أخبار عاجلة

الأسباب التي جعلت الولايات المتحدة الأمريكية تقوم بتمديد حالة الطوارئ في سوريا

 

 

وَسْطَ حالةٍ من التزاحم الدّولي والإقليمي في منطقة شمال وشرق سوريا، بعد الانسحاب الجزئي للقوات الأمريكية في أكتوبر من عام 2019، برزت صراعات وتوترات بين القوى الدولية والإقليمية في هذه المنطقة من صراع أمريكي روسي وتضارب في الرؤى بين الإدارة الذاتية والنظام السوري، والتهديد التركي المستمر بشن عمليات عسكرية على المنطقة.

تعتبر سوريا البقعة المحورية في تحديد ملامح المنطقة في المستقبل، فتواجد مختلف القوى الدولية والإقليمية بكثافة فيها وتأثير الملف السوري على العلاقات التاريخية المتبادلة بين هذه الدول، وتفاعل هذه القوى مع الحدث السوري بسبب معرفتهم لأهمية سوريا سياسياً وجغرافياً على أساس مصيري لوجودها واستراتيجياتها وفي رسم التوازنات المستقبلية الجديدة. وفي ظل هذا الواقع أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخراً في بيان للبيت الأبيض، عن تمديد حالة الطوارئ في سوريا وجاء فيه : “الوضع في سوريا، وخاصة الأفعال التي قامت بها حكومة تركيا بتنفيذ هجوم عسكري على شمال شرق سوريا، تقوض الحملة الهادفة لهزيمة تنظيم داعش وتعرض المدنيين للخطر، كما تستمر في تشكيل تهديد غير عادي على الأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة”. وأضاف: “لهذا السبب، فإن حالة الطوارئ الوطنية المعلنة في 14 أكتوبر 2019 يجب أن تبقى سارية بعد 14 أكتوبر 2020 لمدة سنة واحدة”.

ويتعلق تمديد حالة الطوارئ بالتطورات التي حصلت فيما بعد الانسحاب الجزئي من شمال سوريا والتمركز في المنطقة الشرقية المحاذية للحدود العراقية، وذلك بعد إعلان ترامب في تشرين الثاني من عام 2018 أن بلاده ستنسحب من سوريا بشكل كامل بعد تنفيذ أهدافها في القضاء على تنظيم داعش الإرهابي. وفي هذا السياق نتيجة الانسحاب من بعض المناطق، أدركت الولايات المتحدة تبعات هذه الخطوة والمتغيرات التي قد تحصل وتؤثر على عمق الأهداف الأمريكية في المنطقة من مكافحة الإرهاب ومواجهة إيران والصراع مع روسيا حول مختلف الملفات، حيث أدى هذا الانسحاب إلى:

1ـ ضرب الاستقرار الأمني بسبب احتلال تركيا لكري سبي وسري كانيه، كما عزز هذا الانسحاب مخاوف العديد من دول ثانيةً من ظهور تنظيم داعش في المنطقة والتي هددت العالم لعدة سنوات، كما ونشطت الخلايا النائمة لداعش في المنطقة بكثافة بعد الاجتياح التركي للمنطقة.

2ـ تقوية دور روسيا وزيادة نفوذها في سوريا، بعد إيجاد موطئ قدم لها في المنطقة، بموجب الاتفاقية الأمنية بين قوات سوريا الديمقراطية وروسيا.

3ـ إعطاء حيوية للدور الإيراني وتقوية موقفها السياسي والعسكري في سوريا، في الوقت الذي وضعت فيها الولايات المتحدة الأمريكية التمدد الإيراني ضمن سلم أولوياتها، خاصة أن إيران تضغط من خلال القاعدة السياسية والشعبية على أمريكا للخروج من العراق، ومن جانب آخر أدى هذا الانسحاب إلى تزايد النفوذ الإيراني في شرقي الفرات بسبب دخول المليشيات التابعة للنظام السوري وإيران إلى هذه المنطقة بعد الاحتلال التركي.

4ـ تدويل الوضع بين (روسيا، تركيا، إيران) والوصول إلى مزيد من التفاهم بينهما حول الوضع في شرقي الفرات في ظل رفض مطلق من قبلهما للحالة السياسية المعاشة في هذه المنطقة، بعد تحريرها من تنظيم داعش، والتي من شأن هذه التفاهمات أن تحدث توطيداً في العلاقة بين الأطراف الثلاثة، وترغم تركيا على الدوران في الفلك الروسي، مما يؤثر على العلاقة الأمريكية التركية حيث أن أهداف أردوغان صارت تتضارب مع الأهداف الأمريكية في سوريا.

