الثورة السورية الكبرى.. ثورة كل السوريين

تتميز سوريا بموقع تاريخي مهم وتعدد في المكونات والشعوب التي تسكنها منذ فجر التاريخ، لها بعد عميق في المنطقة، وشعبها المتميز جعلها موقعاً ومسكناً للتعايش المشترك والأخوة وتلاقي الأديان والمذاهب. ساهم أبناء الشعب السوري في مقارعة القوى التي أرادت السيطرة على إرادة السوريين، حيث تم مواجهة العثمانية وكذلك رفض إجراءات التبعية لفرنسا لاحقاً. واليوم هناك نضال جوهري في منع شراء البعض لإرادتها وقرار شعبها. تميزت سوريا خلال تاريخها القديم والحديث إلى فترة ما قبل هيمنة حزب البعث على الحكم وتطويره للنهج الأحادي والتفرقة ومصادرة الرأي وفرض العنف بأنها كانت بلاداً لكل السوريين ولم يتم إنكار أو مصادرة إرادة أحد؛ لا بل إن السوريين على اختلاف انتماءاتهم كانوا يدافعون عن سوريا بوصفها البلاد المشتركة فيما بينهم وهي الوطن الأم، ولم يكن هناك أي نوع من الاحتكار، حيث لا سلطة لأحد على أحد.
عملياً هذا الكلام ما لم يكن ممهوراً بوقائع عملية من الحالة السورية سيبقى محصوراً في الإنشاء، لذا لنتمعن معاً في أهم المحطات التي تغيرت فيها مجريات الأحداث في سوريا وتوحدت الكلمة والنداء السوري، عام ١٩٢٥ حيث الثورة السورية الكبرى التي انطلقت من جبل العرب في السويداء على يد سلطان باشا الأطرش، ساهمت هذه الثورة فيما بعد وبالتحديد عام ١٩٣٦ في منح سوريا استقلالاً جزئياً من قبل فرنسا رغم أنها قُمعت في البدايات دون أن يتنازل أي أحد من المشاركين فيها عن أهدافها. حيث لو تعمقنا في شكل المشاركة سنجد بأن كل المدن السورية تحركت في هذه الثورة، في حوران ودمشق (عبد الرحمن الشهبندر) والغوطة (حسن الخراط)، كذلك دير الزور (عائلة عياش)، وإدلب – جبل الزاوية (إبراهيم هنانو) والساحل (الشيخ صالح العلي) وحماة (فوزي القاوقجي) و(محو بشاشو) في حلب. لقد كانت القيادات من جميع المكونات في سوريا دون استثناء.
تشارك السوريون هدفاً واحداً، وهو بناء إرادتهم السورية والعيش معاً ولم تكن التفرقة حاضرة، دامت هذه الحال حتى بعد الاستقلال عام ١٩٤٦ وشهدت سوريا انفتاحاً ديمقراطياً وظهر التعدد الموجود في سوريا على الساحة السياسية. لكن مع إجراءات الوحدة وقبلها الصراع على الحكم ووصول البعث لاحقاً إلى الحكم تغيرت ملامح سوريا وتراجعت وفقدت لونها التعددي وبات الحصر هو سيد الموقف في سوريا بشكل أكبر منذ عام ١٩٦٣ وحتى الآن.
سوريا اليوم أشد ما تكون محتاجة كي تعود لما كانت عليها، محتاجة أن تخرج من هذا الحصر وإصرار البعض للنظر إليها بأنها ملك خاص أو أنها أرض مطوبة باسم فئة، دافع الكرد والعرب والموحدون والعلويون والمسيحيون على اختلاف تنوعهم عن سوريا، ولهم حقوق وتضحيات كبيرة في سوريا؛ فكيف يريد البعض اليوم أن ينكروا ويصفوا الأصلاء من هؤلاء المؤسسين لسوريا بأنهم غرباء؟
منطقة شمال وشرق سوريا تشهد اليوم ثورة حقيقية متكاملة الأركان وتعبر عن الروح التي بدأت بها الثورة السورية الكبرى، عن ذات المبدأ والتشارك والأهداف، روح الثورة السورية الكبرى اليوم تتجدد في روح ثورتنا بالرغم من بعض الخصوصيات التي تميز كل منهما على حدة. لكن النداء واحد، والمشاركة واحدة، والهدف سوريا حرة ديمقراطية واحدة. عندما نضيع التاريخ نضيع هويتنا. لذا فالتمسك بالتاريخ القديم والحديث والعمل على إحيائه هو السبيل للحفاظ على هويتنا ووجودنا. ولا يمكن إنكار التاريخ الحقيقي في سوريا مهما طالته يد التشويه والتحريف. والشراكة الحقيقية هي التي ستكفل اليوم في إخراج سوريا وشعبها من هذا المأزق والأزمة البنيوية الحادة.

 

آلدار خليل