أخبار عاجلة

الشراكة الحـ.ـذرة: آفاق العلاقات الإيرانية الروسية على وقع حـ.ـرب أوكرانيا

تنظر إيران وروسيا للغرب نظرة متقاربة؛ حيث يرى “بوتين” أن الغرب لم يأخذ روسيا على محمل الجد عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، ولم يحترم مصالحها وثقافتها، فيما ترى إيران أنها تواجه تهديدات غربية تستهدف استقرارها الداخلي ونفوذها الخارجي والقضاء على مسار الثورة الإسلامية.
تهدف طهران عبر العلاقات مع موسكو إلى التغلب على القيود والتهديدات التي تعيق دورها كقوة إقليمية رئيسية في الشرق الأوسط وجنوب القوقاز وأسيا الوسطى، بينما تحتاج موسكو إلى شركاء إقليميين أقوياء للتغلب على الحصار الذي يسعى الغرب لفرضه عليها.
ويلتقيان في دعم الرئيس السوري بشار الأسد، ويرفضان توسعة حلف الناتو شرقاً، كما اعتبرا أن ثورات الربيع العربي، مؤامرات غربية تهدف لإعادة تشكيل الشرق الأوسط بشكل يضعف نفوذ إيران وروسيا.
في المقابل؛ يوجد رصيد تاريخي من عدم الثقة والتنافس بين البلدين على النفوذ في آسيا الوسطى، وتختلف مواقفهما تجاه “إسرائيل” والعلاقات مع دول الخليج العربي، ومستقبل سوريا، كما يتنافسان في تصدير الغاز والنفط.
رغم التهديدات المشتركة؛ مازالت العلاقات بين البلدين لا تستند إلى رؤية استراتيجية متكاملة أو تعاون مؤسسي ثنائي واتفاقيات محددة، ولا توجد قيم مشتركة بين نظامي الحكم، ويرسم كل منهما سياسته الخارجية بشكل مستقل، ويتعاونان بشكل ظرفي يرتبط عادة بالمصالح الذاتية لكل طرف، وطبيعة علاقاتهما الآنية بالغرب.
ولذا؛ فلا يمكن وصف العلاقة الإيرانية الروسية بأنها شراكة استراتيجية، وبالتالي لا نرجح أن تطور إيران انخراطها في حرب أوكرانيا وسيظل دعمها لموسكو في الحرب محدودا باعتبار أن أولويتها هي التوصل لاتفاق نووي مع الغرب.
وتشير المؤشرات التالية إلى معوقات تطور العلاقة بين إيران وروسيا إلى مرحلة الشراكة الاستراتيجية:
أولاً: رصيد تاريخي من الخلافات وعدم الثقة
احتلت روسيا أجزاء من شمال إيران في أربعينات القرن المنصرم، ودعمت العراق في حربه ضد إيران (1980-1988)، واتفقت سراً مع واشنطن في عام 1995 عبر رئيس الوزراء الروسي “فيكتور تشيرنوميردين” على تجميد التعاون العسكري والتقني الروسي مع طهران، وهو ما استمر إلى عام 2000، وكذلك دعمت موسكو في عهد “بوتين” نحو 6 مرات فرض مجلس الأمن لعقوبات على إيران بخصوص الملف النووي، كما فرضت روسيا في عهد “ميدفيديف” حظر أسلحة كامل على إيران تماشياً مع الموقف الدولي، فيما توجد خلافات بين البلدين في ملف ترسيم حدود بحر قزوين.
ثانياً: تعارض العلاقات مع دول الخليج
تحرص روسيا على تعزيز وتطوير العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي وفي مقدمتها السعودية، بينما في المقابل تتصادم المصالح الإيرانية مع المصالح الخليجية، وسيؤثر التحالف الاستراتيجي بين إيران وروسيا حال حدوثه على علاقات موسكو مع دول الخليج، وهو ما سيضر المصالح الروسية في ملفات عديدة مثل ملف إدارة سوق النفط والذي تنسق فيه مع الرياض عبر أوبك بلاس، فضلا عن حرمان موسكو من استثمارات دول الخليج الثرية، كما قد يؤدي مثل هذا التحالف إلى استثارة المجتمعات المسلمة داخل روسيا وفي جوارها في حال النظر له على أنه تحالف أرثوذكسي شيعي يستهدف العالم السني.
