الدار خليل ..بين التنظير والمسؤوليات (المثقفون نموذجاً)

الأوضاع والظروف التي تمرُّ بها المنطقة بشكل عام تعتبر مصيرية وجميع المحاولات التي تتم سواء من أجل تكريس الحالة الديمقراطية والتغيير أو العمل بشتى الوسائل ضد هذه المحاولات هي جهود تمثل مسألة وجود؛ أهمية هذه المرحلة والصراع الدائر لإثبات التغيير والتحول الجديد وكذلك السعي الذي يتم لمنع هذا التوجه يستوجب أن يكون هناك مواقف فعّالة وحقيقية خاصة من قبل الفئة المثقفة والواعية والتي تمثّل أحد أهم أشكال النضال الديمقراطي ووجدان المجتمع.
الإدارة الذاتية كمشروع وكتوجه؛ تعتبر قفزة نوعية في خضم الصراع المذكور، تجربة جديدة، واقع مغاير للنمط التقليدي وكذلك حالة تريد الانتقال بالمجتمع نحو شكل يُمكّنه من الوصول لإرادته المُصادرة. لذلك؛ هي حالة طبيعية أن يكون هناك هجوم لكل من لا يريدون أن يتم تحقيق ما تم التطرق إليه. بالمقابل إثبات الإدارة لنفسها كمشروع بحد ذاته إنجاز وتطور لافت؛ حيث لو لم يكن لهذا المشروع انطلاقة من حاجة المجتمع؛ لما صمد (مشروع الإدارة) في ظل هذه الهجمات التي تهدف للقضاء عليه.
بالمقابل الإدارة الذاتية وبحكم حداثتها كتجربة؛ فإنها تنطلق من مبدأ أن الإيجابيات هي مكتسبات عامة. والسلبيات والأخطاء بغض النظر عن مستواها هي جزء من المسؤولية التي يجب عدم التخلي عنها؛ لا بل العمل على تلافيها وإصلاحها. لكن؛ بالمقابل يا ترى؛ هل هناك من يتعامل بالمبدأ نفسه مع هذا المشروع خاصة من الذين يقيّمون ويحللون وينقدون تجربة الإدارة؟ كما تحدثت الفئة المثقفة والواعية لها دور ريادي في هذه الظروف ووظيفتها لا تكمن في أن ترى الإيجابيات وتحددها بأنها جيدة وللمصلحة العامة بينما السلبيات والنواقص تنظر إليها وكأنها خاصة بالإدارة فقط! يعني إنهم يبتعدون عن تبنّي مشروع الإدارة حال وجود نقص ما أو تقصير ويتحدثون باسمها ويحللون الأمور ويشخصونها وكأنهم خارج هذا المشروع، هذا المنطق غير عادل ولا يدل على توفر روح المسؤولية.
من واجب المثقفين، الإعلاميون والفنانون أن يكونوا بذات المسؤولية التي تدل على دورهم وهويتهم في المجتمع؛ وأن يكونوا جزءاً من هذا المشروع يرون أنفسهم جزءاً هاماً في سبيل تطويره بغض النظر عن شكله ونمطه. لكنه؛ بطبيعة الحال يمثل نموذجاً في أدنى أشكاله يجلب الحلول ولا يطرح المشاكل ولا يعقدها، وكذلك لا يساهم هذا المشروع مطلقاً في إلحاق الأذى بمعايير أي مجتمع ومن النواحي كافة، وهذه الرسالة لا تتعارض مع الأهداف والمسؤوليات التي تبحث من أجلها الفئة المذكورة.
في السياق ذاته؛ لا بد من التمييز بين النقد وبين طريقة عرضه أو توجيهه؛ البعض يحاول طرح هذه الأمور بشكل يحقق لهم الشهرة أو إظهار أنفسهم كأبطال وهم الحريصون على القضية الكردية وهم من يمكنهم حلها وما إلى هنالك. لكن؛ عملياً هم يتحركون بمناحٍ لا تتوافق مع طرق خدمة قضيتهم، هم يتحولون بهذا الشكل لأدوات ويتحركون بشكل مضاد وبحكم سطحيتهم يقعون في مصيدة دوائر الحرب الخاصة وتجرهم الشعارات والأكاذيب ويصبحون جزءاً منها.
رسالة المثقف وحتى الحزبي يجب أن تكون على خلاف هذا المسلك خاصة في ظل التحول الهام في القضية الكردية وبلوغها لمستوى هام وكذلك إثبات الإدارة لنفسها ووجودها؛ عملياً أي جهد يُصرف ضد هذه التجربة والقضية لا يحقق أية نتائج؛ كون ما تحقق خلال السنوات الماضية لا يمكن تشويهه بموقف هنا أو هناك. لكن؛ دائماً لابد من التذكر بأن المرحلة التاريخية والمصيرية هذه تؤرخ المواقف والاتجاهات، فالإشكالية لا تكمن في إنك مع أو ضد. لكن؛ تكمن في أنك وقعت في مصيدة المتآمرين أم لا!؛ كون هناك فرق شاسع بين الواجب وبين الرأي وبين الحقوق والمسؤوليات (الواجب).