زينب قنبر
تَشهدُ منطقة “زيني ورتي” في باشور كردستان توتّراً منذ عدّة أيّام، على خلفيّة حشد كلّ من الحزب الدّيمقراطيّ الكردستانيّ والاتّحاد الوطنيّ الكردستانيّ لقوّاتهما العسكريّة فيها، مقابل المناطق الواقعة تحت سيطرة قوّات الدّفاع الشعبيّ في قنديل.
معروف أنّ الاستخبارات التركيّة المعروفة باسم “الميت” قد حوّلت عدّة مناطق في باشور كردستان إلى منصّات للتجسّس على قوّات الدّفاع الشعبيّ “الكريلا”، حيث كانت – وماتزال – الطائرات المسيّرة للاحتلال التركيّ تَستهدفُ مناطق الدّفاع المشروع لقوّات الدّفاع الشعبيّ، إثر عمليّات الرّصد والتنصّت في تلك المناطق.
وكلّ الاعتقاد أنّ قوّات الحزب الديّمقراطيّ الكردستانيّ ستفتح المجال أمام قوّات الاحتلال التركيّ بالسيطرة على تلك المناطق، ما يجعل مناطق الدّفاع المشروع تحت خطرها وتهديدها، وهو ما دفع بقوّات الدّفاع الشعبيّ إلى التحذير من إقدام الدّيمقراطيّ الكردستانيّ بتمركز قوّاته هناك، رغم أنّ المنطقة كانت مهجورة منذ سبعينات القرن الماضي.
تحاول دولة الاحتلال التركيّ الدّفع بقوّات الحزب الدّيمقراطيّ الكردستانيّ إلى مواجهة مفتوحة مع قوّات الدّفاع الشعبيّ، لفرض احتلالها على منطقة “زيني ورتي” والتحكّم بكافّة المعابر والممرّات والطرق المؤديّة إلى قنديل، وفرض حصارٍ محكمٍ عليها، ومن ثمّ احتلالها لباشور كردستان بالكامل، رغم أنّه قام نحو (22) قاعدة عسكريّة له في باشور كردستان. فمنطقة “زيني ورتي” إستراتيجيّة لقوّات الدّفاع الشعبيّ، لهذا يسعى الاحتلال التركيّ السيطرة عليها، وبمساعدة من الحزب الدّيمقراطيّ الكردستانيّ.
دولة الاحتلال التركيّ، تسعى، وبشكل حثيث، إلى فرض سيطرتها على كامل جغرافيّة كردستان، بعد أن احتلّت كلّاً من عفرين وسري كانيه وكري سبي، فهو يريد أن ينفّذ مشروعه الاحتلاليّ المسمّى “الميثاق الملّلي” الذي تدّعي فيه بأحقيّتها في استعادة السيطرة على المناطق الممتدّة من كركوك وحتّى البحر الأبيض المتوسّط، هذا فضلاً عن الحملة البربريّة التي شنّتها ضدّ أبناء شعبنا في باكور كردستان، حيث دمّر وحرق عشرات القرى والمدن وهجّر أهلها، ويبدو أنّه يريد أن يعيد ذات التجربة في باشور كردستان أيضاً، باستخدام أدوات من قوى باشور، في مسعى محموم لفرض الخناق على حركة حرّيّة كردستان، وقطع تواصلها مع العالم الخارجيّ، وقتل أيّ محاولة للكرد للتحرّر. وهنا يتوجّب على قيادة الحزب الدّيمقراطيّ الكردستانيّ أن تعي هذه الخطورة وأبعادها، وأن تمتثل للإرادة الوطنيّة الكردستانيّة، وألا تخضع تلك الإرادة لمنطق مصالحها.
للأسف الشديد، مرّة أخرى، يقع الحزب الدّيمقراطيّ الكردستانيّ في ألاعيب ومؤامرات دولة الاحتلال التركيّ، وفي هذا التوقيت الصعب، حيث العالم أجمع مُنهَمِكٌ في كيفيّة مواجهة جائحة كورونا، في حين نجد أنّ الحزب الديّمقراطيّ الكردستانيّ يتصرّف، ودون أدنى مسؤوليّة، في الإعداد للمواجهة، وهو في أفضل الأحوال يعبّر عن نهج لا وطنيّ وتشتيتٍ لكلّ الجهود المبذولة لوحدة الصفّ الكرديّ، في هذه الظروف الدّقيقة التي تمرّ بها قضيّة شعبنا، حيث تتكالب عليها الهجمات والمؤامرات من كلّ حدبٍ وصوبٍ.
