في خطاب الرئيس السوري بشار الأسد قبل عدة أيام وخلال مشاركته في الاجتماع الدوري الموسع لوزارة الأوقاف، تطرق إلى عدة أمور منها إن ” الدين أصبح أداة استغلال يتقاذفها السياسيون الانتهازيون”. وإن الهجمات والإساءة التي طالت المعتقدات والرموز الإسلامية المقدسة (ويقصد بها التصريحات الفرنسية الأخيرة المناهضة للإسلام) لم تظهر سوى ردود أفعال اختصرت بالغضب ومرد ذلك كله حسب زعمه ” إن المجتمعات الإسلامية لا تستطيع أن تقوم بشيء أكثر من الغضب لذلك لابد أن تتجه للتصدي”. ويكمن التصدي بمعرفة العدو الحقيقي الذي عرفه بالليبرالية الحديثة و” التي تريد أدوات اجتماعية لتكريس ايديولوجيتها والذي يؤسس لبنية اجتماعية مناقضة للبنية الاجتماعية التي تسوقها الليبرالية الحديثة هو الدين الصحيح.” فتكريس الدين الصحيح هو الذي يمنع من تحقيق الأهداف السياسية لليبرالييين و” لا يجوز فصل الدين عن السلطة فالمصالح لا تنفصل عن العقائد ” واعتبر أن الدين أساس والدولة سياسة ولا يمكن الفصل بينهما ففصل الدين عن الدولة تعني فصل الدولة عن المجتمع بالإضافة إلى أنه أكد على أن ” وزارة الأوقاف هي رديف للجيش في هذه الحرب ولو تخاذلت المؤسسة الدينية لانتصرت الفتنة والطائفية ” .
هذا الاهتمام الذي يعيره بشار الأسد لوزارة الأوقاف ليس وليد اللحظة ففي العام المنصرم أصدر المرسوم التشريعي رقم 16 والذي يمنح وزارة الأوقاف صلاحيات واسعة فمثلاً نص القانون في إحدى مواده على إنشاء 1355 وحدة دينية في المدن والبلدات والمناطق السورية، يدير كلّ وحدة منها مفتي خاص بها،” وهذا ما أثار حفيظة الكثيرين من ” العلمانيين ” الذين انتقدوا القانون بشكل عام، حتى أن أحد أعضاء مجلس الشعب السوري وهو السيد نبيل صالح رأى أن المرسوم مخالفٌ للدستور، ووصفه في مدونته :إنه “استنساخ النظام الديني للمملكة السعودية” وفي قراءة أولية للمرسوم رأى المحامي السوري والناشط في مجال حقوق الإنسان ميشيل شماس إنه “يجب التركيز على الدوافع غير المعلنة التي دفعت الأسد إلى إصدار مثل هذا المرسوم فالأسد يسعى من خلال هذا المرسوم وبعد فشل حزب البعث في تأمين الدعم لنظامه إلى استمالة السنّة الذين ما زالوا يشكلون أكثر من نصف سكان سورية وإرضائهم من خلال توسيع صلاحيات وزارة الأوقاف”.
وأكد شماس إنّ ذلك “لعبة خطرة يلعبها الأسد الابن قد تؤدّي في النهاية الى ابتلاع الدولة”. وهذا ما شاهدناه مؤخراً عندما استغل النظام وحليفه الروسي التصريحات الفرنسية لخروج الأهالي بمظاهرات احتجاجية في المناطق التي تديرها قوات سوريا الديمقراطية (قسد)حيث خرجت مظاهرات في قرى الشعيطات وقرية غرانيج المعروفة بموالاتها للنظام السوري، إذ سرعان ما تحولت تلك المظاهرات إلى أعمال شغب كان الهدف منها ليس التنديد بالتصريحات الفرنسية بقدر ما كان لضرب الأمن وخلق فتنة في تلك المنطقة وهذا ما أكده الصحفي سامر العاني أيضاً وهو أحد أبناء مدينة دير الزور- بقوله إن “الاحتجاجات ليست عفوية وعلى الرغم من أن هذه الاحتجاجات موجهة ضد فرنسا بالدرجة الأولى إلا أنها في ذات الوقت موجهة لقسد للتأكيد على طبيعة المجتمع في دير الزور”.
أما فيما يخص الدور الإيراني في هذا المنحى، فنرى أن نظام الأسد قد فتح الطريق أمامهم أيضاً للسيطرة على مفاصل الدولة بدءاً من التشكيلات العسكرية المتمثلة ب “الفرقة الرابعة” بقيادة ماهر الأسد والمدعومة إيرانياً مروراً باختراق التيار الإسلامي أجهزة المخابرات السورية فقد أصبحت الفروع الأمنية تدار من قبل ضباط لديهم ميول إسلامية واضحة، أو يتظاهرون بها، ” فهل يمكن أن تتخيلوا ضابط مخابرات كبير يضع خاتم فضة، ويقوم للصلاة أثناء عمله، وفي مكتبه. ” كما جاء التعبير في مركز للدراسات.
وظهر مؤخراً تعيين شخصيات مقربة من النظام الإيراني في مراكز القرار كتعيين فيصل المقداد وزيراً للخارجية السورية خلفاً لوليد المعلم، وقد بدأ المقداد جولته الرسمية الأولى من طهران كأول زيارة رسمية خارجية له منذ تعيينه، هذا وصولاً إلى عمليات التجنيد وتشييع الشبان (من التشيع المذهبي) وذلك عبر عرابين تابعين لها ولحزب الله، ففي غرب الفرات تتواصل عمليات التجنيد لصالح إيران بشكل كبير ضمن المنطقة الممتدة من الميادين حتى البوكمال بريف دير الزور الشرقي، والتي تقع تحت سيطرة النفوذ الإيراني.
هل يمكن القول أن هناك تحضيرٌ لنظام إسلامي في سوريا شبيه ومماثل لنظام الفقيه في إيران أو حتى السعودية؟ وهذا ما أكد عليه بشار الأسد حين قال: ” لن نقبل بالتنوع الحضاري في سوريا بل نقبل بالتنوع الثقافي وسوريا منطقة عربية بالهوية وستبقى ومن يرى بأنه يستطيع ببعض المجلدات أن يغير هوية شعب فهو ضال وواهم. “
فهل سنشهد تحويل سوريا من الجمهورية العربية السورية إلى الجمهورية العربية السورية الإسلامية؟.
NRLS