في الفترة السابقة كان يروج إعلامياً إلى أن الاجتماعات التي تجمع بين كل من موسكو وأنقرة وطهران وكذلك دمشق، على أنها اجتماعات ترمي لوقف نزيف الدم السوري ووضع حلول للأزمة المستفحلة في البلاد منذ عام 2011 ، إلا أن ما يشهده أرض الواقع لا يمت بأي صلة لأي جهود قد تدفع بالأزمة نحو الحل، بل على العكس تماما، تواصل الأطراف الآنفة الذكر الاستمرار في خلق الفتنة بين مختلف المكونات السورية وعلى وجه الخصوص بين العرب والكرد في غاية لخلق صراع أكبر على الأرض السورية وإطالة أمد الأزمة أكثر فأكثر.
ففي الـ20 من حزيران الماضي، اجتمعت موسكو وطهران وأنقرة ودمشق في جولة جديدة من أستانا لتتفق هذه الأطراف وبصريح العبارة في محاربة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بذريعة أن الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا تهدد الأمن القومي من خلال ما أجندات انفصالية، إلا أنه وفي حقيقة الأمر فإن مشروع الإدارة الذاتية هو الوحيد المنادي بوحدة مكونات المنطقة على اختلافها وضمان حقوقها والعيش بكرامة على أرض سورية واحدة، إلا أن الحكومة السورية وإلى جانبها باقي الأطراف تعمل وتبذل كل ما بوسعها لإفشال مشروع الأمة الديمقراطية في سبيل هدف وغاية وحيدة وهي أن الصراع الدائم واستمرار نزيف الدم السوري يأتي لصالحهم وغاياتهم الجيوسياسية
ما يحصل في دير الزور من هجمات تشنها المجموعات المسلحة التابعة لقوات الحكومة السورية وإيران بين الفينة والأخرى والتي تتحرك تحت مسمى “قوات العشائر” مرتبط بما تم الاتفاق عليه في الاجتماع الرباعي الذي عُقد في موسكو.
فبعد أن أطلقت قوات سوريا الديمقراطية عملية “تعزيز الأمن” في ريف دير الزور في الـ 27 من أغسطس / آب الفائت، والتي استهدفت التجار بين ضفتي نهر الفرات الذين كانوا يقومون بتهريب النفط والطحين إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية، وبالمقابل كانوا يهربون المخدرات وحبوب الكبتاغون من مناطق الحكومة إلى شمال وشرق سوريا، لتسارع هذه الأطراف إلى استغلال العملية الأمنية عن هدفها الرئيسي وإظهار أنها حرب كوردية عربية وخلق الفتن بينهم، ووفقاً لذلك بدأت هذه الأطراف بإرسال مجموعات مدّتها بالسلاح والذخيرة وكان من ضمنهم قيادات في الدفاع الوطني السوري وقائد أسود الشرقية التابع لإيران.
وما أن دخلت هذه المجموعات إلى عدة قرى في الضفة الشرقية لنهر الفرات ضمن مناطق نفوذ قسد حتى بدأت بسرقة ممتلكات الأهالي ومحتويات المؤسسات الخدمية، وخلعت النوافذ والأرضيات وسرقتها ونقلتها إلى الضفة الغربية لنهر الفرات، كما استهدفت حقول النفط وصهاريج المحروقات ومحطات المياه والكهرباء.
ومنذ نهاية أغسطس / آب الماضي تستمر هذه المجموعات المسلحة باستهداف القرى الواقعة تحت نفوذ قسد في الضفة الشرقية لنهر الفرات بدير الزور حيث تتعمد استهداف المنشآت الحيوية والمحطات الخدمية مثل محطات المياه والكهرباء إضافة لمنشآت النفط.
وتدير هذه المجموعات غرفة عمليات مشتركة بين محور أستانا، إذ أمرت الاستخبارات التركية فصيل أحرار الشرقية ومتزعمها أبو حاتم شقرا بإرسال مسلحين إلى الضفة الشرقية لنهر الفرات باسم العشائر والتنسيق مع نواف راغب البشير متزعم مجموعة أسود الشرقية الموالية لإيران.
واجتمع حاتم أبو شقرا مع المدعو أبو جعفر شقرا وآخرين في منتجع بمدينة أورفا الواقعة على الحدود التركية السورية، ومن هناك تواصلوا مع أمير بن نواف راغب البشير الذي يقود مجموعات أسود الشرقية التابعة لإيران في الضفة الغربية لنهر الفرات، وتم الاتفاق على إرسال عشرات المسلحين من أحرار الشرقية من أجل مشاركة الدفاع الوطني التابعة للحكومة السورية وأسود الشرقية التابعة لإيران في شن الهجمات على قوات سوريا الديمقراطية ومجلس دير الزور العسكري باسم العشائر العربية.
في حين أن شعبة المخابرات العامة لدى الحكومة السورية أوعزت إلى خلاياها بشن الهجمات على المنطقة والقيام بأعمال شغب وتخريب في عدد من بلدات ريف دير الزور، وذلك بهدف توتير الأجواء وخلق اقتتالات داخلية بين سكان المنطقة من أجل تمرير أجنداتها.
كما كلفت الاستخبارات التركية أفراداً يتبعون لها ويتواجدون في المناطق التي تسيطر عليها تركيا في الشمال السوري وينحدرون من قبيلة الزبيد (العكيدات – البكير)، بجمع المساعدات المالية من أبناء قبائلهم في الدول المجاورة وبشكل خاص أبناء هذه القبائل في السعودية ومن يعيش منهم في بلاد المهجر وبشكل خاص في ألمانيا التي تنشط فيها العديد من الجمعيات التركية.
وبحسب مصادر مقربة من القبيلة، فأن هؤلاء الأشخاص الموالين لتركيا وينخرطون ضمن صفوف الائتلاف وفصائل الجيش الوطني التابعة لتركيا، يسعون من خلال جمع الأموال لشراء الأسلحة والذخيرة وتأمين رواتب للعناصر الذين يرسلونهم إلى ريف دير الزور في الضفة الشرقية لنهر الفرات وذلك من أجل ضرب أمن واستقرار المنطقة وشن هجمات على قوات سوريا الديمقراطية، لإظهار أن أبناء العشائر العربية يحاربون قسد.
وفي حين كان المسلحون المدعومين من قبل محور أستانة يواصلون هجماتهم في دير الزور ويعيثون دماراً وخراباً في المؤسسات والمنشآت الحيوية، تحركت القوات التركية من جهة أخرى وشنت في الـ5 من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي هجمات بالطائرات الحربية والمسيرة استهدفت معظم البنى التحتية في شمال وشرق سوريا ما أدى لحرمان الملايين من السكان من الكهرباء والمياه والمحروقات وسط خسائر فادحة في تلك القطاعات.