عقد مجلس سوريا الديمقراطية مؤتمره الرابع بتاريخ ٢٠ ديسمبر ٢٠٢٣ في مدينة الرقة المحررة من تنظيم داعش الإرهابي، حيث شارك في أعمال المؤتمر ٣٠٠ عضو يمثلون الأحزاب السياسية والأفراد وممثلين عن الفعاليات الاجتماعية والمنظمات النسوية والمدنية وممثلين عن الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا وممثلين عن قوات سوريا الديمقراطية.
شارك في افتتاح المؤتمر عدد كبير من ممثلي القوى والأحزاب السياسية السورية وألقيت العديد من الكلمات سواء بالحضور أو عبر تقنية البث المباشر، كما تلقى المؤتمر العديد من البرقيات بهذه المناسبة.
وانعقد مؤتمرنا في وقت تشهد فيه المنطقة والعالم أحداثاً شديدة الأهمية لن تنقضي دون أن تترك بالغ الأثر في مشهد السياسة الدولية، والتي ستنعكس دون أدنى شك على المنطقة ومستقبلها، فالأزمة الأوكرانية، ومؤخراً أزمة قطاع غزة تمثل تعبيراً شديداً عن أزمة النظام العالمي والصراع بين اقطابه، وهذا ما يزيد من التحديات أمام القوى السورية في مسار علاقتها بالمجتمع الدولي وتعاطيها مع المستجدات الطارئة، وما يزيد في صعوبة التوافق السوري أكثر من أي وقت مضى هو انخراط بعض السوريين في الأزمات الإقليمية بينما تعاني سوريا من التمزق والانقسام الذي كرسته التدخلات الإقليمية بشكل مباشر في الأزمة السورية سواء عبر خلق وكلاء لها على الأرض، أو الاحتلال المباشر لأجزاء من سوريا.
كما أننا ارتأينا عقد مؤتمر مجلس سوريا الديمقراطية في هذا التوقيت بهدف إعادة الاهتمام للأزمة التي يعيشها الشعب السوري منذ ثلاثة عشر عاماً، حيث لازالت تعاني سوريا أزمات معقدة على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي انعكست بشكل كارثي على حياة المواطنين وافقدتهم الأمل في عودة الاستقرار لموطنهم، خصوصاً مع ما شهدته البلاد من دمارٍ وقتلٍ ونزوح وهجرة جماعية لم تشهدها سوريا من قبل.
مازالت سياسات التعنت لنظام الاستبداد تمثل سبباً اساسياً لأزمة السوريين، وجسدت ذلك مؤخراً انتفاضة أهالي السويداء الذين عبروا عن استيائهم من النظام المركزي الاستبدادي، كذلك سعى النظام مؤخراً وبتحريض من الأدوات التركية لخلق فتنة كبرى في منطقة دير الزور بهدف زعزعة الاستقرار في شمال شرق سوريا، وإضعاف الدور الكبير لقوات سوريا الديمقراطية في حفظ الأمن والاستقرار وهزيمة تنظيم داعش الإرهابي.
وجاء مؤتمرنا في وقت لايزال فيه التحدي الرئيسي والأخطر أمام السوريين هو خطر عودة التنظيمات الإرهابية التكفيرية، التي انتعشت خلال السنوات الماضية، وأعلنت دولتها المزعومة على هذه الأرض وفرضت فكرها المتطرف ومارست أقسى أشكال التعسف بحق الإنسانية، وتلقت هذه التنظيمات مختلف أشكال الدعم والمساندة من قوى إقليمية هدفت إلى تفتيت المجتمع السوري وكسر إرادته وطموحه نحو الانتقال والتحول الديمقراطي الذي إن تحقق سيشكل مدخلاً لمعالجة العديد من القضايا الديمقراطية في المنطقة.
لقد أثبتت التجربة بأن الأزمة في سوريا أزمة بنيوية لها جذور مرتبطة بالذهنية الإقصائية الرافضة لمفهوم التشاركية في المجتمع والسياسة والاقتصاد، ويشكل النظام بما يمثله من تعبير سياسي ومنهج حكم أحد أهم تعابير هذه الأزمة ومسبب رئيسي لها، كما مثلت العديد من القوى الرافضة للنظام، الوجه الآخر للأزمة بما جسدته من سلوكٍ إقصائي مرتهن للأجندات الخارجية استناداً للتماثل الإيديولوجي والنفعي الانتهازي، والذي يدفع السوريون ثمنه أثماناً باهظة.
