(سياسات وممارسات أردوغان نموذجاً)
أحدثت حركة التحرر الكردستانية تحوّلاً تاريخياً في مسار القضية الكردية بتركيا؛ بحيث ومع بداية نشاط حزب العمال الكردستاني (1978) أدركت تركيا بأن جميع محاولات تقزيم القضية الكردية من جهة وكذلك تصفيتها من جهة أخرى؛ باتت تبوء بالفشل خاصة في ظل تصاعد الالتفاف الجماهيري حول هذه الحركة؛ الأمر الذي دفع تركيا منذ حينها بمعالجته بطريقة “التحشيّد” الإقليمي والدولي من خلال إصرارها على طرح ملف المشاركة في محاربة حزب العمال مع الجهات كافة التي تتواصل مع تركيا معتبرة أن المشاركة ضد هذا الحزب هو شرط علني في المجالات كافة؛ المُراد التعاطي مع تركيا فيها.
هذه السياسية هي ذاتها التي أتبعتها تركيا مع النظام السوري كما الحال في اتفاقية أضنة (1998) وكذلك اليوم تتبعها مع من يسمون أنفسهم بالمعارضة السورية مع أن الشروط الموضوعية التي تتحدث عنها تركيا اليوم لمحاربة حزب العمال غير متوفرة مطلقاً في سوريا. لكن؛ تتخذها ذريعة لمواجهة القضية الكردية؛ لأن هدفها هو محاربة من يساهم في تطوير القضية الكردية بغض النظر عمن هو، فبحجة محاربة النظام؛ أوت تركيا المعارضة ومن بعدها وجّهتهم كرأس حربة لمحاربة الكرد بذرائع واهية؛ بحيث باتت هذه المجموعات في الخندق التركي وتحت تصرف الأجندة التركية مع إنهم يفتقرون لأدنى المعلومات والاطلاع على تفاصيل القضية الكردية في تركيا وفي سوريا وأماكن أخرى. لكنهم؛ باتوا في المستنقع التركي وباتوا محكومين بالقرارات التركية. الحال ذاته ينطبق في التعاطي التركي مع المجلس الوطني الكردي، حيث بات المجلس المذكور ضد تجربة الكرد في سوريا دون أن يدرك بأن الاختلافات فيها واضحة عن المزاعم التركية؛ أقلها في شكل المشاركة التي لطالما تطرحها الإدارة الذاتية والأحزاب الكردية الأخرى الفاعلة في سوريا.
على الصعيد السوري والإقليمي وحتى الدولي المعايير العامة التي تقيّم شخصية أردوغان من الجوانب كافة؛ تدل على إنه مستبد منبوذ وإنه يعمل ضد كل الجهود التي تحقق الاستقرار، والتفاهم، والحلول؛ الأمر ينطبق طبعاً على القضية الكردية في المنطقة؛ بحيث من يكون لدى أردوغان مصنفاً بأنه خطر وغير مرحب به، هو ذاته من يعمل وفق عكس الأهداف التي يسعى إليها أردوغان؛ بمعنى من لا يتوافق معه هو الذي يتصف بالصوابية ويعمل عكس الأجندات التخريبية له في المنطقة، فمثلاً في سوريا سعي قسد والإدارة الذاتية لا يتعارض مع كل من يريد الحل والسلام والتغيير في سوريا. لكن؛ أردوغان يحاربهم؛ بالمقابل وبعيداً عن المسار الكردي؛ الجميع يرى ماذا يفعل المرتزقة وكيف يتصرفون في سوريا، ويرون ماذا فعلت داعش في سوريا. لكن؛ حتى الآن أردوغان يدعمهم ويدافع عنهم، وفي أي لحظة أي فصيل أو مجموعة سياسية تقطع العلاقة مع تركيا وهي من كانت في خدمة تركيا لسنوات ستكون في مرمى الهدف التركي!
من هنا؛ يمكن الوصول لنتيجة مفادها بأن كل من له دور في أي مجتمع كان وعلى وجه الخصوص مجتمعنا؛ مثقف، إعلامي، سياسي، أكاديمي، كاتب لا بد أن يكون التوجه بغض النظر عن الانتماءات نحو عكس ما يطلبه أردوغان، يظهر البعض أحياناً ويتحدث عن أن العمل خارج المسار الذي يعرضه أردوغان يخلق حالة غضب لديه، بالمقابل لماذا لا يكون العمل والتوجه نحو هذا الشيء الذي يغضبه لأنه حتماً يمثل الصواب والحقيقية. لذا؛ وسط هذه الحقائق؛ القناعة بأكاذيب أردوغان والإقناع بها في محاولة للاسترضاء توجه سلبي ولا يعتبر ذلك فناً أو سياسة وإنما ركوعاً قاسياً في المبادئ؛ لأن التحرك وفق مسار أردوغان بطبيعة الحال يلغي الكثير من الأمور ومنها الهوية والوجود والتاريخ ومثال ذلك ما تفعله تركيا مع من قبلوا من السوريين وجود تركيا في مناطقهم بحيث باتت مناطقهم ولايات تركيّة وانتماؤهم السوري بات معدوماً، فمساره اليوم هو مسار نفي وإنكار وإبادة بكافة أنواعها بما فيها ما يتم من إجراءات بحق القضية الكردية ولو تم القبول في مناطقنا بهذا المسار لكانت الحرب التركية بمكان آخر فيه معارضة لتوجهات أردوغان.
في المفاصل التاريخية التي تستوجب أن يكون هناك “مواقف وتضحيات”؛ لا يمكن البحث عن أي المساومات مطلقاً، حيث الموقف إما أن يكون واضحاً وأما متخاذلاً. لذا؛ الدفاع عن أي قضية أو موضوع لا بد أن يكون هناك تضحيات؛ والتضحيات مختلفة بين مقاتل وكاتب وإعلامي ومثقف وحتى الطبيب.. إلخ. لكن؛ الالتقاء على الأخلاق والوجدان موحد دوماً؛ يجب ألا يكون هناك تنازل عن أي مبدأ من مبادئنا حتى وإن كان بحجة مسايرة أو تجنباً لأردوغان وسياساته؛ لأنه بذلك يتم تشويه الحقائق. لذا؛ العمل والنضال واتخاذ المواقف المتعارضة مع ما يَقدم عليه أردوغان شرف وشجاعة وإنجاز أخلاقي ووطني وتحرر من الانتهازية وكسب هذه القيم أفضل بكثير من عكسها وإن كان الثمن كبيراً. لكن؛ لا ثمن يضاهي هذه القيم.