ربما يدرك أردوغان العواقب التي تنتظره في حال استلام جو بايدن مقاليد الحكم في الولايات المتحدة، فتصريحات بايدن خلال حملته الانتخابية عن تركيا وبالتحديد عن أردوغان لم تأتِ عن عبث ويؤكد ذلك تعيينات جو بايدن في إدارته الجديدة شخصيات معارضة لسياسة أردوغان كـ ” أنتوني بلينكن ” والذي من المتوقع أن يستلم وزارة الخارجية وكذلك تعيين ” بريت ماكغورك” مديراً لملف الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي. فاذ ان أردوغان بات يشكل تهديداً للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط وعلى حلف الناتو لاسيما بعد شرائه منظومة S400 الروسية وتنامي علاقاته السياسية والاقتصادية والعسكرية معه روسيا، بالإضافة إلى أطماعه في الشرق الأوسط وشرق المتوسط.
فاردوغان صار يدرك بأن الأجواء التي كانت متاحة له خلال فترة دونالد ترامب في حرية التصرف ودون رادع لتحركاته لن تكون كما كانت، فخلال فترة دونالد ترامب استطاع أردوغان إلى جانب ضعف الدور الأوروبي احتلال عفرين وكري سبي وسري كانيه والتنقيب عن الغاز في شرق المتوسط، واستغلال ملفات خارجية لصالحه التي أضرت بالعلاقات الإقليمية التي كانت تربط تركيا بالدول المجاورة “قضية خاشقجي والقواعد العسكرية في قطر وليبيا والصومال وبناء القواعد العسكرية في جنوب كردستان والشمال السوري وإقليم آرتساخ، وبخسارته لحليفه “ترامب” باتت محاولاته في احتلال المزيد من المناطق ستضعه في مأزق بين إرضاء موسكو والخوف من العقوبات الأمريكية.
فسياسة الولايات المتحدة في المرحلة الجديدة في ظل إدارة بايدن قد تولي المزيد من التعاون مع الاتحاد الأوروبي وبشراكة استراتيجية قوية عبر الأطلسي وتفعيل دورها الغائب في فترة ولاية ترامب والضغط على أردوغان داخلياً عن طريق ملف حقوق الإنسان ودعم المعارضة التركية، وخارجياً من خلال فرض عقوبات اقتصادية أو حتى دفع بعض الدول لقطع علاقاتها الاقتصادية مع تركيا وفتح ملفات كانت مجمدة في فترة دونالد ترامب كملف ” رضا ضراب” المعتقل في الولايات المتحدة بتهمة التحايل على العقوبات الغربية على إيران عن طريق تركيا” وحالياً ملف أليكس نعيم صعب مهندس العلاقات الفنزويلية التركية الإيرانية، وتفعيل العقوبات الأمريكية على تركيا بموجب قانون (CAATSA) بسبب شرائها منظومة S400 الروسية خاصة الجزء الذي يشمل توريد التكنولوجيا العسكرية وإصدار تراخيص التصدير، وفرض قيود مالية ضد مكتب الصناعة الدفاعية.
وفي هذا السياق بات أردوغان يخشى من محاصرته وتضييق الخناق عليه، ولتجنب ذلك بدأت سياسته تتغير في الآونة الأخيرة فداخلياً زاد من قبضته الأمنية وزج كل من يشكل تهديداً له في السجون، وتشكيل ميليشيات تحت مسمى ” حراس الليل ” لمواجهة حدوث أي انقلاب وتقييد حرية الصحافة ومحاولة حظر حزب الشعوب الديمقراطي وخارجياً بدأ أردوغان بالتقرب من الدول العربية لتأمين دعم خارجي له كالمملكة العربية السعودية وفتح صفحة جديدة معها قد تكون مقابل تجميد ملف مقتل المعارض السعودي جمال خاشقجي وليس من المستبعد دخول تركيا على خط المصالحة بين قطر والمملكة السعودية بهدف الحفاظ على مكتسباتها في قطر “القاعدة العسكرية والاستثمارات القطرية في تركيا إلى جانب الدعم القطري اللا محدود لتنظيم الإخوان ” كما بات أردوغان يتودد إلى مصر مستغلاً الضغوط الأمريكية عليها بسبب رغبتها في شراء الأسلحة الروسية ومن المحتمل قيام أردوغان كسب مصر وعودة العلاقات بينهما إلى تقليص دعمه لتنظيم الإخوان في مصر وحتى العمل معاً في الجانب الاستخباراتي لضرب التنظيم وتسليم بعض قادته في الداخل للحكومة المصرية وبالتالي تخفيف حدة التوتر بينهما في الملف الليبي والوصول إلى اتفاق يرضي الطرفين. هذه السياسة وإن نجحت ستنعكس إيجاباً في احتفاظ أردوغان بالمناطق المحتلة في الشمال السوري، وهذا ما قد يؤدي بدوره إلى عدم رضوخ تركيا للسياسة الأمريكية في المنطقة.
هذا من الناحية السياسة الإقليمية أما بالنسبة لسياسته الدولية فخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وحاجة بريطانيا إلى علاقات “اتفاقيات” تجارية وأسواق جديدة قد تؤدي إلى بروز مسار جديد من العلاقات بين بريطانيا وتركيا أكثر متانة من قبل والتي قد تخدم أردوغان في تحسين العلاقة مع الولايات المتحدة. كما وسيعمل أردوغان على تقوية علاقاته مع الصين مستغلاً تنظيم تركستان وتسليم بعض قادته إلى الصين كمناورة لتخفيف الضغوط الأمريكية عليها، أما من ناحية العلاقة مع روسيا يحاول أردوغان الحفاظ على علاقاته معها وعدم إثارة أية خلافات كي لا تنعكس بشكل سلبي على تواجده في سوريا وعدم الامتثال للسياسة الأمريكية الجديدة في سوريا ولضرب مشروع الإدارة الذاتية .
إلا أن هذه السياسة التي سينتهجها أردوغان تتعلق بمدى تجاوب الدول المعنية له وقدرته على إعادة الثقة مع تلك الدول التي ستكون ضمن دائرة الضغوط الأمريكية، وبجدية جو بايدن بإسقاطه داخلياً.
NRLS