الكرد… خاصية الحماية والدفاع

خاض الشعب الكردي الكثير من الصراعات عبر تاريخه، ليس عشقاً بالحروب لكن بهدف حماية ذاته وكيانه، ولإدراكه أن شعوباً وأمماً انقرضت وغادرت مسرح التاريخ لأنها لم تعطِ الأهمية لخاصية الحماية والدفاع، وبقيت متقوقعة ضمن نفسها وكأن القدر سيحميها، أو أن هناك من سيضحي من أجله، فكان مآله الانصهار والانقراض، وباتت المقاومة حقيقة متجذرة في ثقافة الشعب الكردي لأنها صانته من الإبادة والاندثار والموت.

وبناءً عليه تجد دوماً من يروج بأن الكرد دائماً أشداء في المعارك ولا يُهزمون في ساحات القتال، إنما يخسرون نتائج المعركة على طاولة المفاوضات وكأنهم يشيرون بذلك إلى احتمال تكرار ذلك المنطق، وأن نستسلم لهذا القدر.

بطولات الشعب الكردي كانت تُستغَل غالباً من القوى المهيمنة، واستثني هنا بعض الحالات القليلة التي مكنتنا من الوصول لهذا الوضع، وطبعاً دائماً استهدف الأعداء وجودنا كشعب وصهر ثقافتنا، لكننا بالتأكيد ننطلق هذه المرة بانطلاقة مختلفة وسنغير الحقائق على أرض الواقع لتتغير النتيجة عبر انتهاج طرق وأساليب جديدة ومتطورة في التصدي لمهام المرحلة لنؤكد اختلافنا عن الماضي وفق ما يقوله المثل الكردي (war ew ware lê buhar ne ew buhare) أي أن المكان هو نفسه ولكن الربيع مختلف، فالنتائج ستكون مختلفة كون الشعب الكردي بات يمتلك قوة عسكرية هائلة ونظم نفسه من خلال مؤسسات قادرة على الصمود ضد الهجمات والمخططات التي كانت آخرها لداعش المدعومة من دول وقوى إقليمية، حيث أن صمود شعبنا وقواته العسكرية وتنظيمه أمام هذه الهجمات المعادية وحماية مجتمعنا من الإبادة والانصهار يعود لوعي المجتمع وإدراكه أنه أمام خطر وجودي حقيقي فأما أن يكون أو لا يكون.

لا ننكر أن حالة الدفاع هذه تعرضت دوماً لمضايقات، فكانت البداية هي الهجوم على مفهوم الدفاع ودوره الفاعل، ومع ذلك انضم معظم فئات شعبنا إلى هذه القوات العسكرية شيباً وشباباً و نساءً في ظاهرة قلَّ وجودها.

بالمحصلة, لا يجوز إلقاء حمل وواجب الدفاع على فئة أو شريحة معينة، يجب دعم خاصية الدفاع والحماية، ورفدها دوماً بالطاقات والإمكانيات, وهذا ممكن لكن ليس بخفض سن التكليف بل برفعها ليشمل الدعوة كل فئات المجتمع دون استثناء أو تمييز، وأعتقد جازماً أن الوقت هو وقت الزج بكل الطاقات في ساحة الحماية والدفاع ونحن نعيش صراعاً وجودياً، وليس وقت البحث عن قوانين استثنائية تجيز لفئات كبيرة التخلف عن ركب المقاومة الشعبية بذرائع مصنعة لا تخدم الهدف الأسمى بل تسيئ إليه، إنه زمن التحدي والصراع الشامل لكل الفئات الشعبية دون قيد أو شرط وهذا وحده هو ضمانة النصر.

واذا نظرنا إلى الموضوع من الجانب الأخلاقي فأن حماية المجتمع لا يقتصر على فئة أو شريحة أو سن معين، فالواجب الأخلاقي والضرورة التاريخية والاجتماعية والتهديد بالإبادة تَفرِض علينا زج جميع الطاقات لا الاستثناءات، فمسألة خفض أعمار المطلوبين للخدمة لم يأخذ هذه الأمور بالحسبان بل تم اتخاذه بناءً على مفاهيم قانونية بحتة دون النظر إلى الوضع المعاش في روج آفا وما ينتظره من مؤامرات وكأنه سيعيش بأمان واستقرار، وكأن الأمور جميعها قد تم حلها بموجب ضمانات دولية.

عبد الكريم ساروخان