ثالثاً: تناقض العلاقات مع “إسرائيل” والخلاف حول مستقبل سوريا
في حين تقيم روسيا علاقات جيدة مع إسرائيل، فإن إيران تناصبها العداء، وبالتالي فإن أي دعم روسي بعتاد عسكري متطور لإيران سيؤثر على علاقاتها مع تل أبيب، وهو احتراز دفع موسكو سابقاً بعد لقاء بين “ميدفيدف” و”أوباما” في عام 2010 إلى تجميد صفقة بيع منظومة S300 إلى طهران لعدة سنوات مما ولد شكاً لدى إيران تجاه جدوى الاعتماد على موسكو كحليف موثوق، وفي المقابل تحرص إسرائيل على بقاء العلاقات موسكو، إذ رفضت تل أبيب تزويد أوكرانيا بعتاد عسكري ألحت في طلبه مثل منظومة القبة الحديدية الخاصة بالدفاع الصاروخي، وذلك رغم الضغوط الكبيرة التي يمارسها الرئيس الأوكراني اليهودي الديانة “فولوديمير زيلنسكي”، ولذا تحرص موسكو على عدم توتر علاقتها مع تل أبيب.
كذلك تختلف رؤية إيران وروسيا الاستراتيجية لمستقبل سوريا؛ فبينما يدعم كل منهما حكومة “بشار الأسد”، تميل موسكو إلى دولة علمانية تحافظ على المصالح الروسية بسوريا، والتي لا ترتبط بالضرورة ببقاء شخص “الأسد”، في ظل وجود قواعدها البحرية والجوية في سوريا، والتي تكفل لها حرية الحركة في البحر الأبيض المتوسط وتهديد أوروبا من سواحلها الجنوبية، بينما تعتبر طهران أن بقاء “الأسد” في السلطة ضروري للحفاظ على سيطرتها على الطريق البري الواصل من إيران إلى لبنان عبر العراق وسوريا، وتعزيز ما تطلق عليه “محور المقاومة”، أي أنها لا تقبل إلا بسوريا متماهية أيديولوجيا مع طهران كي تظل حلقة وصل جوهرية في هذا المحور، وإلا سيتعرض نفوذ إيران في الشرق الأوسط للتهديد.
ينعكس الخلاف بين البلدين في الملف السوري على سماح روسيا لإسرائيل باستهداف التواجد الإيراني بسوريا دون أي تدخل من منظومات الدفاع الجوي الروسية، بل وبتنسيق كامل بين لجنة الاتصال العسكرية الروسية الإسرائيلية المعنية بالشأن السوري، وضمن هذا السياق نجد أن تل أبيب قتلت في مارس/آذار الماضي العقيدين بالحرس الثوري “إحسان كربلائي” و”مرتضى نجاد” في قصف قرب دمشق، ثم قتلت في أغسطس/آب العميد بالحرس الثوري “أبو الفضل عليجاني” خلال عمله كمستشار عسكري في سوريا، فيما تواصل غاراتها بشكل مكثف على قوافل إيرانية ومواقع لتخزين وتطوير الصواريخ الدقيقة داخل سوريا، بينما استجابت روسيا للمطالب الإسرائيلية بإبعاد الإيرانيين عن المناطق الجنوبية المتاخمة للجولان فضلا عن الخلاف القائم بشأن حقول الفوسفات في تدمر وتأجير ميناء اللاذقية وغيرها…
رابعاً: التنافس في ملف الطاقة
تتنافس إيران وروسيا في قطاع الطاقة، وبالتحديد تصدير النفط والغاز، فيما تستغل الشركات الروسية والصينية العقوبات الدولية على إيران، لإجبار طهران على قبول المقايضة بسلع منخفضة الجودة، وهو ما أدى إلى وجود تحفز شعبي تجاه موسكو وبكين باعتبارهما يستغلان موقف إيران التفاوضي الضعيف.
وفي المحصلة؛ فإن وجود علاقات سياسية قوية أو تعاون عسكري أو مواقف متطابقة بين البلدين بشأن بعض القضايا الدولية أو بروز تنسيق في بعض ملفات السياسة الخارجية لا يمكن تصنيفه ضمن بند الشراكة الاستراتيجية نظرا لغياب التخطيط المشترك للتعامل مع التحديات، وإنما يمكن إدراجه ضمن الشراكة الحذرة،.
ورغم ما سبق، ففي حال الوصول لتفاهم روسي مع الغرب بخصوص أوكرانيا، أو تفاهم بين إيران والغرب في الملف النووي، سينعكس هذا سلبا على تطور العلاقات بين البلدين؛ إذ سيوظف كل منهما علاقته مع الآخر كورقة للمساومة مع الغرب، وهو نهج سبق أن اتبعه كلاهما خلال مراحل الانفراج بينهما وبين الدول الغربية، فالعلاقات بين البلدين لا تستند إلى رؤية استراتيجية متكاملة وتعاون مؤسسي ثنائي واتفاقيات وترتيبات محددة، إنما هو أمر لحظي يرتبط عادة بالمصالح الذاتية لكل منهما، وطبيعة علاقات كل منهما بالغرب.