دمشق بين فكي الكماشة الروسية فهل يتصارع الكبشان روسيا وإيران من أجل المصالح

منذ اندلاع الأزمة السورية وروسيا وإيران طرفان اساسيان في الصراع السوري، تتلاقى مصالحهم في زاوية وتتنافر في الشعر زوايا الباقية، فهل ستكون المصالح سبب في تلاقي الكبشين في الميدان وجها لوجه، وكلاهما قد تشارك العشرات بل المئات من المعارك في خندق واحد.

إيران تسعى عبر وكلاؤها إلى شراء أكبر قدر ممكن من العقارات والأراضي التي هي “أملاك دولة” بينما روسيا تدفع ضريبة عسكرية لحماية حكومة الأسد والاكتفاء ببيع السلاح للأسد واعتبار سوريا نفوذ عسكرياً لها في الشرق الأوسط، وبالرغم من الشراكة الإيرانية الروسية إلا أن جميعنا يعلم أن روسيا هي التي تحمل في أحشاءها الجنين السوري الذي تحلم به حكومة دمشق، بينما إيران تسعى إلى انجاب الهلال الشيعي.

سياسياً الطرفان متفقان النظام السوري هو الشمعة الأخيرة لكلا الطرفين في حوض المتوسط وهو الدولة الوحيدة لتفريغ السلاح فيه كما قالها وزير الدفاع الروسي في آخر تصريح له للإعلام “جربنا قوة المثير من الأسلحة الروسية في سوريا” ومن جانب آخر فالدولة الأكثر شراء للسلاح الروسي في الشرق الأوسط هي سوريا وهي الأكثر خضوعاً للروس في آن معاً.

فما المشكل الذي يعترض طرفا الصداقة السورية، على الرغم من أن كلا الطرفين يحققان مصالحهم ومآربهم في سوريا دون حتى الرجوع إلى النظام الحاكم، هل يعقل ان تكون دمشق هي بؤرة الصراع بين الطرفين، تعالوا إذا نرى ما تخبئ دمشق خلف ستائرها.

دمشق مركز الدولة والمدينة الأكبر دون منازع في سوريا وهي التي تعرضت الى أقل ضرر من الحرب السورية بعيداً عن الحروب والمعارك التي دارت في الضواحي مثل الغوطتين وبرداً والحجر الأسود وما شابه من الأحياء القليلة المدمرة.

هالة الحرب وشرارة النزاع تخرج اليوم من دمشق مجددا بين كبشا النظام السوري لطالما اعتمد عليهم في صد المعارضة السورية المتطرفة التي طرقت ابواب قرداحة وتراجعت بفضل شراكة الروس وإيران وتركيا.

خلاصته أن لدمشق تلك الأهمية الاستراتيجية التي تدفع بكلا الطرفين إلى محاولة فرض السيطرة عليها لا سيما أنها كانت ولا تزال الوجهة التجارية الأولى في حوض المتوسط واحد اهم الروابط التي يربط بين الشرق والغرب تجاريا ناهيك عن أن الحرب حولت دمشق الى وطن اللجوء لغالب السوريين الذين فروا من ويل المعارك، كل هذا عدا عن الأهمية التاريخية لدمشق والمكانة العربية لها.

وهنا يسعى الروس إلى فرض السيطرة وإن بقوة السلاح على أجزاء من المدينة علما إنها صاحبت القرار في كل المدن السورية التي تقع تحت سيطرة النظام السوري، وهي القوة العسكرية الأولى الداعمة لنظام بيت الأسد، لكن كل هذا لا يعني شيء أمام تلك الأهمية التي تمتلكها دمشق مركز الثقل لهذا يخشى الروس من التوغل الإيراني في شراء المزيد من العقارات والوصول إلى العقارات التي تعتبر “املاك دولة” ، ولهذا فأن الروس ذهبوا إلى أكثر من ذلك في محاولة السيطرة الأخيرة على كل من ضاحية الأسد من الغرب وحرستا من الشرق الأمر الذي يفسر شيء واحد وهو أن المدينة من شرقها إلى غربها ستقبع تحت سيطرتها، ناهيك عن أن كلا الحيين يعتبران من الأحياء الأكثر عمرانا وتطوراً في دمشق بالإضافة إلى ان كلا الحيين يحيط بهما كم من المواقع العسكرية ومتارس الجيش السوري إلى جانب احتواء الحيين على أهم المراكز الطبية والأمنية والتقنية مثل المشفى الوطني الخاص بأمراض السرطان، كل هذا الى جانب الموقع الجغرافي للحيين يجعل منهما أهم النقاط الاستراتيجية في دمشق وريفها، ما يزيد الأطماع الروسية ويدفعها إلى الاسراع في فرض السيطرة عليهما قبل أن تتوغل إيران في شراء عقاراتها لا سيما أن ضاحية الأسد وحرستا أراض تعتبر “أملاك دولة بكاملها” ما يثير مخاوف الروس أكثر من إيران.

