إدلب نهاية 2020 و الحلم الأردوغاني

لقد كان يعتقد بأن وباء كورونا المستجد سيكون فرصة كبيرة لوقف الصراع والحرب في سوريا عامة وإدلب خاصة، حيث كان من غير المعقول الاعتقاد بالصدام الروسي التركي، وأن النظام السوري سيستمر بالاستفزازات لعله يستطيع خلط الأوراق، وتعتبر هذه آخر أوراقه.

كوفيد – 19 ونهاية عام 2020

رسمت نهاية عام 2020 ملامحها على خريطة العالم أجمع، بحيث نقترب اليوم من نهاية العام في ظل تفاقم الأوضاع السياسية والجيوسياسية والاجتماعية، فدون شك نحن نوشك على وداع عام مليء بالرسائل المكشوفة بالرغم من جميع التطورات التي حصلت وخاصة بداية ظهور فايروس  كوفيد – 19 الذي أثر بشكل سلبي على جميع انحاء العالم سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وعلى سوريا وشمال شرق سوريا أيضاً بشكل  أقوى، مع العلم بأن هذا الوباء بيولوجي إلا أنه بالتزامن مع توسع رقعة انتشاره في العالم، ظهر الوجه القبيح والوحشي للنظام الرأسمالي العالمي والمهمين.

وباء تركيا المحتلة ومرتزقتها ” كورونا سوريا”

مع تفشي هذا الوباء في سوريا وشمال غربها في ظل وجود أوبئة سرطانية أكثر خطورة على الإنسانية، ما زادت من التأثير والمعاناة أكثر، وهي المجموعات الإرهابية المرتزقة والمرتبطة بتركيا، ففي المناطق المحتلة من قبل تركيا، هناك وباء كوفيد 19 ووباء المرتزقة والإرهابين، الوباء الأكثر خباثة ووحشية ونابع من مخططات الدولة العثمانية الجديدة، فعن طريق مرتزقتها في إدلب، عفرين، سري كانيه، وتل ابيض / كري سبي، ظهرت ظاهرة جديدة على الصعيد الدولي، وباء “المرتزقة السوريين” في الخارج لخوض مغامراتها وأحلامها العثمانية، وبمعنى آخر تصدير الإرهابين والمرتزقة إلى الخارج بعد الاستيطان في المناطق المحتلة في شمال سوريا.

ولدى تناول مسألة عفرين وإدلب بشكل معمق كونهما أصبحتا مراكز لتصدير الأوبئة إلى دول العالم، سنرى هذه المشكلة بشكل أوضح لما يجري هناك من سلوكيات أصبحت مهددة للإنسانية جمعاء، وهنا يجب النظر وتناول المسألة بشكل مختلف، من خلال اعتبار أن العالم والإنسانية في خطر جدي وحقيقي من هذه الجغرافية المحتلة، لوجود وباء الترهيب والقتل وكل أنواع الجرائم التي تضاهي إرهاب داعش بمئات المرات، فمعظم المجموعات الإرهابية التي لا تمت بالإنسانية بصلة، تتواجد في هذه الجغرافية المحتلة وخاصة عفرين وإدلب، ومن جهة أخرى إن الطرف الذي يقوم بتقديم الدعم المادي والمعنوي لهذه المجموعات الإرهابية هي الدولة التركية، وفي جميع المناطق التي ترزح تحت نير هذه المجموعات الإرهابية، لا تسلم من وحشيتهم بشراً أو حجراً وماءً بحيث تطال هذه الوحشية كل شيء إلى درجة يحولون الجنة إلى جحيم.

المناخ السائد في تلك المناطق ووجود دعم المادي من قبل قطر وإخوان المسلمين، تجعل من المنطقة بؤرة للتطرف والإرهاب، فكل الأعمال الإجرامية التي ارتكبت في قره باغ وليبيا،  لوجود مناطق أصبحت قاعدة لنشر الإرهاب والتطرف، وهي عفرين وإدلب.

محاولات لاستدامة وجودها في سوريا

ومن أجل البقاء في هذه الجغرافية (عفرين وإدلب) تحاول تركيا بكل ما لديها من إمكانيات للاستيطان، ولذلك أرسلت الجيش المرتزق الذي أسسها في هذه المنطقة إلى ليبيا وقره باغ، وبالرغم من التدخل العسكري والسياسي في تلك المناطق ولكن الهدف الأساسي من تصدير المرتزقة إلى ليبيا وقره باغ كان لتمكين مساعيها في الهيمنة على المناطق التي أحتلتها في شمال سوريا وبشكل مستدام.

