لقاء دافوس…هل هو تخبط أم تخطيط؟


عبدالكريم ساروخان

بخصوص لقاء دافوس وما حدث أثناء لقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس إقليم كردستان نيجيرفان البرزاني، هناك من فسر ذاك الحديث الذي جرى بينهم بأنه يدل على عدم معرفة ترامب بواقع الكرد وروج افا وجنوب كردستان وبعضهم ذهب إلى أبعد من ذلك بكثير حتى انه وصف ببعض الكلام الغير لائق وكأن ترامب لا يدرك ما يقول !!!
واعتقد البعض أن هناك خلط وعدم معرفة لدى ترامب بواقع المنطقة، حسب وجهة نظر ترامب فأن السيد البرزاني هو من يمثل روج افا ويمثل الكرد عامة” وكأنه المسؤول عن ذاك الجزء من كردستان، وربط ترامب انتصارات قوات سوريا الديمقراطية وقضية روج آفا بالسيد البرزاني . وهذا ليس من باب التهجم على السيد برزاني أو الانتقاص من قيمته ولكن من باب التحليل لما حدث.
اذا نظرنا الى ذاك اللقاء ومن خلال مقطع الفيديو والكلمة القصيرة الذي وجهه ترامب سندرك تماما بأنه كان قد أتى ليدلي ببعض الكلام الإيجابي عن الكرد ويمدح بطولاتهم، ويتلقى الشكر من السيد البرزاني على ما قام به من أجل الكرد ويثني على سياساته، وتكون هذه رسالة إلى الرأي العام الاميريكي والإدارة الأميركية، ويستغل ذلك أمام الشعب الأميركي بأن حلفائه الذين تخلى عنهم، ها هم يشكرونه وهم راضين عن سياساته في شمال وشرق سوريا، فيما يقوم بالتغطية على السياسات الخاطئة التي ارتكبها، والتي يبدو أنه في مأزق جدي أمام الأمريكيين الذين تأثروا بمقاومة روج آفا.
وللتذكير، كان ترامب قد تلقى هذا الشكر من السيد مظلوم عبدي القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، سابقا، والشكر كان يقصد به التعاون المشترك في القضاء على داعش، أما بخصوص تركه الحدود مفتوحة أمام العدوان التركي، وإعطائه الضوء الأخضر للقوات التركية لاحتلال شمال وشرق سوريا، فقد وجه السيد مظلوم عبدي انتقاد للسيد ترامب في هذا الخصوص وكذلك على بعض سياساته الأخيرة بخصوص المنطقة.
والنقطة الثانية،
كان الهدف الآخر من هذه الرسالة التي حاول ترامب توجيهها، هي تكمن في توضيح بما ذكره القائد آبو في احدى لقاءاته مع محاميه ومن خلال مرافعته بأن “القوى الرأسمالية والمهيمنة ستحاول جاهدة توجيه جميع الكرد في الأجزاء الأربعة من كردستان نحو جنوب كردستان”، طبعا هنا القصد الكرد الذي يطالبون بحقوقهم ويشكلون قوى معارضة ضد حكوماتهم وكأن جنوب كردستان تكفي للكرد جميعا، وبذلك يكون المسألة الكردية دخلت مرحلة الحل والهدف هو التخلص من النموذج الديمقراطي الذي يظهر في الشرق الاوسط والذي يشكل خطرا على مفهوم الدولة السلطوية ويتم قبول نموذج جنوب كردستان لدى هذه القوى لأنهم يجدون في ذلك مصلحتهم بالدرجة الأولى ويسيروها حسب ما هم يريدون، اي أن تكون على شاكلة الدول العربية الأخرى التي لا تشكل اية قوة إنما تكون مجرد دول تابعة وبدون ارادة، وبهذا المنطق لن تخرج من دائرة نظام العالمي الجديد بحسب مفهومهم.
وبرأي هذا الحديث الذي جرى (هو بداية هذا المخطط ) وتلميع صورة الإقليم وإظهاره على إنه النموذج الأفضل وربط الكرد في بقية الأجزاء بهذا النموذج، وبحسب اعتقادي كان هذا اللقاء مدروسا بدقة ولم يأتي من عبث، وكانه مخطط له مسبقا، يبدو هناك مستشارين يتقنون اللعبة جيداً وينفذوها بحذافيرها حول ترامب يقومون بعملهم على أكبر درجة من المسؤولية والدقة، وهذا يدل على إنه لا ينطق عن عبث وما يحدث على أرض الواقع في روج آفا يدل على ذلك، فما مسألة دعم تركية بالهجوم على شمال سورية وروج آفا والسماح باحتلال سري كانية ( رأس العين ) وكري سبي ( تل ابيض ) وايضا مسألة سماح روسيا لتركية باحتلال عفرين، ومن ثم عدم قيام الأمريكيين بتقديم أي دعم سياسي للإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا وروج آفا حتى هذه اللحظة، واتفاق الأمريكي مع الروس بشأن الشمال السوري وانحصار مسألة الإدارة من عامودا وانتهاءا بديريك، مع بقاء مصير كوباني ومنبج مجهولا حتى هذه اللحظة، كل هذه الامور توحي بما أشرت إليه في البداية.
ويبدو بأن الامور ستتجه نحو ذاك الاتجاه هذا ما يمكن استنتاجه من خلال مانوه اليه القائد عبدالله أوجلان وما يحدث الآن وما كان قد حدث في دافوس، فترامب ليس بهذه السذاجة ولا متخلف لتلك الدرجة، إنه مخطط مدروس يحمي مصالحهم فقط، لكن إرادة الشعوب تظل في كل وقت أقوى من كل المخططات، وهذا اثبتته الوقائع والتاريخ.