استُخدم مصطلح نظرية المؤامرة بشكل ملفتٍ للنظر في الفترة الأخيرة؛ وخاصة بعد انتشار فيروس كورونا (كوفيد 19)، وأنصار النظرية قالوا إن الفيروس المنتشر ما هو إلا صناعة أمريكية لضرب الاقتصاد الصيني؛ مستندين إلى توتر العلاقات الاقتصادية بين الصين وأمريكا، وأكدوا أن الحرب البيولوجية قد تنبأ بها الكثيرون، والتي ستستخدم كحرب من الجيل الخامس، ضد دولة تنافس أمريكا في السوق العالمي.
بدأ الجيل الأول من الحروب؛ في عصر الدول القومية الذي تلى الامبراطوريات، حيث دارت الحروب بين جيوش واضحة المعالم؛ تملكها دولٌ كاملة السيادة، وكان السلاح المتطور الوحيد عبارة عن بندقية بدائية إلى حد كبير، بينما الجيل الثاني، بدأ مع الحرب العالمية الأولى، والفرق بين هذا الجيل والجيل الأول كان تطور القدرة على انتاج النيران والأسلحة، أما الجيل الثالث، فقد بدأ مع الحرب العالمية الثانية، حيث لم تعد الحروب على خط الجبهة كما في الأجيال السابقة، بل تطورت إلى طائرات ودبابات ومدرعات وصواريخ طويلة المدى، وأما الجيل الرابع فقد تخلّى عن السلاح، وأصبح استهداف القطاع المدني؛ ودعم الجماعات الإرهابية؛ واستخدام منظمات المجتمع المدني لصالح العدو؛ وغيرهم؛ هدفاً؛ بحيث تصبح الدولة ضعيفة من الداخل، ثم تتهالك وتسقط، وهناك من يقول أن انهيار الاتحاد السوفييتي كانت نتيجة طبيعية لذلك الجيل من الحروب.
أما الجيل الخامس كما ذكرنا فيقولون إنه حرب بيولوجية،.. بكل بساطة اصنع مرضاً وانشره في دولة، يكون كفيلاً بالقضاء عليها، وبالتالي تدمير اقتصادها، فهل كان كورونا حرباً بيولوجية ومؤامرة من دولة تجاه أخرى؟
بشكل عام؛ انقسم البشر -عندما تناولوا الفيروس الجديد- إلى من يقول إنه غضب من الله على البشرية، ومن يقول إنه غضبٌ من الطبيعة؛ وانتقام لنفسها؛ بعد أن أفسد الانسان فيها، وقسم قال إنها نظرية المؤامرة تطلٌ برأسها من جديد، والفيروس من صنع البشر، ولكلّ هؤلاء حججه وبراهينه، وهنا لن نناقش القسمين الأولين، لأن المفاهيم تكاد تتوحّد حينما نذكر القوة الإلهية والطبيعة، فكلاهما غضب بنظر مناصريها.
من المعروف أن مصطلح نظرية المؤامرة يشير إلى تأويل حدث أو موقف ما؛ اعتماداً على مؤامرة بدون أي مبرّر لها، وهو فعلٌ غير قانوني أو مأساوي تقوم به حكومة أو جهات قوية، تستهدف جهة أخرى، قد تكون قوية أو ضعيفة. تكون نتائج نظريات المؤامرة في أغلب الحالات عبارة عن افتراضات تتناقض مع الفهم التاريخي السائد للحقائق البسيطة.
عندما ظهر فايروس كورونا المستجدّ في مدينة ووهان الصينية، بدأ الإعلام بسرد القصةَ؛ بتفاصيل مرعبة، وبدأ مع ذلك التحليلات والتأويلات لسبب ظهور هكذا فايروس، وفي الصين تحديداً، وفسره الكثيرون استناداً إلى نظرية المؤامرة، أنه استهداف لدولة الصين العظيمة؛ بعد أن أصبحت قوة اقتصادية تنافس الولايات المتحدة الأمريكية في أسواق العالم أجمع، إذن فالحرب البيولوجية بدأت!، وبعدها بفترة؛ فسّر البعض أن القصة ليست متعلقة بفيروس، بل هو غاز السارين الذي تسرّب وأصاب جنوداً أمريكيين في أفغانستان ومنه انتقل إلى الصين عندما قدِم هؤلاء الجنود إلى الصين وشاركوا في عرض عسكري أو ما شابه، مستدلين باتفاق السلام الذي حصل بين الولايات المتحدة الأمريكية وحركة طالبان، كي لا تفضح حركة طالبان غاية الأمريكيين في الهجوم البيولوجي الأمريكي على الصين، نعم؛ هناك من قال ذلك، مبتعداً عن المنطق كل البعد، فهل هكذا حدثْ يمكن أن يُكتم من قبل حركة طالبان، وكأن السرّ بات بين شخصين فقط!، وما هو الفرق بين الفيروس والغاز، إن كان الأمر عبارة عن غاز فقط، فلماذا تحصل العدوى إذن؟
بعد ذلك انتشر المرض بشكل هائل في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهنا ترسخت نظرية المؤامرة بشكل أكثر حدةً، خاصة أن العالم كله يعلم التوتر في العلاقات بين الولايات المتحدة من جهة؛ والصين وإيران من جهة أخرى، إذن تبين من المتآمِر ومن المتآمَر عليه!. متناسين أن شخصاً واحداً إن زار الصين -وخاصة بؤرة تفشي المرض المتمثلة بووهان- وحمل الفيروس؛ يمكنه أن يصيب دولة كاملة، وهذا ما حصل في كل الدول.
