من المتعارف عليه أنه وكلما عظَم المرء من العمل الذي يقوم به فأعلم أن فعله على أرض الواقع لا يساوي شي أو بالأصح فعل معدوم وقد يكون معاكس تماما لما يصفه، وكما يقال فإن الدجاجة تبيض بيضة واحدة وتزعج العالم بالصياح، بينما السمكة فتبيض الآلاف من البيوض دون أن يسمع صوتها أحد.
هل يعقل أن يكون هناك حكومة في العالم قد تقصف منازل المدنيين العزل وتهجرهم وتعتقل شبابهم وتعود بأوضاعهم الاقتصادية إلى أدنى مستوياتها وفي الوقت عينه تسعى لبناء سوريا بأرض واحدة تضم كافة المكونات، نعم إنها الحكومة السورية فمنذ عام 2011، لم يبقى ولا جريمة إلا وارتكبتها بحق شعبها بمساعدة حليفيها روسيا وإيران، وكما وثقت العديد من التقارير الإعلامية بارتكاب الحكومة السورية مجازر جماعية في أكثر من محافظة سورية مثل حمص ودرعا وريف دمشق حيث استخدم السلاح الكيماوي.
فالحكومة السورية حقيقة، وبالأحرى عائلة الأسد الحاكمة تعيش بحالة من الترف والبزخ، وتشير التقديرات المستندة إلى معلومات مفتوحة المصدر بشكل عام إلى أن صافي ثروة آل الأسد يتراوح بين مليار وملياري دولار أمريكي، ولكن هذا التقدير غير دقيق ولا تستطيع وزارة الخارجية تأكيده بشكل مستقل. وتنتج صعوبة تقدير ثروة الأسد وأفراد أسرته الممتدة بشكل دقيق عن أصول العائلة التي يعتقد أنها منتشرة ومخبأة في العديد من الحسابات والمحافظ العقارية والشركات والملاذات الضريبية الخارجية، ومن المرجح أن تكون أي أصول متواجدة خارج سوريا ولم يتم الاستيلاء عليها أو حظرها مسجلة تحت أسماء مستعارة أو باسم أفراد آخرين لإخفاء الملكية والتهرب من العقوبات. وتشير تقارير المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام إلى أن عائلة الأسد تدير نظام رعاية معقد يشمل شركات وهمية وواجهات شركات تعمل كأداة للنظام للوصول إلى الموارد المالية عبر هياكل مؤسسية وكيانات غير ربحية تبدو مشروعة وغسل الأموال المكتسبة من أنشطة اقتصادية غير مشروعة، بما في ذلك التهريب وتجارة الأسلحة والإتجار بالمخدرات والحماية والابتزاز.
ومن جهة أخرى عندما ترى الحكومة السورية حالة الأمان والاستقرار والتعايش الحقيقي لكافة المكونات السورية في مناطق الإدارة الذاتية بشمال وشرق سوريا، فهي تعمل جاهدة بمساندة روسيا وإيران لخلق وإشعال فتيل الفتنة بين الكرد والعشائر العربية كما حدث في ديرالزو خلال الفترة الماضية، وكل ذلك تطبق بعد الاجتماع الرباعي بين روسيا وإيران وتركيا معهم الحكومة السورية حيث تسعى كافة الأطراف المذكورة للتخلص من الإدارة الذاتية، لبقاء سوريا غارقة في الأزمة بما يخدم مصالحهم وطمعاً بآبار النفط الموجودة في المنطقة
بالتزامن مع كل هذه الانتهاكات بحق الإنسان السوري، تتزعم الحكومة السورية وتتفوه بعبارات وكأنها دُرست لكل من يشارك من طرفها “الحكومة السورية” في المداخلات الإعلامية، فالحديث عن سوريا أرض واحدة آمنة مستقلة وتعايش المكونات مع بعضها البعض والعمل على طرد الإرهاب والحلول الوهمية لحل الأزمة السورية لا يغيب عن الفضائيات السورية الموالية للأسد، ويا للتناقض، إذا كانت الحكومة السورية بالفعل تعمل لحماية الأراضي السورية، فلماذا يصم ويبكم كل من يتفوه بالشعارات الوطنية عندما يتعلق الأمر بالهجمات التركية على مناطق شمال وشرق سوريا، أم أنها أرض غير سورية ؟ أو الأهالي في مناطق شمال شرق البلاد لا يحسبون على السوريين؟ فمنذ عام 2018، عام الاحتلال التركي لمدينة عفرين ذات الغالبية الكردية وتشن دولة الاحتلال التركي أبشع وأعنف هجماتها على عموم مناطق شمال وشرق سوريا، بما يستهدف المنشآت الحيوية والخدمية ويوقع العديد من الشهداء والجرحى المدنيين العزل.
فإذا كانت الحكومة السورية والموالين لها من الحافظين والمكررين كالببغاء للعبارات الوطنية، تهمهم وحدة الأراضي السورية فلماذا لم يخرج إلى الآن ولا حتى أي بيان يندد بالهجمات التركية على المنطقة، أم مهما كان الاعتداء ما دام في إطار ضرب الإدارة الذاتية فلا بأس إن كان على الأراضي السورية، إن كل هذا العداء لمشروع الإدارة الذاتية هو كله بسبب مناداة المشروع الحقيقية والفعلية لحل الأزمة السورية وحقن دماء الشعب والعمل على بناء سوريا بصف واحد يضمن كافة المكونات مطهر من الإرهاب والاعتداء.