لقد أثبتت التطورات الأخيرة في المنطقة وخصوصاً ما يرتبط بأزمة الصراع العالمي وتجسيداتها، بأن جميع محاولات تجنب الحل السياسي الحقيقي واللجوء إلى الاستقواء بالخارج لم تأت بأي نتائج إيجابية لسوريا، وأن فشل السوريين في الاتفاق على صيغة مرضية تنهي الأزمة وتعالج آثارها وتعيد لسوريا عافيتها، ابقتها دولة عاجزة عن أداء أي دور على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي.
لقد شدد المؤتمر على أهمية استمرار العمل على تنشيط الحوار السوري – السوري من أجل الوصول الى توافقات وطنية تعزز وحدة الطيف السوري المؤمن بالمشروع الوطني الديمقراطي وتعزيز جهوده في تحقيق وحدة سوريا أرضاً وشعباً، كما أكد المؤتمر على أن مجلس سوريا الديمقراطية ملتزم بالخطاب الوطني السوري وأن يهتم بكافة القضايا الوطنية بذات المستوى، وأن يعمل على تبني مواقف جامعة للسوريين، وفكر يلتزم الديمقراطية وحقوق الانسان ووحدة وحرية سوريا، كما حث المؤتمر أعضائه على بذل كل ما يمكن من جهود لاستكمال تحقيق أهداف المجلس على الصعيد الوطني، واعتبر المؤتمرون أن مجلس سوريا الديمقراطية لا يزال يمثل أهم مشروع سوري ذو رسالة وطنية تعبر عن حقيقة التنوع الثقافي والقومي والديني، وتجسد قيم التسامح والعيش المشترك.
أكد المؤتمر على مكانة الدول العربية وأهمية دورها في المنطقة، وابدى المؤتمر انفتاحه على أي مساهمة تهدف لاستعادة الدور العربي في سوريا على ركيزة دعم إرادة السوريين في الانتقال الديمقراطي، واستعادة دورها كلاعب حيوي في ضمان الأمن والاستقرار الإقليمي.
كما شدد المؤتمر على أهمية التواصل والتنسيق مع مختلف القوى الدولية الفاعلة في الشأن السوري في مقدمتها الأمم المتحدة ودول مجلس الأمن الدولي، والاتحاد الأوربي، وجامعة الدول العربية، ومجلس التعاون الخليجي، والعمل معهم على تحسين الحالة الإنسانية للسوريين، وتطوير خطط الدعم والإغاثة وبشكل خاص تحسين حال السوريين في المخيمات داخل وخارج البلاد.
أكد المؤتمر على أهمية العامل الأممي في إرساء اسس الحل السياسي، وتم التوافق على ضرورة التنسيق والعمل مع مختلف القوى الدولية بهدف توضيح مقاصد وأهداف مشروع مجلس سوريا الديمقراطية، وحث المجتمع الدولي على بذل المزيد من الجهود لتحقيق التوافق حول حل سياسي يتمثل فيه السوريين دون أي إقصاء.
كذلك جدد المؤتمر تأكيده على العمل على استعادة سيادة سوريا الكاملة على ترابها، وأن سوريا دولة تلتزم بقواعد حسن الجوار، وعليه فإن السوريين مدعوون للعمل معاً وفق برنامج وطني لإنهاء جميع الاحتلالات للأراضي السورية، ورفض المؤتمر جميع محاولات فرض التغيير الديمغرافي وتهجير السكان الأصليين ومصادرة أراضيهم وممتلكاتهم تحت أي ذريعة كانت، وأدان المؤتمر عمليات التغيير الديمغرافي التي يقوم بها جيش الاحتلال التركي في الشمال بالتعاون مع الفصائل السورية المتطرفة التابعة له.
كما ركز المؤتمر على العمل لأجل حشد القوى السورية كافة والاستفادة من التنوع الديمغرافي وجعله نقطة ارتكاز من أجل كسب الدعم الاقليمي والدولي، وأن يتم التعامل مع قضية أي مكون سوري باعتبارها قضية وطنية ومراعاة خصوصية المكون نفسه وتجيير أي تطابق في المحيط يستند إلى الجانب الفكري أو القومي أو الديني في خدمة المصالح الوطنية لجميع السوريين، واعتبار أي عمق قيمة مضافة تساهم في دعم المشروع الوطني السوري الذي يرعاه مسد.
ورأى المؤتمر أن من حق أي قوة سورية عقد اتفاقات سياسية أو ثقافية أو تدريبية في سياق تبادل التجارب مع قوى غير سورية، ولا يحق لأي جهة أن تعقد معاهدات مع الدول تتعلق بالمصالح الوطنية السورية والممتلكات الوطنية؛ فهذا العمل من حق القوى المنتخبة التي تمثلها الحكومة الشرعية الجديدة التي تتشكل استناًدا إلى معايير وقواعد النظام الديمقراطي.