هذه الأسباب وغيرها جعلت الولايات المتحدة الأمريكية تقوم بتمديد حالة الطوارئ في سوريا، أي بقائها لعام آخر.

 

ويأتي تمديد ترامب لحالة الطوارئ في سورية في فترة يشهد الحوار الكردي الكردي تقدماً ملحوظاً وعودة التصريحات الروسية بعدم شرعية تواجد القوات الأمريكية في سوريا وازدياد الاحتكاكات ” الدوريات ” بينهما خاصة في بعض المناطق التي سيطرت عليها روسيا بعد الانسحاب الجزئي للقوات الأمريكية إبان الاجتياح التركي الأخير (تل تمر والحسكة) والمناطق التي لا تزال القوات الأمريكية متواجدة فيها ديرك ( المالكية )، حيث روسيا تطمع بعد إيجاد موطئ قدم لها في مناطق الإدارة الذاتية إدخال شركاتها للاستثمار في مجال النفط في شرقي قامشلو وهي الحقول التي لم يشملها العقد الموقع بين الإدارة الذاتية وشركة النفط الأمريكية والتي من شأنها تقوية النظام وتعويض جزء من التكلفة العسكرية لها في سوريا.

وهنا يمكن استشراف ما يمكن أن يحدث من متغيرات في شمال وشرق سوريا وقد تترك تأثيراً على كامل الجغرافية السياسية السورية جراء استمرار حالة الطوارئ، وتهدف الولايات المتحدة من خلال ذلك إعادة تموضع قواتها في المناطق التي انسحبت منها إبان الاجتياح التركي الأخير، فقد استقدمت نحو 100 جندي من قوات المارينز وعربات برادلي القتالية، ونشرت راداراً من نوع “سنتينل” قصير ومتوسط المدى، وتدعم الحوار الكردي الكردي والذي قد يؤدي في حال نجاحها تشكيل معارضة جديدة بين مسد وما يسمى بالائتلاف السوري وهذا يتطلب موافقة تركية.

ولكسب الولايات المتحدة كِلا الطرفين” تركيا والإدارة الذاتية” على المدى الطويل، قد تعمل في المرحلة المقبلة بالضغط على تركيا للقبول بسياستها في سوريا وفتح باب المفاوضات بين الطرفين للوصول إلى اتفاقية سلام، لأن حصول الاستقرار السياسي في هذه المنطقة تسهل على أمريكا عملية الاستثمار “شركة دلتا كريسنت أنيرجي”. وهو سيدفع الروس للضغط أكثر على الإدارة الذاتية واستمرار محاولة تهديدها بالانسحاب لفتح الطريق أمام اجتياح تركي جديد، أو ستعمل بالضغط على النظام لفتح باب المفاوضات مع مسد وتقديم تنازلات للوصول إلى اتفاق يسمح بتغلغل روسي اقتصادياً وعسكرياً في المنطقة، وتقطع الطريق أمام الولايات المتحدة للتفرد بالمنطقة من خلال إدراكها أهمية الوجود الكردي في المنطقة وخسارتها لهم لصالح الولايات المتحدة، وستحاول روسيا الضغط على قوات سوريا الديمقراطية بهدف الاستحواذ على جزء من الثروات النفطية في شرق الفرات، ومحاولة الحصول على موطئ قدم في المنطقة النفطية قبل أن تباشر شركة دلتا الأمريكية، بإعادة ترميم الحقول النفطية وتشغيلها، حيث تدرك إن تفعيل العمل بالاتفاقية النفطية يعني أن قرار الانسحاب الأمريكي أصبح مستبعداً، وفي حال نجحت هذه السياسة الأمريكية، وفشلت روسيا في إحداث شرخ في العلاقات الأمريكية التركية ولم تنجح بدفع تركيا لعملية عسكرية جديدة حتى وإن كانت محدودة، خاصة إذا كانت الولايات المتحدة قد وضعت خطوطاً حمراء تجاه تركيا بعد منحها الضوء الأخضر لاجتياح منطقتي كري سبي وسري كانيه، وبالتالي ستكون بدايةً لظهور خلافاتٍ روسية تركية والتي ستنعكس في المستقبل على إدلب.

مركز روج آفا للدراسات الإستراتيجية