حسب ما سموها- والقوى الإرهابية بالإضافة لنزع الأسلحة الثقيلة وفتح الطرق- الشرايين الرئيسية بين دمشق والداخل- وتسيير دوريات مشتركة إن كان ذلك موجود من الناحية العملية؛ فهذا يعني أن التفاهم سيكون مقبولاً. لكن؛ تركيا ترى ضمنياً في إن مصلحتها تكمن في وجود التطرف أو الجماعات التي من خلالها تمارس سياستها في سوريا، حيث إن تركيا لو لم تكن هي المتحكمة ولها الدور الأهم في ملف إدلب لما كانت الطرف الرئيسي واتخذتها روسيا مرجعاً في معالجة موضوع إدلب، إذاً لو تم الاتفاق ونجح؛ فأين مصلحة تركيا من الموضوع؟ كيف يمكن لتركيا أن تفرض أجندتها على القوى الموجودة في سوريا من خلال ورقة الإرهاب مثلاً؟ إلى حد ما تركيا وقعت في مأزق حقيقي، فاختبار النوايا التركية لم يعد متوفراً، بل الأمر سيكون من خلال المواقف التي تظهر النوايا غير كافية في هذا الجانب، إن تم الاتفاق أكرر مرة أخرى كما هو؛ فإن ذلك يعني إن الدور التركي في سوريا وتشعباته بات أمام مرحلة النهاية وذلك لا يعني أن تركيا تسعى إلى تحقيق الأمن والاستقرار في سوريا، بل الأمر يفسر مدى التورط التركي وتعمقه في استثمار أزمة إدلب ليس من الآن وإنما منذ سنوات، من الناحية الأخرى لو يتم الاتفاق فذلك يعني مرة أخرى بأن تركيا أمام أزمة أخرى وتعامل روسيا والدول الفاعلة لن يرضيها بعد ذلك بكل تأكيد، إن تم تقديم الاتفاق على إنه نجاح تراه روسيا وتركيا فقط فذلك يعني أن التواطؤ الروسي مع تركيا مستمر وإن موضوع إدلب صفقة تم فيها الاتفاق حول ما هو أكبر بين كل من روسيا وتركيا تماماً كحال الهجوم على عفرين ومن ثم حصول روسيا على تنازلات تركيا التي ربما لن تكون في عقود لو لم يكن هناك عفرين.
الحل بوجود تركيا في أي مكان صعب، وقد تطرقت قبل فترة وتحدثت في أن أي حل في إدلب بوجود الدولة التركية في المعادلة لن يكون إلا عكس ما يتم ترويجه في الإعلام، لا بد للجميع أن يدرك بأن تركيا لا تستطيع القضاء على الإرهاب وليس في مصلحتها حتى القيام بذلك، ما سيظهر في إدلب خلال الأيام القادمة ستكون مفاجئة على المستويات كافة دون شك، من الناحية السياسية لو تطرقنا للموضوع بغض النظر عن المواقف ومن هم في الاتفاق، التوجه سياسياً لتحقيق أي حل دون التدخل العسكري إنجاز هام، نؤكد على أن المسار السياسي هو الأساس في كل الجوانب بسوريا، لكن المواقف السياسية أو التوجه نحو اعتماد المسار السياسي يجب أن يترافق مع جهود جادة ومسؤولة ويجب ألا يكون التوجه السياسي فيه مفارقات كما الحال بين إدلب وعفرين، حيث إن ما حدث في عفرين كان اختباراً حقيقياً لجدية نوايا الحل والإيمان السياسي في سوريا، إضافة إلى أن الحالة الإنسانية ومعاناة شعبنا من أهل عفرين يعيد اختبار النوايا الجدية مرة أخرى إلى الواجهة بإثارة موضوع إدلب، دبلوماسياً خطوة إدلب كفكرة ومنطق للحل حالة مقبولة لكن التفاصيل التي فيها ووجود تركيا يثير الشكوك دوماً، إضافة إلى ذلك أن المعضلة ليست في إدلب فحسب، عفرين، إعزاز، الباب، جرابلس مناطق تتطور فيها الخطر وعلى وجه التحديد اليوم وسط مخاوف من نقل كرة النار من إدلب إلى المناطق المذكورة كمراوغة تركية وعدم قطع صلة الإرهاب وهذا بحد ذاته تآمر وليس اتفاق. على العالم أن يتعامل مع الحالات الموجودة في سوريا كما هي، المعاناة، التهجير، حرق القرى، الإرهاب، التآمر، الاستثمار السياسي جميعها معان لها وجهها الحقيقي لا يمكن تشويه حقيقتها ولا تجميلها بأي شكل، من جانب آخر لا بد من التفكير عملياً في أن الاتفاق الروسي- التركي ليس الحل أو الاستقرار في النهاية، توجد قوى أخرى تبحث لذاتها عن دور ولديها رؤية في الوضع السوري وما حدث من هجوم صاروخي على الساحل السوري ليلة عقد الاجتماع في سوتشي لم يكن صدفة، هناك من يريد القول بأنهم موجودون وهناك من أعلن إنه لن يبقى في سوريا حتى بعد التسوية في إدلب ـ حزب الله – في كل الأحوال نأمل في أن يكون أي توافق في خدمة الشعب السوري، نأمل أن يتم تطبيق القرار 2254 بشكل فعلي، وأن يرى العالم أن الاستفراد بالقضية السورية ليس حلاً كما حدث في سوتشي وآستانا وإن التكتل أو بناء محاور لا يخدم الحل في سوريا. الأمم المتحدة هي القادرة القيام بدورها المسؤول في تطبيق قرارها الخاص بسوريا والاعتراف بالواقع العملي الموجود من ناحية الدفاع عن سوريا ومحاولة تعزيز فرص الحل الديمقراطي ومن ناحية وجود ما يعيق الحل ويسعى إلى عزل السوريين ويخطط لحلول تخدمه قبل خدمة الشعب السوري عدا الخروقات الواضحة الموجودة على الجغرافية السورية من احتلال، إرهاب، تجاوز للأخلاق، الاستثمار السياسي، وكسب المواقف والحصول على تنازلات أخرى في الميدان السوري بذريعة خدمة السوريين ومستقبلهم.