أكد المؤتمر على أن القضية الكردية قضية وطنية بامتياز يجب حلها حلاً عادلاً وفق العهود والمواثيق الدولية ضمن دستور سوريا الجديد، وأنها تشكل مدخلا لحل مختلف قضايا المكونات القومية الأخرى في سوريا، كما أكد المؤتمر على أن المكون السرياني الآشوري مكون سوري أصيل ويجب أن يعترف الدستور السوري بحقوقه وضمان التعبير عن نفسه.
أكد المؤتمر على ضرورة التعاون ودعم المجتمع المدني للقيام بدوره الحقيقي الفعال وتنمية العلاقات بما يخدم التوجهات والقضايا التي تصب في المصلحة الوطنية السورية والعمل على مشاريع حشد ومناصرة للقضايا الوطنية، وتأسيس شكل من العلاقة مع المجتمع المدني المحلي والمؤسسات الثقافية والعمل على تصحيح المفاهيم والاشكالات، وتنظيم وعقد مؤتمرات وورش عمل على المستوى الدولي والاقليمي لشرح مشروع مسد والنقاش حول المبادئ التي يتبناها والأهداف التي يسعى اليها.
كما أكد المؤتمر دعمه الحراك السياسي على كامل الجغرافيا السورية ومساعدة الأحزاب الناشئة على مستوى تبادل الخبرات التنظيمية والسياسية، ودعم وتوسيع العمل النسوي والشبابي والمشاركة والعمل على تأسيس ودعم منظمات نسوية وشبابية وصولا الى عقد مؤتمرات لكل منهما على المستوى السوري.
كما توقف المؤتمر عند أهمية دور العشيرة في تكوين المجتمع السوري وما أفرزته الأزمة من فراغ قانوني ودستوري وسياسي، وانعكاس ذلك بصورة سلبية على وضع العشيرة من خلال مراهنة مختلف القوى المتدخلة في الشأن السوري على العشائر بغية المتاجرة بدورها، ورحب المؤتمر بفكرة العمل على عقد مؤتمر للعشائر من أجل تصحيح مسار العشيرة وتعزيز دورها في خدمة الأجندة الوطنية.
كذلك أكد المؤتمر أهمية الاستمرار في المشاركة الفعالة في التحضيرات لعقد مؤتمر للقوى والشخصيات الديمقراطية من أجل الوصول الى جبهة سياسية فاعلة وازنة تستطيع تحقيق تطلعات السوريين، والعمل على تعزيز استقرار وأمن منطقة شمال وشرق سوريا كنقطة ارتكاز يمكنها استقطاب وتوحيد الطاقات الوطنية السورية.
العمل على رفع القدرات وتعزيز دور ممثليات مسد في الخارج ورفدها بما يلزم من كفاءات لتمثيل مسد في توجهاته وأهدافه وتطوير الاتصال والحوار مع مختلف الجهات السياسية في الخارج.
كذلك فقد أقر المؤتمر نظامه الداخلي الجديد والوثيقة الساسية إلى جانب اعتماد خارطة طريق لحل الأزمة السورية، كما اتخذ المؤتمر مجموعة من القرارات المتعلقة بالجانب التنظيمي من بينها قبول انضمام عشرة قوى وأحزاب وشخصيات بالإضافة إلى اجراء تعديل في الهيكلية التنظيمية بما يساهم في زيادة المرونة في العمل بهدف رفع سوية أداء المجلس في المرحلة القادمة.
ثمن المؤتمر جهود الرئاسة المشتركة للمجلس بين المؤتمرين والممثلة بالأستاذ رياض درار والاستاذة أمينة عمر، كما ثمن المؤتمر جهود السيدة الهام أحمد رئيسة الهيئة التنفيذية وأعضاء الهيئة الذين بذلوا جهوداً كبيرة في خدمة رسالة المجلس على الصعيد الوطني عبر تعزيز ثقافة الحوار بين السوريين، وتعزيز العمل الدبلوماسي رغم كل محاولات فرض الحصار وتضييق الخناق على مسد ومشروعه، ورحب المؤتمرون بمختلف الأطراف والقوى السياسية التي انضمت للمجلس خلال المدة ما بين المؤتمرين.
انتخب المؤتمر كل من السيد محمود المسلط والسيدة ليلى قره مان رئيسان مشتركان لمجلس سوريا الديمقراطية، وتم الاتفاق على تفويض الرئاسة المشتركة بمتابعة على استكمال تشكيل المجلس العام.
مدينة الرقة
21 ديسمبر 2023