إنّ مواقف الحزب الدّيمقراطيّ الكردستانيّ، يشي بإعادة سيناريو ما سميّت بعمليّة “الصندويشة” التي شاركت فيها قوّاته مع الاحتلال التركيّ في أيلول عام 1992، والتي باءت بالفشل الذّريع، لكنّها تركت آثاراً عميقة في الضمير والوجدان الشعبيّ الكرديّ.
الحجج والذّرائع التي تتعلّق بها قيادة الحزب الدّيمقراطيّ الكردستانيّ، لم تَعُدْ تنطلي على أحد، وبعيدة عن الحقائق على الأرض – من قبيل أنّه حشد قوّاته كي لا ينتقل إلى مناطق سيطرتها فيروس كورونا – ولا تعبّر عن الإرادة الوطنيّة لشعبنا في الجنوب وكردستان عموماً، بل هي تنمّ عن حسابات شخصيّة وعشائريّة يجري تمريرها تحت شعارات وطنيّة خادعة. ويحقّ لنا أن نتساءل جميعاً: هل تدخّل حزب العمّال الكردستانيّ في استفتاء باشور كردستان على الاستقلال، حتّى وقفت دولة الاحتلال التركيّ ضدّه وأفشلته؟ إنّ دولة الاحتلال التركيّ تريد إجهاض تجربة باشور كردستان، من خلال خلق اقتتال داخليّ واستنزاف السّاحة الكرديّة، ليتسنّى لها أن تتمدّد أكثر وتنفّذ مشاريعها الاحتلاليّة في باشور كردستان، والاعتقاد الأكبر أنّ تكاتف القوى الكردستانيّة في الأجزاء الأربعة؛ كفيلة بردّ الاحتلال التركيّ على أعقابه، إن كان في باشور أو باكور وحتّى في روج آفا، ودونها ستكون أراضي كردستان برمتها مفتوحةٌ وعرضةٌ للاحتلال.
رغم ذلك، لم تكترث قيادة الحزب الدّيمقراطيّ الكردستانيّ إلى النداءات، ومن كافّة الأطراف والقوى والشخصيّات الوطنيّة والثّقافيّة في كردستان وخارجها، واستمرّت على غيّها، ولم تترك مساحة للحوار الأخويّ لتجاوز هذه المعضلة الفتّاكة التي تأتي على كلّ الإنجازات التي حقّقها الكرد في باشور وباكور وروج آفا، فكانَ الأجدرُ بها أن تنصت إلى تلك الأصوات وتضع المصلحة الوطنيّة العليا فوق مصالحها الحزبيّة والعائليّة، لأنّه بات من الصعب الفصل بين المسارات الكردستانيّة في أيّ جزء بمعزلٍ عن الآخر، رغم أنّ أعداء الكرد لا يتورّعون عن استهداف أيّ مُنجَزٍ كرديّ، وفي أيّ جزء كان.
إنّه من الحكمة والعقلانيّة بمكان، أن تبادر قيادة الحزب الدّيمقراطيّ الكردستانيّ إلى سحب قوّاتها من منطقة “زيني ورتي”، لنزع فتيل الأزمة، والرّكون إلى لغة الحوار الأخويّ بين الطرفين، دون إحداث أيّة قلاقل في المنطقة التي يكفيها ما شهدته من ويلات على يد الاحتلال التركيّ ومن قبله نظام صدام حسين المقبور، وبالتالي إسقاط الحجّة التي يتذرّع بها الاحتلال التركي، وفتح المجال أمام تبادل الآراء حول مستقبل المنطقة ضمن إطار إستراتيجيّ طويل، وتغليب لغة العقل على صوت المدافع والدبّابات، ويكفي الكرد ما عانوه من الاقتتال البَينيِّ، وعلى قيادة الدّيمقراطيّ أن تلتزم بوعودها التي قطعتها مع الشعب الكرديّ، عندما صرّحت علناً، وفي وقت سابق بأنّ: “الاقتتال الكرديّ – الكرديّ خطٌّ أحمر بالنسبة لنا”.
يُدركُ كلّ كرديّ مؤمن بقضيّته أنّ أيّ محاولة لاندلاع اقتتال في منطقة “زين ورتي”، سيفتح الأبواب أمام حربٍ شاملةٍ، نحن بغنى عنها، وتُحيل المنطقة إلى خراب ودمار، بل على العكس من ذلك، يتطلّع جميع الكردستانيّين إلى تغليب المصلحة الوطنيّة الكردستانيّة على المصالح الحزبيّة الآنيّة الضيّقة، فأيّ محاولة للنيل من قنديل أو أيّ منطقة في كردستان، ستُلقي بتبِعاتِها التدميريّة على شعبنا في باشور كردستان أيضاً، ويهدّد المكتسبات التي نالها طيلة السّنوات الماضية.