إسرائيل وحزب الله… اللعب على حافة الصواريخ

 

تحدّث نتنياهو عن وجود ثلاثة مواقع “سرية” تابعة لحزب الله “قرب مطار بيروت” تسعى، بدعم إيراني، إلى “تحويل المقذوفات غير الدقيقة إلى صواريخ دقيقة التوجيه يمكن توجيهها على أهداف في عمق إسرائيل بمستوى دقة عشرة أمتار”.

 

 

مباشرة بعد هذا الخطاب، نشر حساب الجيش الإسرائيلي على تويتر فيديو اتهم فيه حزب الله بإنشاء بنية تحتية لتحويل صواريخ أرض-أرض إلى صواريخ دقيقة في حي الأوزاعي المجاور لمطار بيروت، ونشر ثلاث صور جوية لما قال إنه ثلاثة من هذه المواقع تقع في “المنطقة المدنية في قلب العاصمة بيروت”، أحدها مجاور للمطار، وثانيها في موقع كرة قدم تابع لنادي العهد وثالثها في مرفأ الأوزاعي.

 

وأشار أدرعي إلى أن هناك مواقع أخرى في بيروت وخارجها ينشط فيها عناصر حزب الله لإقامة بنية تحتية مخصصة لتخزين أو تحويل صواريخ إلى دقيقة، ولكنه لفت إلى أن قادة حزب الله اتخذوا قراراً “بتحويل مركز ثقل مشروع الصواريخ الدقيقة الذي يتعاملون معه منذ فترة إلى المنطقة المدنية في قلب مدينة بيروت”.

 

وأثار حديث الإسرائيليين عن منشآت حزب الله الصاروخية قلق اللبنانيين من احتمال اندلاع حرب جديدة، هم الذين لم ينسوا حتى اللحظة عدوان يوليو 2006 ولم تستكمل الدولة حتى الآن دفع التعويضات للمتضريين منه، رغم مرور أكثر من 12 سنة عليه.

 

ولكن احتمال اندلاع حرب أو حتى ضربات موضعية للمنشآت ضعيف جداً، ولم يكن الهدف من “الكشف” الإسرائيلي التمهيد لتحرك مشابه، وذلك تأسيساً على عدة معطيات:

 

الأول، هو أن المعلومات التي كشف عنها نتنياهو ليست جديدة، حسبما كتب يانيف كوبوفيتش في صحيفة “هآرتس” فإسرائيل تعرفها قبل نحو سنة، ولكن كانت متداولة فقط في أوساط “فريق صغير داخل مجتمع الاستخبارات”.

 

والثاني، هو تقدير إسرائيل أن المواقع المشار إليها لا تزال في مرحلة بدائية وبالتأكيد لا تحتوي على صواريخ جاهزة للإطلاق بل هي مجرد “محاولة لإقامة بنية تحتية لتحويل أسلحة إلى دقيقة”، حسب تعبير أدرعي.

 

وفي هذا الإطار، أشار كوبوفيتش إلى أن “المسؤولين في الجيش الإسرائيلي يعتقدون أن منشآت تصنيع الصواريخ الدقيقة التوجيه لم تُبنَ بعد داخل لبنان، بعكس تمنيات حزب الله وإيران”.

 

والثالث هو إعلان إسرائيل أنها قادرة على تعطيل هذه المشاريع بدون قصفها إذ أشار أدرعي إلى أن بلاده “لديها معلومات واسعة عن مشروع الصواريخ الدقيقة وتتحرك في مواجهته من خلال رد عملياتي متنوع ومن خلال طرق عمل ووسائل مختلفة”، لافتاً إلى أن تحركاتها “أدت إلى عدم تواجد مصنع فاعل في لبنان يقوم بتحويل أسلحة إلى دقيقة بشكل صناعي”.

 

إذن، باختصار، لا وجود لأي تغيّر طارئ يستدعي تعديل معادلة الهدوء الحذر السائدة منذ عام 2006.

 

ومنذ انتهاء حرب تموز 2006، نشأت معادلة يمكن تسميتها بأنها “حرب باردة صاروخية” بين حزب الله وإسرائيل مفادها سعي حزب الله الحثيث إلى تطوير ترسانته الصاروخية ومضاعفة عددها وسعي إسرائيل في المقابل إلى منع ما وصول ما تسميه أسلحة “كاسرة للتوازن” إليه.

 

حقق كل طرف نجاحات في هذه الحرب. صار حزب الله يمتلك نحو 130 ألف صاروخ، وضم إلى ترسانته صواريخ نوعية طويلة المدى مثل “فجر 5″، وفاتح 110″، مع احتمال ضمه أيضاً صواريخ “سكود بي” (مداها 300 كيلومتر وتحمل رأساً حربياً زنته طن) وصواريخ “سكود سي” (مداها 600 كيلومتر وتحمل رأساً حربياً زنته 700 كيلوغرام)، بحسب تقارير.

 

وفي المقابل، نجحت إسرائيل في منع وصول الكثير من الأسلحة التي تعتبر أن نصبها في لبنان “خط أحمر” من خلال عملياتها الدورية في الداخل السوري.

 

بالتأكيد، المعادلة الحالية غير واضحة بدقة، فمعظم الصواريخ التي أعلن حزب الله أنه يمتلكها أو كشفت تقارير عن امتلاكه لها هي صواريخ غير دقيقة التصويب، ولكن إسرائيل لا تستطيع التأكد بشكل جازم مما نجح حزب الله في إدخاله إلى لبنان، هي التي تخشى مثلاً أن تصله صواريخ “ذو الفقار” طويلة المدى والتي يُقال أنها دقيقة.

 

في 20 سبتمبر، حاول أمين عام حزب الله حسن نصر الله زيادة ورقة قوة إلى أوراق حزبه عبر إعلانه أنه صار يمتلك صواريخ دقيقة، رغم الجهود الإسرائيلية لقطع الطريق عبر سوريا، ما معناه أن حزبه يستطيع ضرب أهداف حساسة وليس فقط تعطيل الحركة في منشآت واسعة كمطار بن غوريون أو غيره.

 

والآن، بالمعلومات الجديدة التي أشاعتها نتنياهو، توازن إسرائيل هذه الورقة بتأكيدها أنها تعرف، لا بل تعرف تفاصيل ما يجري داخل منشآت حزب الله، وهو هدف نتنياهو من قوله: “لدي رسالة إلى حزب الله اليوم: إسرائيل تعرف، إسرائيل تعرف أيضاً ماذا تفعلون، إسرائيل تعرف أين تفعلونه، وإسرائيل لن تسمح لكم بالإفلات به”.

 

في ما عدا ذلك، يخدم كشفه نتنياهو توجه حكومته للتحريض على ما سمّاه “العدوانية الإيرانية” وتأثيرها السلبي في الشرق الأوسط.

 

كما يمنح “كشفه” حكومته ورقة تفاوض جديدة تضعها على طاولة النقاشات الدائرة بينها وبين الروس حالياً حول استمرار الضوء الأخضر الروسي الذي يمكّنها من تنفيذ غارات في الداخل السوري ضد مواقع تابعة للحرس الثوري الإيراني وحزب الله، فمع التلويح بتوسيع الحرب، قد ترى موسكو أن الأنسب إعادة قواعد اللعبة إلى ما كانت عليه قبل إسقاط طائرة “إليوشين 20”.

 

(المصدر: وكالات)