وبعدها انتقل المرض إلى مراحل أخرى، حيث ظهر في أوروبا، ورافق ذلك الأبحاث التي أجريت على الفيروس والمرضى؛ حيث قالوا إن الفيروس يصيب كبار السن فقط؛ لتظهر نظرية المؤامرة بلونٍ آخر، وادعوا في هذه الحالة، أن الفيروس تم انتاجه للقضاء على كبار السنّ فقط؛ الذين يشكلون عبئاً على الحكومات الأوروبية وغيرها من الحكومات، وسرعان ما أكدّت الأبحاث أن الفيروس يصيب الأطفال أيضاً، وقد صرّحت وسائلُ إعلام عن وفاة أطفال نتيجة العدوى!
وعندما ظهر المرض في الولايات المتحدة الأمريكية؛ المتهمة أصلاً بإنتاج الفيروس، وأخذت الإصابات تتزايد فيها إلى حدِّ تجاوز الصين، نسي أصحاب نظرية المؤامرة موضوع تآمر أمريكا على الصين، وأخذت النظرية منحىً آخر، وهو أن الحكومات -أو الحكومات العميقة- كلها متفقة على انقاص عدد البشر؛ لأهداف تتعلق بالزيادة الكبيرة في عدد سكان الأرض.
إن تفشي مرض كورونا أدّى إلى تغيير الكثير من المفاهيم على مستوى العالم، خاصة بعد أن كشف عن المستوى المتدني للمنظومة الصحية لبعض الدول، والتفكير خارج مفهوم الاتحاد؛ حيث كل دولة اهتمت بشعبها أولاً، مما أعاد فكرة القومية إلى الساحة مرةً أخرى، بعد تقوقع الدول على نفسها؛ بالإضافة إلى حالات القرصنة التي ظهرت لسفن الشحن الطبية.
بالإضافة إلى الضربة الهائلة التي تلقاها الاقتصاد العالمي ككل، وتخصيص مليارات الدولارات لمواجهة هذا الفيروس، فقد وقّع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، على أكبر حزمة مساعدات مالية في تاريخ الولايات المتحدة على الإطلاق، بقيمة 2 تريليون دولار، لمواجهة العواقب الاقتصادية لفيروس كورونا؛ بالإضافة إلى تدخل الجيوش من أجل التصدّي لهذه الكارثة، وهناك توقعات بكساد اقتصادي كبير؛.. وهذا ما يطرحُ سؤالاً، هل لدولة أن تكون غبية لهذه الدرجة لكي تطوّر فيروساً قاتلاً وتشلُّ به اقتصادها؟
عندما ظهر فيروس الإيدز (فيروس نقص المناعة المكتسب)؛ ربط الكثيرون ظهوره بنظرية المؤامرة، مستندين إلى بعض النظريات التي تقول: إن فيروس نقص المناعة هو من صنع منظمة الصحة العالمية، التي قامت بهندسته وراثيًا عام 1974، وقال أحد مناصري نظرية المؤامرة وقتها إنها محاولة لخلق فيروس قاتل، وادعى آخرون أن هذا الفيروس من صنع وكالة المخابرات الدولية أو المخابرات السوفييتية كوسيلة للحد من سكان العالم،.. وهذا ما يتكرر اليوم مع كورونا، لكن بشكلٍ أكثر سذاجة.
تغيّرت وتبدّلت نظرية المؤامرة – في حالة كورونا – بتغير مكان ظهور الفيروس؛ وهذا يجعل من هذه النظرية – حسب أبسط قوانين العقل والتحليل المنطقي – مجرد زوبعةً في فنجان؛ وإن كل نظرية إن لم تستند إلى أسس علمية، فهي تبقى مجرد تخمينات لا تغني عن الحقيقةِ شيئاً، وتفشّي هذا المرض الذي أصاب أكثر من مليون شخص حول العالم هو أكبر من كل الحكومات؛ وأكبر من كل نظريات المؤامرة
الكاتب: م. إبراهيم حسين أحمد