أَحْدَثَ فيروس كورونا المستجد شرخاً كبيراً في النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الثقافية للنظام الرأسمالي، وعَّرت تلك الحقائق المكتومة؛ كان من المفروض أن يقع النظام الذي أحدث ثورة علمية في مجال الفضاء والإعلام والتكنولوجيا، في مثل هذا الوضع البائس؛ حيث كان من المفترض أن يلاحظ هذا النظام أخطاءه ونواقصه ونقاط ضعفه، لكن السبب وراء وقوعه وفشله يكمن في المشكلة التي تشوب علومه.
يشير القائد عبدالله أوجلان في مرافعاته أن علوم الحداثة الرأسمالية بعيدة كل البعد عن حقيقة المجتمع وهي أكثر خطراً على المجتمع من الرهبان السومريين؛ حيث أن العلماء لا يقومون بواجبهم وعلى العكس يهدفون إلى إخفاء الحقائق عن المجتمع وتسخيرها في خدمة النظام الرأسمالي القائم؛ ومن الضروري أن يقرأ الجميع تقييمات القائد عبدالله أوجلان عن العلم والعلماء في مرافعاته، ويدرك مدى الضرر الذي يلحقونه بالبشرية.
قبل أن نقوم بتحليل التأثيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لفيروس كورونا المستجد؛ لا بد من الإشارة إلى موقف الدولة التركية تجاه هذا الوباء؛ لأن موقف الدولة التركية خطير بمقدار خطورة هذا الوباء لأنها لا تزال تتمسك بدائرة الحرب الخاصة وتخدع شعوب تركيا والإنسانية جمعاء.
فيروس كورونا حرب خاصة ضد الشعوب
عندما ظهر فيروس كورونا المستجد في الصين لم تعلن عنها الدولة، لكنها اضطرت إلى الإعلان عنها بعد تفشي الوباء ووصلت سريعاً إلى مرحلة خطيرة وقاتلة؛ كان من المفترض أن تتخذ الكثير من دول العالم تدابيرها واحتياطاتها الوقائية والصحية؛ لكنها لم تتخذ إجراءاتها الوقائية ولم تبلغ شعوبها بحجم الخطر الذي يواجهونه وإحدى هذه الدول كانت تركيا، بما أن الدولة التركية على الدوام تمارس الحرب النفسية والخاصة على الشعب، استمرت على ذات المنوال في المسألة المتعلقة بالوباء المنتشر (فيروس كورونا المستجد)، قد صرحت الدولة التركية لفترة طويلة بأنها خالية من فيروس كورونا وأخفت عن شعبها حقيقة الوضع.
على مدى شهرين من الزمان، أنكرت الدولة التركية وجود إصابات بالفيروس ولم تتخذ اية تدابير وإجراءات وقائية، الأمر الذي تسبب في انتشار وتفشي المرض؛ لا بد من القول أن حكومة حزب العدالة والتنمية إلى جانب حزب الحركة القومية تسببت بشكل مباشر في تفشي هذا الوباء بين شعوب تركيا، حيث أعلنت بعد شهرين كاملين من وجود إصابات كثيرة نتجت عن التغطية على الإصابات التي كانت موجودة وتتحرك بأريحية بين الشعب، وهذا بحد ذاته يعتبر جرماً بحق المجتمع؛ حيث باشرت الحكومة بإغلاق معابرها مع إيران وإيقاف حركة المطارات من وإلى الصين..! لكن ذلك ليس بالأمر الجدي والكافي؛ رأينا كيف أن العالم أجمع اضطرت حتى إلى إيقاف مباريات ودوريات كرة القدم، إلا أن تركيا لم تأخذ الموضوع على محمل الجد ولم توقف مبارياتها ودورياتها
أردوغان في أخر كلمة له، لم يعترف بتأخرهم عن اتخاذ التدابير الوقائية، لكن الرأي العام التركي وكذلك العالمي يدرك تماماً مدى نفاقه وكذبه، حيث أخفوا أعداد المصابين والمتوفين في حين أن عددهم بلغ المئات من الإصابات والمتوفين؛ من المؤكد أن أعداد المتوفين جراء فيروس كورونا في تركيا هي عشرة أضعاف الأعداد المعلنة عنها، حيث أن دائرة الحرب الخاصة هي المتحكمة في تحديد الأعداد المفروض نشرها من الإصابات والوفيات، دائرة الحرب الخاصة التي تضم أردوغان أيضاً.