من جانب آخر كانت انسحاب تركيا من بعض النقاط العسكرية في إدلب في مقدمة أولوياتها. وبالرغم من محدوديتها فقد تبين أن لهذه السياسية المخادعة لتركيا عوائد واستحقاقات مفيدة لها، ففي الإعلام التركي تصدرت خطوة الانسحاب من بعض النقاط في شمالي حماة بشكل مكثف وأكدت على الانسحاب من الطريق الدولي M5، حيث تقوم بهذا الخداع ليبين للرأي العام بأنها تنسحب من سوريا ولا أطماع لديها في المنطقة هذا من جهة، ومن جهة أخرى ترسل القوات والتعزيزات العسكرية التي انسحبت من تلك المناطق، إلى داخل مدينة إدلب وعفرين، وذلك لتثبيت قدمها وتقوية وجودها.

ضمن هذا السياق قامت الولايات المتحدة الأمريكية بإخراج فصيل حزب التركستاني من لائحة الإرهاب، ويعتبر هذا الفصيل من الفصائل النشطة وذات تأثير في إدلب، يرغب هذا الفصيل عن طريق تركيا كسب مشروعية في إدلب، وفي نفس الوقت تريد تركيا في المناطق المحتلة فرز هذه المجموعات وفقاً لسياساتها، قسم منها إرهابية ومتطرفة، وقسم معتدلة، وأخرى اعتبارها فرع سياسي وعسكري مرتبط بالمعارضة السورية، تركيا بهذه المحاولات تريد خلق توازن في هذه المناطق، لكسب المشروعية فيها وكذلك استخدمها للمجموعات المرتبطة بها كأداة مقايضة مع روسيا والولايات المتحدة الأمريكية في الفترة القادمة.

التفاعل المضاد للسياسة التركية

هذا ما تكشفه الأحداث الأخيرة في المنطقة، أما بالنسبة للمستجدات غير المتوقعة فهناك احتمال حدوث تطورات سلبية في هذا الصدد، فالتفاعلات الأخيرة لنتائج الانتخابات الأمريكية وعدم هيمنة روسيا على كامل الملفات الأزمة السورية – مع أنها حققت بعض المكتسبات – وعدم حصول تركيا على الموافقة في احتلال مزيد من المناطق في شمال سوريا بعد المحاولات المستميتة؛ تبين عدم وجود حاجة دولية إلى تركيا، وفي ظل وجود توافق على حل الأزمة السورية وفقاً لقرار الدولي 2254 بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، هناك احتمالية كبيرة من إفراغ السياسات التركية من محتواها، واستهداف مصالحها في سوريا في الفترة القادمة، فالتوافق على القرار 2254 الدولي بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية هو لحل الأزمة السورية بطرق السلمية والمحادثات وليس بالطرق العسكرية.

ويجب عدم إغفال الجوانب التي تعزز من إضعاف هيمنة أنقرة في سوريا، فالأزمات الاقتصادية والسياسية التي تعاني منها تركيا في الداخل والخارج وتأثيراتها على الوضع الإقليمي والدولي لم تعد تجد تأييد لهجماتها وتدخلاتها الاستعمارية، كذلك فإن الجانب الأساسي في دحر تركيا من المنطقة، هي معرفة الشعوب المتضامنة مع بعضها في شمال وشرق سوريا الوجه الحقيقي للسياسة التركية وأهدافها، والمقاومة تجاهها ما جعلت السياسات التركية حول سوريا تفشل ولم تكتب لها النجاح.

على الرغم أن تركيا تقوم بالترويج لمخططاتها الاستعمارية بشعارات من قبيل “نحن نجلب السلام ونحرر المناطق من اجل أمن الشعوب”، فإن المكونات والشعوب المتعايشة في هذه الجغرافية تستوعب حقيقة هذه الشعارات، تحاول تركيا بمخططاتها الاستعمارية – التي لا تحوي أي هدف إنساني – الوصول إلى حدود الدولة العثمانية وتوسيع نفوذها، فخير دليل على ذلك ما تشهده المناطق المحتلة من إدلب حتى سري كانيه / رأس العين.

 

NRLS