آلدار خليل
بعد أن فشلت القوى التي راهنت على النيل من مكتسبات شعبنا في روج آفا من خلال العناصر المأجورة بشكل مباشر أو بآخر، وعبر سياسات عدّة انطلاقاً من الترهيب وبثّ الذعر، وانتهاءً بمواقف سياسيّة من قوى وأطراف محليّة وإقليميّة، عمدت إلى التدخّل فقط من أجل خلق الفوضى، فالمعارضة السّوريّة لم تأتِ بجديد منذ عمر الثورة السّوريّة وقد بدأت في فقدان وزنها ودورها حينما اختارت الدول الباحثة في سوريّا عن الفوضى الخّلاقة وجهة لها، ولاسيّما تركيّا التي دأبت على أن تكون سوريّا مستنقع دماء وتورّطت مع داعش في تهريب الثروات السّوريّة ومن بينها النفط ومعدّات المناطق الصناعيّة، ناهيكم عن المجازر التي شاركت فيها الدولة التركيّة بحقّ الشعب السّوريّ على مدى عمر الثورة، وبالرغم من هذا لا تزال المعارضة تتمسّك بالتعاون مع هذه الأطراف كأطراف ساعية للحلّ الديمقراطيّ السّوريّ ويضعون رأسهم كالنعام في الرمل أمام الاحتلال التركيّ اليوم وخرقه لحدود دولة جارة.
النهج المُبدّد لحلم السلطة المركزيّة والمقوّض لدورها والساعي لإنهائها هو خطر واضح على جميع الدول المتّبعة لهذا الشكل، وبالتالي حينما تتّحد هذه الدول بالرغم من خلافاتها الإقليميّة على محاربة هذا النهج، فهو تأكيد ودليل صارخ على الخطر المحدق بهم ومدى انزلاقهم إلى التورّط في المشاريع المناهضة للحقوق والديمقراطيّات الشعبيّة، واليوم تجتمع كلّ من الأنظمة المحوريّة في كلّ من إيران وسوريا وتركيّا في التصدّي لحالة التطوّر الديمقراطيّ الشعبيّ المناهض للمركزيّة والدولة الواحدة على أساس الدفاع عن بقائهم وعدم انهيارهم أمام التيّارات الديمقراطيّة الحديثة المنشأ في الشرق الأوسط، وما إقدام هذه الأنظمة على التصدّي لثورة روج آفا إلا ضمن هذه الأهداف وهذه النوايا.
فإذا قمنا بالمقارنة بين العديد من الحلول التي تمّ طرحها من أجل الحلّ في سوريّا؛ نجد أنّ معظمها تقع في كمين المركزيّة وتخضع لتأثير السلطة وتقع فريسة في شباكها، المعارضة، الإئتلاف السّوريّ وكذلك الأوراق التي تطرحها الشخصيّات التي تزعم أنّها تمثّل الطبقة التكنوقراطيّة لإنقاذ سوريّا، جميعهم لم يستوعبوا حتّى الآن حقيقة الحلّ السّوريّ، وما ورد مؤخّراً في ورقة رئيس مجلس وزراء الأسد السابق رياض حجاب والذي تناول الحلّ على أسس ومعايير يتمّ فيها حماية المركزيّة البعثيّة ويسعى لإعطائها استمراريّة أكثر بعد أن تعّرت سياستها على مدى عقود أمام الشعب السّوريّ، حجاب الذي يضفي معاني وعمليّات تجميل للحكم على أساس استمرار المنهج ذاته وهذا ما لم يحمل الجديد، فبعد سنوات من العمل واللقاءات والتنديدات يقوم حجاب بطرح ورقة مفادها تغيير الشكل لا المضمون، وهذا ما يعوّل عليه النظام السّوريّ ويتخذّها كإستراتيجيّة جديدة من أجل محاربة الحلول المؤدّية إلى فنائه وإنهاء دوره الدامي في التاريخ السّوريّ الحديث.
ولعلّ ما يترافق من مواقف وتصريحات أخرى من قوى كرديّة تصبّ في نفس خانة مكافحة التوجّه الديمقراطيّ وتبديد وتشتيت انتباه النهج ذاته في روج آفا وسوريّا، فالسيّد البرزانيّ ينضمّ إلى قافلة الدول المحاربة للنهج الديمقراطيّ في الشرق الأوسط، زيارات مكوكيّة ولقاءات مكثّفة من أجل الحصول على دعم وتأييد الدول المجاورة متناسياً حجم الفجوة في الداخل، وكذلك الفجوة الأكبر ما بين الصفّ الكرديّ، وإنّ أي طرح لأيّ طموح كرديّ دون توافق كرديّ – كرديّ سيكون صعب المنال، وهذا ما نكرّره في كلّ مرة وننادي بضرورة عقد المؤتمر الوطنيّ الكرديّ، وإنّ تركيّا مهما تحالفت مع باشور كردستان فإنّ الغطرسة العثمانيّة لن تقبل بوجود خيمة كرديّة مستقلّة وليس دولة فقط، وهذه حقيقة لا بدّ لأصحاب القرار في باشور كردستان إدراكها.
المواقف المطروحة من قبل حكومة البارتي في باشور والمتعلّقة بالتنسيق مع تركيّا والتحالفات التي يتمّ الاتّفاق عليها على أساس معاداة ثورة روج آفا يبلغ يوماً بعد يوم درجة من الوضوح والعلنيّة، فزيارة السيّد البرزانيّ لتركيّا قبيل الاحتلال التركيّ لروج آفا واحتلال سوريّا، وتصريحات السيّد البرزانيّ المتّفقة مع النظام السّوريّ في نفس الوقت حول ماهية ودور مؤسّسات روج آفا وإدارتها والعمل على ربطها بطريقة القطب المخفيّة مع جهات كردستانيّة أخرى تأتي في خدمة كلّ من يريد صبّ الزيت على النار على المستوى السوري ككلّ وعلى الوضع الكرديّ بشكل خاصّ.
ما يتحتّم علينا في هذه المرحلة هو العمل على أساس إدراك الدور والقيام بما هو مناسب مع التجرّد من المفاهيم السائدة من قبيل الرفض أو الإنكار، اليوم حقيقة النضال والمقاومة ضدّ النهج القوميّ وخلق مجتمع مستقرّ بجوهر التعايش وفق الطبيعة السائدة دون تشويهها، واقع ومشروع يستشهد من أجله الوطنيّون من الشعب السّوريّ وفي مقدّمتهم مكوّنات روج آفا وأبناؤها وبناتها.
الدولة المنشأة على حطام أحلام الشعوب وعلى جثث مثقّفيها وروّاد الفكر الحرّ لا يمكن لها البقاء أو الاستمراريّة خاصّة بعد موجة الثورات والتغييرات التي طرأت على المجتمعات الشرق أوسطيّة، وبالتالي محاربة هذه الدول ومحاورها وجهاتها المأجورة للنهج الديمقراطيّ حرب خاسرة وإحياء لخلايا الدولة المركزيّة الميّتة أصلاً بعد فشلها الواضح والكبير في خدمة الشعوب وطموحاتها.
المصدر: جريدة روناهي