بعد مرور كل هذه الأعوام على الأزمة السورية، ومع انعدام بوادر حل في الأفق؛ يبدو أن تداعيات هذه الأزمة ستكون عميقة وطويلة الأمد، وكل الحديث عن المفاوضات وأشكال الحوارات ما تزال حبراً على ورق ما لم تقابل جدية في اتخاذ القرارات وتطبيقها على أرض الواقع.
لا اعتقد أننا نبالغ في القول بأن هناك مراكز قِوى جديدة تظهر في الشرق الأوسط، وأنه من الواضح أن هذه الأزمة قد تستمر لفترة طويلة؛ نعم هناك احتمال ضئيل للتوصل إلى حل دبلوماسي، وأن الجهود الدبلوماسية التي تُبذل لاحتواء الأزمة “مستمرة ومتواصلة”. فما حدث قد “حطم روابط الثقة”، وأن الأزمة خلقت عداوات قد تستغرق سنوات أو جيلاً كاملاً لتجاوزها”.
واليوم من الصعب للغاية رؤية كيف يمكن لسوريا أن تعود للجميع. فحتى الآن “لا يوجد رابح أو خاسر” بشكل واضح في هذه الأزمة سوى مكونات المجتمع السوري.
تتزايد الأدلة التي تفيد بأن الأزمة السورية أبعد ما تكون عن الحل..بسبب تضاؤل احتمالات التوصل إلى حل قريب للأزمة المستمرة بسبب تشبث النظام الحاكم بسياساته, «فلا شهية تُذكر له لإيجاد حل»؛ كما أنه ليس هناك «قبولاً صريحاً وواضحاً بمرحلة جديدة لديه»، وهو ما يبدو مؤشراً على مدى العناد الذي يتواصل من قبل النظام رغم الخسائر الدبلوماسية والاقتصادية التي مُني بها وما زال.
ما شهدته الأسابيع الماضية من مؤشرات عن قرب الوصول إلى تسوية لا تفي بالمطلوب، وكمثال في هذا الشأن، هو قرع طبول حروب جديدة في عدة مناطق من سوريا وخاصة أن عفرين ماتزال ترزح تحت الاحتلال ويعاني سكانها من أبشع أنواع الممارسات اللاإنسانية واللاأخلاقية, وكذلك وضع إدلب الساخن؛ فكيف يمكن لنا الحديث عن الانفراج وعفرين تنادينا في كل لحظة ؟
قد يرى البعض أن الأزمة المتواصلة قد تشجع النظام السوري على إجراء إصلاحات ربما تكون بحجم الآمال، ولكن ما نجده أنه من غير المرجح أن يتخذ هذا النظام «إجراءات دراماتيكية» في الوقت الراهن على الأقل، والأدلة التي تثبت ذلك عدم إقدام النظام على إجراء أي تغييرات على الساحتين السياسية والاجتماعية، أولها المتعلق بمماطلة النظام في تفعيل الحوار بشكل جدي، وعلى الرغم مما يتردد من شائعات بأن هذا النظام سيعلن أخيراً المُضي قُدماً على طريق الحوار والمفاوضات، ولأسباب عدة منها عجز النظام عن تقسيم البلاد إلى إدارات ذاتية تضمن «تمثيل المكونات السورية العادل والمتوازن».
بالمحصلة علينا الانتباه إلى أن النظام السوري ربما اُرغِمَ على اللجوء إلى الحوار “الخلّبي” مع مجلس سوريا الديمقراطية لكسب بعض الوقت أو لأسباب أخرى, فكل حوار يجب أن يكون بين الأطراف الحقيقية للأزمة في سوريا، ولو اتجهت دمشق إلى حوار فعلي يضمن حقوقنا ومكتسباتنا فسيكون ذلك محل ترحيب لدينا.