تعمدت الدولة التركية التأثير على لقاءات الحوار الكردي – الكردي منذ إنطلاقهتا في نيسان من العام الجاري، هذه اللقاءات التي جرت بين الأطراف الكردية المتمثلة بـ المجلس الوطني الكردي وأحزاب الوحدة الوطنية الكردية لم ترق للدولة التركية بالرغم من رعاية الولايات المتحدة الأمريكية بشكلٌ مباشر لهذه الحوارات إلا أن رغبه تركيا من عرقلة عقد هذه الحوارات لم تتوقف وحشدت كافة الطرق والأساليب لعرقلة الحوار، هذه المحاولات تجلت بأشكال عدة وبرزت المحاولات التركية في التدخل في هذه الحوارات ليس فقط بالتأثير عليها خارجيا فقط بل داخليا أيضاً.
لعل أبرز السياسات التي انتهجتها تركيا حيال الأحزاب السياسية الكردية في الشمال السوري بشكل عام كان التعويم لأحزاب سياسية لها ثقلها وتاريخها في المنطقة وكان من أبرز خطواتها هو تعويم الحزب الديمقراطي الكردستاني – سوريا “PDK-S”والذي يعتبر امتداداً لنهج حزب الديمقراطي الكردستاني “PDK”.
مما لا شك فيه فإن التسليط الإعلامي والسياسي المتكرر من قبل الوسائل الإعلامية الخارجية والداخلية على حزب الديمقراطي الكردستاني – سوريا كان محط تساؤلات، وكان بداية تأثيرات جانبية دفعت بزيادة حدة الشرخ بين الأحزاب السياسية العاملة تحت مظلة المجلس الوطني الكردي، هذه التأثيرات من الممكن أنها لم ترَ الضوء حتى الوقت الحالي إلا أنها أصبحت حديث أروقة المجلس الوطني الكردي، بالإضافة إلى أن هذه السياسة التي أقدمت عليها تركيا من خلال بعض الشخصيات التي تتواجد لديها من الموالين للحزب الديمقراطي الكردستاني – سوريا “PDK-S” وإعادتهم إلى مناطق الشمال السوري مما أثار حفيظة الأحزاب السياسية الأخرى ممن كانوا يطالبون على الدوام بتوضيح من المجلس الوطني الكردي لموقفه حيال أنصاره والمؤيدين لتلك الأحزاب المتواجدين خارج الشمال السوري، هذه الخطوة أعقبتها خطوات أخرى قامت بها تركيا وهي الضغط لعدم إشراك الأحزاب التي تمتلك القاعدة الشعبية لإبقاء الأمور تحت سيطرتها حيث أن المجلس الوطني الكردي كان قد أعلن عن موافقته بانضمام عدد من الأحزاب السياسية إلى داخل هيكلية المجلس الوطني الكردي إلا أنها لم تفسح المجال امام حزب يكيتي الكردستاني – الحر، والذي كان قد انشق أواخر عام 2019 عن حزب يكيتي الكردستاني –سوريا لعل ضم بعض الأحزاب والشخصيات السياسية من ذوات التأثير قد تفسح المجال امام نشوء وبروز تيارات سياسية جديدة داخل هيكلية المجلس الوطني الكردي وتفسح المجال امام تحديات ضد حزب الديمقراطي الكردستاني – سوريا، لهذا عمدت تركيا إلى عدم السماح لأحزاب سياسية لها ثقلها السياسي من التأثير على هيكلية المجلس الوطني الكردي وعدم السيطرة على مركز قرار المجلس الوطني الكردي.
من جانبٍ أخر فإنه يتبين وبشكل واضح محاولات الدولة التركية من العمل على تقسيم المجلس الوطني الكردي، حيث إنه وبناء على المسوغات التي دفعت تركيا إلى تأسيس بعض الكيانات السياسية ذات الطابع القومي الكردي في المناطق المحتلة وهنا نشير إلى مدينة عفرين على وجه الخصوص فإن ذلك يتنافى تماماً مع المخاوف التركية التي تصرح بها على الدوام والتي تتحدث عن خطورة الكرد على الأمن القومي التركي، فتركيا عمدت خلال العام الماضي على تفعيل حركة رابطة المستقلين الكرد وضمها كـ كيان مستقل إلى جسم الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، هذه الخطوة جاءت في تناف تام مع الاتفاق الذي ابرمه المجلس الوطني الكردي مع الائتلاف الوطني بعدم ضم أي كيان سياسي كردي بصفة مستقلة داخل هيكلية الائتلاف الوطني السوري، من جانب أخر عمدت تركيا إلى تشكيل كيان أخر باسم الهيئة العليا للأكراد في مدينة عفرين، ان هذين النموذجين يمكن القول بأنهما نواة لتشكيل تيار كردي أخر ولضمان استمرار سياساتها في الداخل السوري، عمدت تركيا إلى تفعيل دور بعض الشخصيات التابعة لأحزاب المجلس الوطني الكردي في مناطق عفرين والترويج إعلامياً حول عملهم وتحركاتهم ضمن المناطق المحتلة، ولعل الزيارة الأخيرة التي قام بها أعضاء من المجلس الوطني الكردي في الـ 19/11/2020 إلى مقرات مرتزقة الجيش الوطني في مدينة عفرين كان له دلالات كثيرة حول رغبة تركيا في تحييد بعض أعضاء المجلس الوطني الكردي وإظهارهم على انهم نواة ضمن الائتلاف دون الإكتراث بالتصريحات التي كانت قد ادلت بها في وقتٍ سابق فيما يتعلق بالمجلس الوطني الكردي.
هنا يمكن القول بأن الدولة التركية وفي الوقت الذي يعلن فيه بعض المسؤولين البارزين ضمن المجلس الوطني الكردي عن توقف الحوار الكردي- الكردي فإن الدولة التركية قد تعمد إلى تحقيق عدد من المكاسب والنقاط البارزة في سبيل التأثير على الشارع الكردي ومنع نجاح الحوارات ومن أبرز السيناريوهات المتوقعة والتي من الممكن استعراضها هي:
أولاً: محاولة التأثير على الشارع الكردي وزيادة حدة التفرقة بين أنصار الأحزاب الكردية وذلك استناداً إلى أسس حزبية واتهام بعض الأحزاب بالتبعية واتهامها بالعمالة لصالح أجندات خارجية.
ثانياً: محاولة التأثير على الأحزاب السياسية العاملة ضمن المجلس الوطني الكردي ودفعها إلى بناء تيارات وتحالفات واتحادات داخل هيكلية المجلس الوطني الكردي بهدف تفريق مركز القرار للمجلس الوطني الكردي وإضعاف أي إجراءات من الممكن أن تتخذها الأحزاب السياسية في المدى المنظور.
ثالثاً: العمل على تقسيم المجلس الوطني الكردي بين مناطق شرقي الفرات وغربي الفرات وإحكام سيطرتها على مناطق غير خاضعة لسيطرتها في إشارة هنا إلى محاولتها إلى السيطرة على منطقة عفرين وتفعيل دور الشخصيات المحسوبة على المجلس الوطني الكردي في مناطق سري كانيه وكري سبي خلال الفترة القادمة.
NRLS