بعد أكثر من عام ونصف عام من التهديدات، جدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تلويحه بشن هجوم ”في وقت قريب“ ضد مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية، رغم مساعي واشنطن المستمرة للتهدئة.
واقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل أشهر إقامة منطقة آمنة على الحدود بين تركيا ومناطق الإدارة الذاتية منعًا لهجوم تركي. رحبت أنقرة بالاقتراح مشترطة أن تتولى إدارة المنطقة وحدها، الأمر الذي رفضته الإدارة الذاتية بالمطلق. ولم تثمر المباحثات التركية الأمريكية بعد.
وتطمح أنقرة إلى إنشاء منطقة آمنة بعرض 30 كيلومترًا على طول حدودها داخل سوريا، على أن تسيطر عليها بالكامل وتنسحب منها وحدات حماية الشعب.
وتطالب أنقرة واشنطن أيضًا بوقف دعمها للمقاتلين من وحدات حماية الشعب، الذين يُعدّون العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية، رأس الحربة في قتال تنظيم داعش.
وتدور في أنقرة منذ 23 تموز/يوليو محادثات بين الطرفين.
وقدّمت الولايات المتحدة اقتراحات عدة، إلا أن أنقرة لم توافق على أي منها، واعتبرت أن ما تقوم به واشنطن هو مجرد محاولات لـ“كسب الوقت“.
وتعقد في أنقرة منذ الإثنين، اجتماعات جديدة بين الطرفين. وقال أردوغان الثلاثاء، إن بلاده تعتزم شنّ هجوم ”في وقت قريب“ في شمال شرق سوريا.
ويقول القيادي البارز في الإدارة الذاتية ألدار خليل، إن إدارته أبدت ”مرونة“ بموافقتها على أن تكون المنطقة المذكورة ”بحدود خمسة كيلومترات، لكن تركيا رفضت هذا الطرح“؛ كونها ”تريد السيطرة على المنطقة وحدها“.
كما طرحت الإدارة الذاتية أن تكون جزءًا من المفاوضات بين واشنطن وأنقرة، إلا أن الأخيرة رفضت، على حد قوله.
وفي إطار مساعيهم السياسية، حاولت الإدارة فتح قنوات اتصال مجددًا مع دمشق وحليفتها موسكو.
ويوضح خليل: ”لا تزال الاتصالات مستمرة (مع الطرفين)، طرحنا على دمشق التفاوض على صيغة معيّنة لإدارة هذه المناطق (…) لكن دمشق لم تقرر بعد ولم توضح موقفها الحقيقي رغم خطورة الوضع“.
ولم تثمر مفاوضات سابقة بين الإدارة ودمشق حول مصير مناطق سيطرتهم، مع إصرار الأخيرة على إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل اندلاع النزاع في العام 2011.
ومع تصاعد التهديدات التركية، حذرت الإدارة الذاتية من أن أي هجوم مماثل قد يخرج الوضع الأمني عن السيطرة في مناطقهم، وألّا يتمكنوا بالنتيجة من حماية السجون والمخيمات التي تؤوي الآلاف من مقاتلي تنظيم داعش الأجانب وأفراد عائلاتهم.
وشدد خليل على أنه ”بمجرد القيام بهجوم على المنطقة.. فإن الحفاظ على المعتقلات والسجون والمخيمات التي فيها هؤلاء ستكون صعبة“.
وفي حال فشل المساعي الدبلوماسية والسياسية التي يعولون عليها، فلن يكون هناك خيار أمامهم سوى ”المقاومة“.
يجد الأمريكيون أنفسهم بين نارين، إذ عليهم إرضاء تركيا، حليفتهم الإقليمية التي تشهد علاقتهم معها توترًا منذ مدة، والقوات التي قاتلت تنظيم داعش بدعم منها.
وحذر وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر، الثلاثاء، من أن أي هجوم تركي أحادي سيكون ”غير مقبول“، واعدًا بمزيد من المحادثات.
ويقول المحلل في الشأن التركي نيكولاس دانفورث، إن ”المأزق يكمن في أن الاقتراحات الأمريكية تجعل المنطقة الآمنة كأنها منطقة منزوعة السلاح، فيما يتخيل الأتراك شيئًا يشبه عفرين“.
ويجد أردوغان نفسه تحت ضغوط سياسية داخلية عدة يسعى لتجاوزها. وقد ظهرت مؤخرًا مؤشرات عداء متزايد ضد اللاجئين السوريين في تركيا.
وتستضيف تركيا نحو 3.6 مليون لاجئ سوري، ويرى مراقبون أن وجودهم لعب دورًا في خسارة حزب أردوغان الحاكم في الانتخابات البلدية الأخيرة.
ويرى الباحث في مركز الأمن الأمريكي الجديد نيكولاس هيراس، أن أردوغان يريد ”التخفيف من الضغط السياسي الداخلي عليه عبر إرسال عشرات آلاف اللاجئين السوريين“ إلى ”المنطقة الآمنة“.
ويوضح أن واشنطن تعتقد اليوم أنه ”من الممكن تفادي عمل عسكري تركي (…) إذا جرى منح أردوغان انتصارًا، بفرض وجود تركي في بعض مناطق شرق الفرات عبر دوريات مشتركة“ مع قوات من التحالف.
ويقول: ”في الحقيقة، يقول الأمريكيون لقوات سوريا الديمقراطية، إن وجودًا تركيًا محدودًا في بعض المناطق هو الأمر الوحيد القادر على منع الأتراك من الهجوم.