على شعوب تركيا محاسبة المسؤولين
في الحقيقة أنه لا أحد بات يصدق تصريحات وزير الصحة التركي، لأنه يكذب بخصوص أعداد المصابين والمتوفين بهدف تخفيف وطأة المسؤولية على الحكومة، لذلك على شعوب تركيا محاسبة المسؤولين القائمين على ذلك في تركيا، وأدرك الشعب الكردي حقيقة العدو الذي يواجهه، في مقدمتها مدينة اسطنبول يعاني الشعب الكردي من ضرر تفشي هذا الوباء، ولا يتم تقديم الرعاية الصحية اللازمة للشعب الكردي في كردستان، كما لا يتم اختبار الحالات المشبوهة أيضاً كما اللازم في مناطق كردستان، إلى جانب فرض الحكومة التركية وكلاء عنها على البلديات واعتقال الرؤساء المشتركين لهذه البلديات، وهذا دليل واضح على عدوانية الحكومة التركية للشعب الكردي في هذه الظروف الصعبة.
واتضح مرة أخرى مع انتشار فيروس كورونا، كيف أن المدن تشكل خطراً على حياة الناس، وأن الناس التي تعيش في القرى هم أقل المتضررين من هذا الفيروس وهناك قسم من المجتمع يسعى الآن إلى العودة إلى القرى والعيش فيها؛ وبهذه المناسبة أخض بالذكر شعبنا الكردي الذي اضطر للهجرة إلى المدن الكبرى التركيا (المتروبولات) بسبب الظروف الاقتصادية والاضطهاد وخاصة شعبنا في غرب الفرات وديرسم، حيث ازدادت حركة الهجرة بعد مذبحة مرعش 1978 وكذلك عند تعرض آلاف القرى للحرق على أيدي الطغمة الفاشية التركية وعمليات التصفية التي طالت الوطنيين تحت اسم” الفاعل المجهول”
التسمية الصحيحة لهذا الوباء هي “الرأسمالية”
هذا الفيروس أثبت أن العيش في المدن الكبرى غير صحي وغير ممكن، وهذا المرض سيكون عنصراً فاعلاً لعودة العديد من أبناء الشعب الكردي إلى قراهم، ولدى عودتهم إلى كردستان سيكون بإمكانهم بناء حياة جميلة وصحية وإعادة الحياة لقراهم التي تدمرت، على المرء أن يدرك تماماً أن عليه ترك حياة الحاثة الرأسمالية والتوجه صوب التفكير المجتمع وحياة العصرانية المجتمعية؛ كما أن إعادة الحياة للقرى والمناطق البرية هي إحدى ركائز العصرانية الديمقراطية؛ جميعنا نعلم أن كردستان أصبحت على الدوام مركزاً للزراعة وتربية الحيوان، بلا شك لا يمكننا العودة بالزمان إلى ما قبل مائة عام، ولكن يكفينا أن نعرف أن الحياة الرأسمالية كانت خدعة.
هذا التمدن وهذا الاستبداد الرأسمالي هو نتاج الصناعوية التي أدت إلى إحداث خلل في التوازن البيئي وتشتيت المجتمعية وتغيير صورة الإنسان، حيث تسبب تشتيت المجتمعية في تشويه صورة الإنسان، هذا بحدث ذاته يعادي الجوهر الإنساني؛ من الممكن أن يجدوا علاجاً لهذا الوباء الناتج عن هذا الفيروس، لكن بلا شك ستظهر أمراض أخرى أخطر من ذلك، إذا ما لم يتم التخلص من الرأسمالية، ولذلك تعتبر الرأسمالية بحد ذاتها مرضاً خطيراً تصيب المجتمع والإنسانية، والتسمية الحقيقية للمرض هي ” الرأسمالية” وما لم نتخلص منها سنبقى معرضين لمثل هذه الأمراض القاتلة.
الحل يكمن في تجاوز الرأسمالية
لا بد أن تعمل الدول الرأسمالية من أجل إحداث تغيير في أنظمتها بعد هذا الوباء، ولن يعود أي شيء كما كان، وسَتُحْدِث الرأسمالية بعض الإصلاحات بهدف إطالة عمرها، لكن الحل يكمن في تجاوز النظام الرأسمالي وتغليب الاقتصاد المجتمعي المستند إلى الصناعة البيئية، إلى جانب الاستعاضة بالحياة المجتمعية أو العصرانية الديمقراطية في مواجهة الحداثة الرأسمالية، وعلى المجتمع العمل بجهود مضاعفة من أجل تشكيل كوموناتهم ومجالسهم وتنظيمها في جميع القرى والبلدات والمدن ونواحيها، كما لا بد من تشكيل إدارات الشعب وفق النموذج الكونفدرالي، قوة الشعب قادرة على فعل ذلك في مواجهة الدولة وإظهار إرادة ” الإدارة الذاتية”، أي عندما لا يقتصر ذلك على الكادحين والمساكين والنساء والشباب، بل يشمل كافة فئات المجتمع، ستتكلل الثورة الديمقراطية في مواجهة الرأسمالية بالنجاح والنصر الأكيد.
مصطفى قره سو