الإعلام بين الحقيقة والتشويه..

كثيراً ما يتم الحديث عند تناول الإعلام كموضوع بأنه “سلاح ذو حدين”، وفي الحقيقة هو كلام دقيق. لكن؛ عدا عن التناول؛ هل هناك إدراك لمخاطره الأخرى؟ أي حينما يكون الإعلام جزءاً هاماً في تشويه الحقائق وكذلك حينما يكون جزءاً من مشروع هدفه الترويج لأمور لا تمت للواقع بأية صلة؛ بغية تحقيق أجندات معينة لأطراف معينة بشكلها العام خاصة في ظل إن الأطراف هذه هي معادية للشعوب المضطهدة التي تعاني من مصادرة لحقوقها وهويتها ودورها.
بصورة أقرب نعني عندما يكون الإعلام جزءاً من هذه المنظومة والمشاريع المناهضة للشعوب؛ فإنه لا يخرج فقط عن رسالته المهنية والأخلاقية فحسب؛ إنما يتحول لأداة من الأدوات التي تمارس ذات السياسات على الشعوب ولا تقل وقتها عما تفعله تلك الجهات بكل مساوئها.
عملياً في شمال وشرق سوريا الثورة الموجودة بكل ما فيها تمثل حتى الآن المنظومة الأكثر تنظيماً في التصدي لتلك المحاولات من قبيل النفي والتشويه. لكن؛ حجم الهجوم والإعداد لا زال في مستويات عالية، حيث إن التحشيّد الإعلامي مستمر بمستويات تفوق الإعداد والهجوم العسكري في أكثر مستوياته.
الدولة التركية هي إحدى الأطراف التي لها أساليبها ومخططاتها في هذا الإطار؛ بحيث تكون موجودة بشكل مباشر وفي أكثر الأحيان تقود الأمور بأساليب غير مباشرة عن طريق مؤسسات وشخصيات ومواقع ظاهرياً لهم خصوصية معينة ويتظاهرون بأنهم يمثلون خلاف ما هم يتحركون لأجله. لكن؛ كهدف وكتوجه هم جزء من تلك المنظومة المعروفة بـ “الحرب الخاصة”، والأكثر خباثةً هو إن تركيا تعدّ وتهيئ أدوات لها من الجغرافيا ذاتها والانتماء واللغة والثقافة ليهاجموا وينفذوا التعليمات الموجهة لهم تحت بنود عدة كالحرص على المصلحة الكردية أو الإدارة الذاتية أو النقد وما إلى هنالك وهذا تطور لافت وخطير يندرج في الهجوم بالسلاح المحلي وبرأس حربة مؤلفة من المأجورين.
في شمال وشرق سوريا؛ عدا عن التنظيم والإعداد إعلامياً لمواكبة حقيقة المشروع الموجود ودوره في تحقيق التغيير التاريخي في سوريا والمنطقة؛ لا بد من أن يكون الإعلام في شمال وشرق سوريا قوياً بأضعاف من قوة الهجمات التي تتم عليه وعلى مشروع منطقتنا وإن كان الفارق كبيراً من ناحية التجييش المضاد والمال المسخر للهجوم والتشويه إلا إن الحقائق الموجودة على الأرض وقوتها أكبر بكثير من زيف ما يحاولون تقديمه. لذا؛ نرى بأنهم يحتاجون في الجبهة المضادة إعلامياً للكثير من القوة؛ كي يستطيعوا إحداث تحريف هنا وتشويه هناك والذي سرعان ما ينكشف والتجارب الماضية دلائل حية لا تزال.
إضافة للقوة الإعلامية التي يجب أن تكون موجودة؛ لا بد من أن يكون هناك وعي ويقظة تامة من قبل أبناء شعبنا حول ما يتم نشره واستهداف المنطقة من خلاله عبر الإعلام؛ خاصة من أولئك الذين تم الحديث عنهم، الفئة التي تقدم ذاتها على إنها من الشعب وتعمل لأجله وتدّعي الاستقلالية والمهنية. لكن؛ حقيقة هؤلاء هي إنهم مسيّرون، حيث إن الأشخاص أصحاب الصفات المذكورة، المؤسسات والجهات حتى وإن كان هناك ما يدعوا لنفترض جدلاً لحقيقة أمر ما. أخلاقياً ووجدانياً يجب أن يكون دورهم منصباً على الدفاع عن المكاسب الموجودة وتطويرها من خلال النقد البنّاء عبر أسلوب الطرح والمعالجة – عند الحرص- بطرق تكون إيجابية. هنا تكمن الأخلاق والمهنية والحقيقة التي تدل على الوجدان الصادق والحي.