ساهم تنظيم داعش الإرهابي في إلحاق الكثير من الضرر في الواقع والمجتمع السوري، بالإضافة إلى أن الخطر الكبير لتنظيم داعش الإرهابي لم يكن محصوراً بجغرافية أو مكان معين، على العكس تماماً كان التنظيم المتطرف يشّكل خطراً على عموم المنطقة والعالم، بحيث إن الاستراتيجيات العامة لكافة الدول باتت تأخذ بعين الاعتبار وجود داعش كخطر كبير غير محدود خاصة في البدايات الأولى لولادة داعش.
اليوم ومع معركة الفصل النهائية والانتصار على داعش لابد من الاعتراف بحقيقة أن هذا النصر التاريخي لم يكن لولا وجود إرادة قوية قوامها شعب متعدد المكونات مؤمن بفكرة الديمقراطية ومشروع الأمة الديمقراطية والعيش المشترك وضرورة ترسيخ المبادئ الأساسية للحل والسلام والاستقرار في سوريا، بحيث مع نهاية داعش يمكن القول إنه لأول في تاريخ المنطقة الحديث يوجد إصرار حقيقي على تهيئة بيئة الحل والاستقرار في سوريا بالرغم من الظروف الصعبة وتعقد الأمور والعرقلة الموجودة من قبل بعض الأطراف التي تصّر على وجود الفوضى كضمانة لمصالحهم في سوريا وهنا تركيا المثال الأسطع حول ما تم ذكره.
في هذه الظروف وضمن هذه المرحلة المهمة التي تمر بها المنطقة يمكن ملاحظة إجراء أو تطور مهم، متعلق بمدى الإصرار على الحل والاستقرار من قبل مكونات شمال وشرق سوريا حيث في الوقت الذي كان داعش يمثل خطرا على سوريا والمنطقة والعالم كان يتم محاربته ويتم تقديم العشرات من الشهداء في كل حملة ومن كافة أبناء وبنات المنطقة؛ هذه الجهود التي كانت تتم في الوقت ذاته كانت مقابلها هناك جهود سلبية في آلية التعامل مع المواقف والمبادئ التي تبناها شعبنا في ضرورة الحل والاستقرار في سوريا وفق خيار المرحلة وهو إنهاء الإرهاب؛ بمعنى آخر في الوقت الذي كان يتم محاربة الإرهاب المهدد للعالم كان يتم التعامل مع مكونات شعبنا بأنهم خارج أي إطار يتم المناقشة فيه حول الحل في سوريا، ذلك بدا واضحاً في جهود الإقصاء من جميع الجولات التفاوضية حول سوريا وفي جميع المحطات التي تمت خلال السنوات الماضية بما فيها جنيف وآستانا فهل من المعقول أن يحدث هذا؟!
يجب على كافة القوى التي تريد الحل في سوريا أن تدفع الأمور نحو مسارات تضمن الحل، تبذل جهود في الوقوف مع القوى والمكونات التي أثبتت نفسها كما الحال بالنسبة لمكونات شعبنا في شمال وشرق سوريا ودعمهم في مسيرة البحث عن الحرية والديمقراطية بما يخدم تطلعات الشعب السوري ويحقق البناء الديمقراطي الحقيقي الذي يكفل الاستقرار والسلام، إلى جانب ذلك يجب أن يتم النظر إلى الجهود الديمقراطية لمكونات شمال وشرق سوريا بأنها جهود وطنية ومسؤولة كذلك جهود فيها إصرار على أن يكون مسار الحل والحوار في سوريا يحقق التغيير الفعلي والذي يعتبر الحوار مع كافة السوريين عماده الحقيقي.
دعم الحوار السوري- السوري والتوافق من أجل الحل واجب يجب أن تدعمه القوى المؤمنة بالحل في سوريا، حيث إن عرقلة الحوار بين السوريين أو النقاش بدون مشاركة كل السوريين بما فيهم القوى التي هزمت داعش اليوم شأنه أن يحقق المزيد من التفاقم ويمكن أن يفتح الطريق أمام النزاعات خاصة في ظل وجود أطراف لا تزال بعيدة عن امتلاك قرارها الذاتي والُحّر، كذلك مع وجود أطراف أخرى تعّول على الصدامات الداخلية.
هنا الحوار مع دمشق بما يخدم الحل في سوريا ليس بإجراء خاطئ؛ على العكس حيث إن الإرادة والإدارة الموجودة في شمال وشرق سوريا بما حققته من تغيير على الأرض يمكن لها أن تقود مشروع تحول مهم في سوريا من خلال التوصل إلى نتائج مع دمشق في ظل المشروع الذي تطرحه مكونات شمال سوريا؛ بمعنى الحوار والتفاوض سيكون مبنيا على ضرورة التغيير لا على الجوانب الأخرى التي يحاول البعض تسويقها من قبيل التراجع عن المشروع الديمقراطي والمكتسبات التي تحققت على الأرض ومن بينها هزيمة داعش والرؤية الموحدة في التصدي للإرهاب مع الشركاء في التحالف.
نهاية داعش بداية لمرحلة جديدة تستوجب الدعم وصّب كل الجهود في إطار تطوير الحل السياسي والسلمي في سوريا، التحالف الذي نجح في تحقيق الانتصار التاريخي على داعش أبدى جهود جبّارة؛ يجب ألا تذهب هذه الجهود وهذه التضحيات بدون أن تكون نقطة انعطاف تاريخية في سوريا والمنطقة، الانتصار الذي تم من الضروري أن تتبعه جهود تكون بحجم الإرادة والجهود التي تم محاربة داعش بها ولكن في إطار آخر وهو الاستقرار بالدعم الكافي للمرحلة القادمة ومتطلباتها وفي المقدمة مشروع شعبنا وجهوده في الحل الديمقراطي.