نتيجة لما تشهده البلاد من أزمات اقتصادية وتوترات أمنية وحصار من قبل قوات حكومة دمشق على بعض المناطق وانتهاكات بحق الأهالي المدنيين في المناطق التي تحتلها تركيا من سوريا، يبحث المواطنون عن أيا منفذ للخلاص من الحال التي هم عليها، فلا سبيل لهم سوا التفكير بترك البلاد واللجوء للخارج، وللوصول من سوريا إلى أوروبا بغض النظر عن الدولة المقصودة يحتاج لطريقة تهريب من سوريا إلى تركيا ومن تركيا إلى طرق مختلفة تؤدي إلى الخارج.
ولكن هذه الطرق باتت طرقا للموت والاستغلال حيث يشترط “المهرب” على المواطن الساعي للخروج مبلغا يتراوح بين الـ 18000$ إلى 22000$ وقد يصل المبلغ لدى البعض من “تجار البشر” إلى 25000$.
لا ينفصل عمل المهربين بين مناطق النفوذ داخل سوريا، بل يعتمدون على أسلوب عمل مترابط، في مفارقة لطبيعة الأطراف التي تسيطر على المناطق التي يهربون البشر منها وإليها.
فهناك طرق تهريب تبدأ من مناطق حكومة دمشق ومنها للبنان ومن لبنان لتركيا ثم اليونان ومن هناك إلى الأراضي الأوروبية، النمسا، هولندا، ألمانيا تكون هذه الدول الأكثر قصداً.
ويصل عدد المعابر الرسمية بين لبنان وسوريا إلى خمسة معابر رسمية، و124 معبرا غير شرعي، وعبرها تتم عمليات تهريب واسعة، بحسب بيانات المجلس الأعلى للدفاع اللبناني.
وفي ظل علم السلطات الرسمية بوجود هذه المعابر، يثار التساؤل حول الجهات التي تقف خلف هذه الرحلات، وكيفية عمل هؤلاء المهربين؟
وفي بداية شهر أكتوبر من هذا العام أعلنت قوى الأمن اللبنانية أنها أوقفت رجلين سوريين كانا ضمن شبكة مهربين تنظم هذه الشبكة رحلات هجرة غير شرعية إلى أوروبا، انطلاقا من ليبيا عبر البحر الأبيض المتوسط.
واعترف المتهمان بأنهما تلقيا “3500 دولار” (3340 يورو) من كل مهاجر، وأنهما نظما الرحلة من ليبيا على متن قوارب إلى إيطاليا واليونان. وغرق أحد القوارب التي شارك المتهمان في تنظيم رحلتها قبالة سواحل طبرق شرقي ليبيا قبل عدة أشهر. وفر المهربان بعد ذلك من ليبيا إلى سوريا.
أما الطريق الأخرى فهي من مناطق شمال شرق سوريا عبر المناطق الحدودية التي تحتلها تركيا من سوريا كرأس العين وتل أبيض، وتعد طرق من أكثر الطرق خطورة حيث سيقع الشخص الساعي للتهريب بين يد الفصائل المسلحة العاملة بإمرة الاستخبارات التركية، حيث تكون الضحية بالنسبة لهم “الشخص الساعي للهجرة” بمثابة “الوليمة”، فيستغلون ذويه مادياً، حيث يلقون فيه بأحد معتقلاتهم ويقطعون التواصل عن أهله قصادة، لاستغلال عاطفتهم وإجبارهم على الاستجابة لأوامرهم، فبعد الانقطاع يتواصل عناصر الفصائل المسلحة مع ذوي المعتقل لديهم وطلب فدى مالية مختلفة فمنهم من يطلب 600$ وما فوق، حسب الحصة المتفق عليها مع المهرب الذي أوصل الضحية لهذا المكان أساساً.
عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة “فيس بوك” ينشر أشخاص غير معروفي الهوية بين الفترة الأخرى عروضا لتهريب البشر من لبنان إلى سوريا وصولا إلى تركيا، وبالعكس في بعض الأحيان، ويوثقوا حديثهم بوضع أرقام للتواصل معهم.
ترتفع حالات الهجرة هذه في الصيف، إلا أنها لا تنقطع شتاءً وتبقى متواصلة على الرغم من مناشدة الإدارة الذاتية للشبان بعدم سلك مثل هذه الطرق للهجرة نظراً لخطورتها وإمكانية تعرضهم للموت، فلا ضمان للمهربين وبالتالي يُقاد الضحية لمصير مجهول.
عدا عن ذلك حتى ولو كان تاجر البشر “المهرب” غير متفق مع الفصائل المسلحة، فهو سوف يصل للمكان الموعد فيه فعلا وسيصل للمهرب الذي سيكمل له الطريق، لكن على غير اتفاق، فقد يكون المهرب الأول متفق مع “الضحية” أنه عندما يصل سيلتقه مهرب آخر ويكمل الطريق بسيارة أو باص أو وسيلة نقل مريحة يقنع بها الضحية، إلا أنه عندما يصل يجد شاحنات نقل مغلقة تنتظره، ويجبر على الصعود لهذه الشاحنات تحت تهديد السلاح، هذا وفق ما سرد لنا أحد الضحايا “م ج” في لقاء خاص لـ “روز برس”، والذي رفض الكشف عن اسمه واسم “تجار البشر”، خوفاً من تعرضهم له.
ووفق ما أضاف “م ج” خلال لقائنا به، فإن هناك بعض المجموعات لا يجدون حتى شاحنات للنقل، إنما يجبرون على إكمال المسير سيراً على الأقدام في تلك الغابات.
وأشار ” م ج” أن هناك العديد من الشبان يتلقون ضربا مبرحا من قبل المهرب حيث يكون ذلك انتقاما منهم لاختلافه على المبالغ المالي مع المهرب الأول.
يذكر أن هناك العديد من حالات الاختناق التي حصلت عن طريق شاحنات النقل المغقلة هذه، وكذلك نشرت العديد من الصور لأشخاص مفقودين على مواقع التواصل الاجتماعي تبين لاحقا العثور عليهم مقتولين في الغابات.
عدا عن حالات غرق القوارب في السواحل وخاصة ليبيا، فقد أفاد الجيش اللبناني اليوم بأنه أحبط عملية تهريب غير شرعية قبالة سواحل طرابلس شمال البلاد.
وذكر الجيش في بيان له اليوم أنه: “وفي إطار مراقبة الحدود البحرية ومكافحة التهريب والتسلل غير الشرعي، أحبطت دورية من القوات البحرية في الجيش مقابل شاطئ طرابلس عملية تهريب بواسطة مركب كان على متنه 110 أشخاص”.
ولفت الجيش في بيانه إلى أنه كان على متن المركب “لبنانيان و108 سوريين”.