تواجه اللامركزية الإدارية معوقات عدة في الدول المستقرة والديمقراطية أهمها، كما يقول الباحث في مجال الانتقال الديمقراطي “توم كاروثرز” معارضة السلطة المركزية للتخلي عن سلطاتها المالية والإدارية التي تمارسها بشكل انفرادي، والثانية تتمثل في ضبابية قوانين اللامركزية.
فكيف يمكن لها أن تطبق في نموذج يمتلك كامل مفاتيح السلطة؟ وليس ذلك فحسب، بل إن كوارث الحرب الشاملة على المجتمع أصابته بمجموعة من الفوالق العميقة، أهمها:
– تغول السلطة بأجهزتها المركزية الأمنية والسياسية وسطوة حلولها العسكرية ونتائجها الكارثية.
– الشروخ العمودية بين مكونات نسيجه المحلي، سواء كانت دينية أم سياسية.
– تنامي المشروعات محلية الصفة ذات النزعة الانفصالية.
وهذا ما لا يمكن أن يحل بنسخة دستور وصفية وقانون إدارة محلي موصوف باللامركزية وحسب، من دون معالجة أصل المشكلة أساساً وهو شمولية الدولة والهيمنة المطلقة لنظام الحكم.
فإن كانت التباينات المطروحة بين مشروعي جنيف وسوتشي أعلاه، هي تباينات دولية تستند إلى محاولة الحل السوري، فإن الإدارة الذاتية واللامركزية الإدارية خطوة ضرورية في هذا الاتجاه؛ فعدا عن كونها خطوة عصرية تحتكم إليها الدول المتقدمة عالمياً تصل إلى مرحلة الفدرالية والتشريعات المناطقية المحلية الخاصة، إلا أنها تشكل خطوة أولى في المرحلة الانتقالية الممكنة تحقق نقاطاً عدّة هي:
- تخفيف مركزية السلطة السياسية وأجهزتها الأمنية.
- تحيل إدارة المناطق السورية على إدارات منتخبة من دون وصاية نموذج السلطة المركزي، وتحقق ضرورات التحدي الديمقراطي من حيث بعدي التنمية والإدارة المحليين.
- تخفف من غلو المشروعات دون الوطنية ذات النزعة الانفصالية.
- تذهب باتجاه تخفيف الاحتقان الطائفي/ الديني المستشري بفعل العنف اليومي طوال ثماني سنوات.
في سياقات الحل السوري، طرحت مؤسسة راند الأمريكية خطة سلام للحل السوري، تستند إلى تقسيم سوريا إلى مناطق آمنة كأساس للاستقرار والحل فيها، فتقول الدراسة: ((إن أفضل الآمال من أجل وقف المقتلة السوريّة، هو القبول بمناطق مُتفّق عليها، تأخذ في حسبانها التقسيمات الإثنو-طائفية، والخطوط الحالية للمعركة)).
وبحسب خطة الحل هذه، فإن تقسيم مناطق السيطرة في سوريا سيؤدي بداية إلى مناطق وقف إطلاق نار كاملة تحت شعار الحيازة على الأرض كمناطق آمنة للاستقرار، مبنية على أساس القدرة على التحكم بالأرض من دون وجود تداخل بين النظام والمعارضة والكرد، وفي النتيجة الوصول إلى حل سياسي ونظام حكم لامركزي، يعفي الأطراف كلهم من البحث عن موقع الرئاسة بشكله العمودي، وذلك سواء كانت بصيغة لا مركزية مخففة أم لا مركزية كلية.