بوابة تل أبيض الحدودية.. معبر ٌ مفتوحٌ لعودة الرايات السود بتدبيرٍ تركي

NPA – في الخامس عشر من حزيران 2015، دخلت بلدة تل أبيض الحدودية مرحلةً جديدةً ضمن تطورات الأزمة السورية منذ عام 2011، فقد اختفت الرايات السود ولم تبق آثارٌ لتنظيم “اداعش”الارهابي هناك.

سيطرت قوات سوريا الديمقراطية على المدينة والمعبر الحدودي بين مدينة أقجه قلعة التركية وتل أبيض السورية، مُنهيّةً بذلك حكم مسلّحي تنظيم “داعش عليها. كما تمكّن مقاتلو سوريا الديمقراطية من قطع طريق إمدادٍ للتنظيم يربط تل ابيض بمدينة الرقة السورية.

السيطرة على تل أبيض بالتنسيق والتشارك بين قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي لمحاربة “داعش” كانت ضربةً للتنظيم الذي كان يستقوي من خلال طريق الإمداد الرئيسي بين الرقة والحدود التركية. إذ كانت المدينة أحد الشرايين الرئيسية التي يتدفق عبرها المقاتلون الأجانب والإمدادات من تركيا إلى الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم “داعش” في سوريا والعراق.

كما كانت تشكّل أيضاً معبراً باتجاه السوق السوداء للنفط الذي يتم ضخه في حقول الإنتاج التي يسيطر عليها التنظيم في شرق سوريا.

وتُعتبر “تل أبيض”، أهم بلدةٍ تابعةٍ لمدينة الرقة ولها معبرٌ حدودي مع تركيا، وسُميّت بهذا الاسم نسبةً إلى تلٍ أثريّ قريبٍ منها، وتبعد عن الرقة بحوالي 100 كم شمالاً, وكانت من المدن الغنيّة المعروفة بتنوّعها العرقي، حيث يعيش فيها الكُرد والعرب والأرمن والتركمان جنباً إلى جنب.

البوابة من تركيا إلى الرقة

يقول تشارلي وينتر، الباحث في شؤون الجهاد في مؤسسة كويليام في لندن، إنّ تل ابيض كانت “معقل تنظيم داعش منذ فترةٍ، ووصفت بأنّها البوابة إلى الرقة، ولها أهميةٌ استراتيجيةٌ بالتأكيد لأنّها بلدةٌ حدوديةٌ تمر عبرها المعدات والمقاتلون المجنّدون وغير ذلك”.

ومعبر تل أبيض هو أحد المعابر الأحد عشر على الحدود بين سوريا وتركيا ويعد بوابةً تجاريةً حيويةً بين البلدين. ويفصل بين مدينة تل أبيض في محافظة الرقة السورية ومدينة أقجة قلعة في محافظة أورفا التركية.

سيطرت فصائل المعارضة السورية أو ما كان يسمى وقتها بـ”الجيش الحر”، والذي انحلَّ بعدها ضمن “أحرار الشام” و”جبهة النصرة”، على المعبر الحدودي في أوائل العام 2013 قبل أن يسيطر تنظيم “داعش” (داعش) بالكامل على محافظة الرقة عام 2014.

تقول ايرينا تسوكرمان وهي محلّلة في مجال الأمن القومي, لـ”نورث برس” إنّ تل أبيض لم تكن نقطة تهريبٍ رئيسيةً للمقاتلين الأجانب والأسلحة إلى سوريا مباشرة عبر الحدود التركية فحسب، ولكن العديد من المقاتلين استسلموا بالتالي للقوات التركية أثناء وجودهم هناك.

وتضيف “ماذا يخبرنا ذلك عن الأمن التركي الذي سمح للكثير من المقاتلين الأجانب بدخول سوريا بالقرب من حدودها (وفي كثيرٍ من الأحيان عبر تركيا كما نعلم)؟ وماذا حدث للمقاتلين الذين تم احتجازهم؟”.

وعادت فصائل المعارضة بدعمٍ تركي لتسيطر على المدينة أواسط تشرين الأوّل / أكتوبر من العام الحالي, ضمن إطار العملية التي سُميت “نبع السلام” والتي تذرعت تركيا بأنّ هدفها هو حماية أمنها القومي.

تقول ايرينا تسوكرمان إنّ تل أبيض ستتحول إلى نقطة عبورٍ مجدداً “سواءً من قبل داعش أو من قبل مجموعاتٍ أخرى أو من قبل مجموعاتٍ مشابهةٍ لداعش في المستقبل”.

وتضيف “بالنظر إلى تاريخ تركيا ودورها في هذا الموضوع بالذات, هناك سببٌ وجيّهٌ للاعتقاد بأنّ المنطقة لن تكون ببساطة “منطقةً آمنةً” بعيداً عن مقاتلي وحدات حماية الشعب, مردفةً “لم يكن لدى تركيا أيّ سببٍ للقلق من هجوم وحدات حماية الشعب، حيث لم يحدث أيّ شيء من جانبها”.

