آلدار خليل –
من أبرز الجوانب التي تطورت فيها الثورة الديمقراطية لشعبنا في شمال سوريا هي تلك الحالة المنظمة التي بدأت بها الثورة، الحالة التي اعتمدت على تحديد الأهداف والطرق المؤدية نحو التغيير الحقيقي في سوريا، على العكس ظهر الجانب الآخر في المناطق الأخرى من سوريا، حيث ساد نمط من الصراع والتناحر بطريقة غير منظمة أدى في نهاية المطاف إلى الشرخ والفراغ ما بين القوى الواحدة وبالتالي أدى ذلك بطريقة أو بأخرى إلى التدخل من قبل من لهم مصلحة في تحريف الأمور عن أهدافها وباتت مرحلة ما بعد 2011 في بعض المناطق السورية الأصعب من المرحلة التي كانت قبل عام 2011 وهذا ما يمكن وصفه بأنه كان الضياع الأكبر للفرصة التاريخية التي نهض فيها الشعب وتحدى آلة الإنكار لأول مرة في تاريخ سوريا.
ساهمت الحالة المنظمة من ناحية الرؤية والخط الاستراتيجي التي تم اعتمادها مع مرور الوقت في إثبات مدى صوابية المنهج؛ نحن الآن وفي هذه الظروف قطعنا مرحلة هامة بالرغم من كونها لم تكن طويلة. لكن؛ لو تمعّنا في الواقع الموجود الآن نستطيع أن نرى بأن الثقل والأهمية والسياسة باتت كلها في شمال سوريا حتى بات الشمال السوري محوراً لتحديد مواقف واستراتيجيات دول لربما كانت قبل مدة تركّز على أمور أخرى؛ كل هذا الثقل جاء نتيجة الحالة التنظيمية والإدراك السليم والقراءة المناسبة وهذا ما يمكن أن يؤهلنا بقوة لنكون نحن مكونات شمال سوريا الشعب المنظم في المرتبة الأولى أمام كل المناطق التي شهدت الفوضى والحرب سواء في داخل سوريا أو خارجها.
بكل هذه الإنجازات النوعية يجب أن نكون منظمين في تعبيراتنا كافة عن جوهر ومعنى ثورتنا، هنا أريد أن أرّكز على جانب هام متعلق بالتنظيم المجتمعي؛ متعلق بحالة التعبير الجماهيري عن مواقف في كل الظروف والتي هي مواقف بالشكل النهائي تعبير صادق وسليم عن جوهر وأخلاق ثورتنا الديمقراطية الحُرّة التي لا زالت مستمرة بقرارها الأول منذ بداية 2011 وهو قرار التغيير نحو الديمقراطية وضمان الاستقرار.
حق التظاهر وإيصال مواقف حول تطور أو رؤية أو سياسة من قِبل المجتمع حق مشروع ومهم من أجل إثبات مدى يقظة الشارع ومتابعته لثورته وإصراره على منع أي تدخل أو محاولة من أي طرف بأي شكل من الأشكال تشويه ما تم إنجازه أو محاولة تصفية ما تم تحقيقه. لكن؛ ولكي نعبّر بشكل مؤثر ونقوم بإيصال الرسالة الصحيحة في أي نوع من أنواع التظاهر أو المسيرات أو الاحتجاج علينا أن نقوم بمراعاة عدة نقاط والتي من أهمها؛ تحديد الهدف لماذا نخرج؟ اختيار المكان والتوقيت المناسبين، التعبير البصري السليم عن الهدف الذي تم تحديده من قبيل الرموز والصور التي يجب أن نحملها، العلم الذي يجب أن يكون موجوداً، إيصال الرسالة بالخطوط العريضة من خلال اختيار العبارات، الشعارات، والكلمات التي يجب أن نرفعها ونكتبها على اللافتات، بهذه الطريقة يتم إيصال فكرتنا على عكس التشعب في النقاط التي تم التطرق إليها.
المسيرة الاحتجاجية التي خرجت قبل أيام في مدينة قامشلو من قبل أهالي وذوي الشهداء والحالة المنظمة التي ظهرت تستحق أن تكون مثالاً نوعياً ونموذجاً في كل نشاطاتنا الجماهيرية، الشهداء الذين كانوا المثال في التضحية باتوا مثالاً لنا في نشاطاتنا اليوم، هذا يؤكد بأن الشهداء يبقون مثالاً وسبيلاً لنا في كل انتصاراتنا وكل مبادراتنا، المسيرة التي خرجت في قامشلو يجب أن تكون طريقاً لكل المؤسسات وأبناء شعبنا كافة نحو اتباع التنظيم ذاته في أي نشاط أو موقف يستوجب النزول إلى الشارع ليس فقط في الداخل وإنما في الخارج وفي كل المناطق التي يتواجد فيها شعبنا.
بالشكل الذي تم تنظيم مسيرة قامشلو وبالطريقة ذاتها نضمن إيصال حقيقة رسالتنا والدفاع عن ثورتنا والتعبير عن جوهر تنظيمنا المجتمعي الذي توصلنا من خلاله إلى كل ما نحن فيه الآن، كما تطرقنا فيه في المقدمة، وكذلك أصبحنا مثالاً للتعبير عن الحالة غير التقليدية. يجب أن نكون كذلك في كل جوانب نشاطاتنا، وهنا علينا ألا نخلط بين المشاعر اللحظية وبين ضرورات المرحلة بحيث نكون على وعي تام بأن الحفاظ على أي شيء نريده وتقديره له أكثر من جانب والأمر لا يمكن اختزاله بطريقة واحدة.