من جانبها تضع إيران كل قوتها لشراء العقارات المدمرة والسليمة سواء من تلك التي هجرها ذويها او التي لا يزال أهلها في دمشق، ولو علمت إيران أن شقة تباع في الصحراء التدمرية لما ترددت في شراءها وتوطين مواطنين شيعة فيها سواء عراقيين أو إيرانيين أو لبنانيين، لإيران الأخرى اطماعها وأهدافها في ذلك فإيران تعلم جيدا أن بناء أي مشروع توسعي في الشرق الأوسط لا يمكن إتمامه دون حاضنة شعبية لذلك فأن الهلال الشيعي لا يمكن إتمامه دون بناء قاعدة شعبية لاحتضان الهلال الشيعي والذود عنه كما في لبنان واليمن.

إلى جانب ذلك فأن كل من الطرفين يسعيان إلى النفوذ السياسية والعسكرية في سوريا المستقبلية وكلاهما تريان سوريا بؤرة لمصالحهم في الشرق الأوسط، لموقعها الاستراتيجي على حوض المتوسط واقترابها من القارة العجوز وتوسطها بين أهم دول الشرق أوسطية مثل السعودية والعراق وتركيا وغيرها من الأمور الاقتصادية التي تجعل سورية كومة المصالح التي ستغرف روسيا وإيران بالمغرف منها مصالحهم كالزراعة والنفط والتجارة وبيع الأسلحة .

مثل هذه الأمور إن هي تضادت يمكنها أن تكون هالة الحرب بين الطرفين فشرارة النزاعات تبدو واضحة الى الآن لكنها تبقى شرارة استخباراتية بامتياز بعيدة عن الآراء التي تصدر من الحكام ومثل هذه النزاعات الاستخباراتية يمكن تحاوزها حينا ويمكن أيضا ان تتسبب بحرب بين الطرفين على غرار ما يجري الآن على أرض الواقع في دمشق وما يجري في باق المدن السورية وانسحابات الجيش الروسي من بعض المدن لتسليمها الى الميليشيات الايرانية ومن ثم العودة اليها كما جرا في الشهباء، والتقاسم الحاصل بين الطرفين على الجغرافية السورية في تقسيم واضح لسلكة الأمر الواقع فمناطق نفوذ الميليشيات الإيرانية لا تحكمها سلطة الجيش الروسي وربما يمنع الدخول إلى بعضها مثل “نبل والزهراء” .

غير ذلك فالاشتراكية التي تصبغ سياسة كلا الطرفين هي اشتراكية رأسمالية بامتياز عندما يتعلق الأمر بمصالح دولهم، ومن غير المعقول أن يتراجع أي من الطرفين على حساب مصالح دولته أمام الآخر، فمن البديهي أن ترفض روسيا مشاركة المناصفة مع إيران وهي تعبر نفسها بين الثقل العالمي امام إيران التي تعتبر دولة الثقل في شرق الأوسط فقط، عدا عن أن الوجود الايراني مرهون بالوجود الروسي على الاراضي السورية بما تعنيه روسيا من رسمية الوجود بطلب من حكومة دمشق بينما ترافق ايران قوة ميليشاوية ليست سوريا ولا تمت الى الرسمية في صلة وهذا ما يجعل الأولوية الاولى والأخيرة لروسيا اليد الطولة في دمشق مركز الحكومة السورية.

خلاصته إما أن تشهر روسيا سيفها في وجه ايران ويتصارع كبشا الأسد أو أن تتراجع إيران عن شراء مراكز الدولة والأراضي الحكومية والعقارات التي تعتبر أرضية الدولة السورية الأساسية، ومن الطبيعي أن ترفض ايران الاستسلام ومشروعها مرتبط بالهلال الشيعي وبناء قاعدة شعبية لذات المشروع في سوريا ولبنان واليمن، عدا عن أنها لا يمكنها التراجع إبان كل هذا الدعم الذي قدمه لميليشيات حزب الله والحوثيين وكل هذا الكم الذي تمكنت من شراءه من العقارات والأراضي الحكومية، فمن جهة تعتبر إيران ما تفعله مشروع وطنية ومن جهة أخرة فقد وضعت طيلة السنوات المنصرمة مجمل الاقتصاد الإيراني في خدمة تحقيق هذا المشروع، ما ينذر بتلاقي قرون كبشا الحكومة السورية “ايران وروسيا” ما لم يترك أحدها الساحة للآخر.

 

سامر عثمان