منذ بداية الأزمة في سوريا تتعالى الصيحاتِ تطالبُ بتحقيقِ الوحدة الوطنيّة، كذلك يطرحون شعارات من قبيل وحدة الجغرافيا ووحدة الشعب السوريّ وما إلى هنالك، حيث أصبحت هذه السياسة مهنة يتقنها البعض ويريدون من خلالها تمرير مشاريعهم الشخصيّة على حساب الشعب السوريّ وإخفاء دلالات عمالتهم لدول وقوى لها أجنداتها الخاصّة في سوريا.
بغضّ النظر عن الظروف الحالية، وإذا ما تناولنا أبعادَ سياسةِ النظام، فإنّ حديث النظام عن وحدة سوريا أمام ممارساته ليس إلا كسباً للوقت واستخفافاً بعقول السوريين (هذا مع استمراره في عدم تبنّي الحلِّ وقبول المتغيرات الموجودة)، فطيلة العقود الماضية النظام نفسه هو من كرّس واقع التجزئة حيث عمد لبناء وتطوير النظام الطبقيّ من جهة ومن جهة أخرى أمام حالة الإنكار والعزل بحقِّ المكوّنات السوريّة الأخرى ساهم في إحداث صراعات لو لم يتم استخدام لغة العقل من قبل أطراف سوريّة لذهب الشعب السوريّ إلى التناحر والاقتتال الداخليّ مع الإشارة إلى أنّ هناك من وقع في فخ هذه المخططات وأصبح أداة لتنفيذ غايات النظام وقوى أخرى دون دراية بعمق تأثير ذلك وكان جزءاً من تنفيذ القتل على الهوية.
وبالمقابل من يسمّون أنفسهم بالمعارضة (الإئتلاف ومرتزقته المأجورون) الذين توحّدوا تحت شعار الحرب من أجل السلطة وتفرّقوا في وحدة الموقف والقرار يمارسون كذلك سياسة الإقصاء ذاتها ورفض هوية السوريين الأصيلة ووجود التعدد في المجتمع السوريّ، وأمام فشل هذه الفئة الرخيصة في بناء موقف وقرار ذاتيّ انجرّت لأجندات دول إقليميّة وباتت في مصيدتها بحيث أصبحت تلك الفئة – التي تزعم أنّها معارضة – ورقة رابحة لتركيا وغيرها من أجل التحكّم والتدخّل بالواقع السوريّ، حيث يمارس من يزعُمون أنّهم معارضة خيانة المبادئ التي ينادون بها، ومن جانب آخر وسيلة لتعزيز دور المحتل والعدو للشعب السوريّ، وتركيا هنا خير مثال واقعيّ وقريب لذلك.
أمام ما ننادي به في شمال سوريا من ضرورة بناء الوحدة الوطنيّة السوريّة ووحدة الجغرافيا السوريّة هناك فرقٌ واضحٌ على وجه الخصوص في مجال العمل الميدانيّ، حيث أنَّ محاربة الإرهاب أينما كان، وبناء مجلس سوريا الديمقراطيّة كمظلة للقوى السياسيّة السوريّة الوطنيّة عامة من أجل تقديم وتحقيق الحلِّ الديمقراطيّ على مستوى سوريا، وإطلاق مبادرات ودعوات لكلِّ القوى التي تريد بناء موقفٍ موحّدٍ، والعمل على تطوير نماذج الحلِّ الديمقراطيّ واعتماد الإدارة المدنيّة الذاتيّة، وتعزيز فرص الحوار السوريّ- السوريّ، والعمل على تقديم كلّ ما يمكن من أجل الحفاظ على وحدة المجتمع السوريّ، واعتماد مشروع أخوَّة الشعوب والأمة الديمقراطيّة كرؤية استراتيجيّة لوحدة المجتمع على اختلافاته الدينيّة، والثقافيّة، والفكريّة، والسياسيّة، وجميع هذه العوامل هي من أجل بناءِ وطنٍ ديمقراطيّ، ووحدة مجتمعيّة وجغرافيّة وهذه العوامل والمبادئ أساسٌ لمنع التجزئة والانفصال.
وبالمقابل ماذا قدّمت الأطراف الأخرى بما فيها المعارضة المزعومة (الإئتلاف) والنظام؟! دعاة الوحدة الوطنيّة يجب ألا يكونوا رهائن في القرار لأيّ جهة، عليهم أن يبنوا قرارهم وفق ما يخدم مصلحة الشعب السوريّ، أمام وجود الاحتلال والذي تحاول قوة تسمّي نفسها أنّها سوريّة بأنّه مشروع لا يمكن الحديث عن أيّ وحدة، ينوبون عن الاحتلال في ممارسة العداء، يقبلون بلغته في التعليم، يأتمرون بأوامر ضباطه وينفذون تعليمات مخابراته، فهم بمحاولاتهم هذه وصمْتهم على التمدّد التركيّ ودعمهم لقرارات العزل بحق السوريين وانضمامهم للحلف الذي يريد فرض الحلّ على السوريين يُجزِّئون سوريا، ويطوّرون فيها حالة التقسيم ويريدون بشعارات وهميّة خداع الشعب السوريّ واتهام شعبنا بأنّه يسعى للانفصال.
إذا كان هناك معنىً للانفصال والتبعيّة وبيع الذات فإنّه يتمثل بوضوح في قبول رفع العلم التركيّ في مناطق سوريّة، لا بل تمجيدِه وتمجيد أردوغان، كذلك تغييرهم لأسماء الساحات والمناطق بأسماء معينة، فكلّ ذلك رسائل خاصة مفادها إطلاق يد تركيا بدوام احتلالها لسوريا، ويسعون حتى للقيام بألاعيب غير نظيفة من قبيل إجراء استفتاء في مناطق تواجد الاحتلال التركيّ ومرتزقته لضمِّ مناطق سوريا لتركيا، وهؤلاء يمارسون فرض الوصاية التركيّة ويريدون أن يكونوا أدواتِ تحقيق حلم أردوغان في إعادة السلطنة العثمانيّة، فهل هذه هي الوحدة التي يُصدِّعون بها رؤوسَنا؟ وبالمقابل هناك إصرارَنا على بناء نموذج ديمقراطيّ تعدّدي، وتأكيدنا على الحل السياسيّ ومبدأ الحوار في الحلّ، وعدم المساس بوحدة سوريا وشعبها، والتفاوض من أجل بناء حلّ داخليّ سوريّ- سوريّ والبحث عن ضمانات لبناء وحدة سوريّة قوية. فإذاً من هم الانفصاليون؟ ومن هم دعاة الخراب والتدمير في سوريا؟!