من جانبه يقول كونستانتين كرامر, السياسي وخبير العلاقات العسكرية “سيبقى التطهير العرقي قائماً، وتخشى الأقليات من العودة إلى منطقة يهدّد فيها الجهاديون بقطع رأس ما يعتبرونهم “كفاراً”. ولكن أيضاً بشكلٍ عامٍ، سيتم تجنب المنطقة من قبل اللاجئين السوريين الذين يعيشون في تركيا ، لأن هذه الجماعات الموجودة فيها مجرمة”.

نقطة عبور

داخل خيمةٍ في مخيم “روج” للنازحين في ديريك, والذي يأوي في أحد أقسامه نساء مقاتلي التنظيم, على سريرٍ أحمرٍ مُنقّط, تجلس كاساندرا بوداغ (24 عاماً) الشقراء التي جاءت من بلجيكا لتلتحق بزوجها الذي انضم إلى تنظيم “داعش”

تقول كاساندرا التي تخلّت مؤخراً عن النقاب “دخلت من تركيا عبر بوابة تل أبيض إلى سوريا, كان الباب مفتوحاَ والجيش التركي موجوداً”.

وتضيف ساخرةً “الجيش كان موجوداً, سلّم عليَّ ودخلتُ, كل المهاجرين يأتون ويذهبون, لم تكن توجد مشكلةٌ في دخول وخروج المهاجرين والجيش الحر”.

ونحو الشرق إلى مخيم الهول الذي لا تستطيع فيه مثيلات بوداغ الخروج بدون نقابٍ, تقول أولكر الأذربيجانية (28 عاماً) والتي يعني اسمها “النجم” أثناء حديثها عن مقتل زوجها في سوريا, إنّها دخلت مع أطفالها المُجنسين تركياً, من تركيا إلى سوريا عبر معبر تل أبيض الحدودي, بعد شهرٍ من دخول زوجها التركي, أحمد إينجي, بدايات العام 2015.

وتؤكّد أولكر التي كانت تدرس العلوم السياسية في أذربيجان أنّ دخولهم أوائل العام كان هيّناً من المعبر الحدودي, خاصةً أنّ الزوج التركي كان في انتظارهم في الطرف السوري.

ومن داخل السجون التي يقبع فيها عناصر تنظيم “داعش”, تظهر أصواتٌ تعيد الرواية نفسها, “الطريق مفتوحٌ للمهاجرين من تركيا إلى سوريا عبر بوابة تل أبيض الحدودية”.

يقول الأسترالي حمزة الباف المكنى بأبو ريان (27 عاماً), إنّ طريقة دخوله برفقة إخوته الأربعة, من أورفا التركية, إلى تل أبيض السورية, تمَّت عبر سياراتٍ تابعةٍ للتنظيم, نقلتهم عبر البوابة الحدودية بدايات العام 2015 “دون أن يعرقل الجيش التركي العبور”.

“ملاذ الجهاديين”

اليوم, يهدّد أردوغان بإعادة عناصر تنظيم “داعش” إلى بلدانهم, وتروج بعض وسائل الإعلام التركية لهذا القرار, متداولةً أخبار إعادة هؤلاء العناصر بعد إتمام إجراءاتهم القانونية.

تقول المحلّلة في مجال الأمن القومي ايرينا تسوكرمان “أردوغان يهدّد بإعادتهم إلى بلدانهم الأصلية ، لكننا نعرف أنّ بعضهم تحول إلى مقاتلين ومن المحتمل أنّهم عادوا إلى سوريا حيث دعمت تركيا الميليشيات التي ألحقت الفوضى بشمال شرقي سوريا وطردت الأقليات منها”.

وتضيف “الحقيقة هي أنّ تركيا تريد إنشاء مناطق صديقةٍ مثل إدلب في شمال شرقي سوريا وشمالها، وكانت قوات سوريا الديمقراطية عائقاً, في ضوء هذه المعلومات، من الواضح تماماً أنّ مستقبل إدلب الخاضعة لنفوذ تركيا, سيتكرر في تل أبيض”.

أمّا كونستانتين كرامر, السياسي وخبير العلاقات العسكرية, يرى أنّه رغم انفصال المناطق التي سيطرت عليها تركيا مؤخراً في شمال شرقي سوريا, عن مناطق نفوذها بإدلب, فـ”من المؤكّد أن نفترض أنّ هذا الجيب سيصبح أيضاً ملاذاً آمناً للجهاديين والإرهابيين، على عكس ما تدّعيه تركيا”.

ويضيف ” كان المتحدّث باسم داعش يعيش في قرية بالقرب من جرابلس، وكان للبغدادي منزل مبني له في جرابلس وكان يخطط للذهاب إلى هناك قبل أن تقتله غارةٌ أمريكيةٌ في إدلب”.

تشير كل المُعطيات إلى احتمالية عودة الرايات السود عبر بوابة تل أبيض الحدودية, أو عبر المنافذ التي فتحتها تركيا في عملياتها العسكرية على شمال شرقي سوريا, الأمر الذي سيكلّف دول التحالف الدولي جُهداً لخمسة سنواتٍ أخرى أو أكثر من أجل القضاء على تنظيم “داعش” الذي ما زالت خلاياه النائمة نشطةً, أو أيّ تنظيمٍ رديفٍ له, كما يُجمع محلّلون على أنّ عودة اللاجئين من تركيا للمناطق التي دخلتها تركيا وفصائل المعارضة المسلّحة التابعة لها شبه مستحيلة.

المصدر: NPA