الدستور السوري بين الاستبداد والإرهاب

 

كل من هو موجود في الساحة السورية يدعي بأنه هو الذي يمثل حقوق السوريين ومستقبلهم دون أي اكتراث لا بماضيه ولا بدوره في هذه الأزمة الخانقة القاتلة التي تعصف بهذا البلد منذ قرابة العقد من الزمن. تتحدث هذه الأطراف وكأن هناك سبب آخر لما يحدث في هذا البلد، حيث لا القوى التي تسمي نفسها بالمعارضة تتفهم بأنها استنجدت بتركيا وبالإرهاب وقسمت وغيرت وأنهكت سوريا وشعبها بسياساتها الجوفاء ولا النظام يستدرك الأسباب التي أدت لكل ما نحن فيه الآن. بل يصرّ على أن الحل لا يمر إلا عبره وبين سندان هذا ومطرقة ذاك، السوريون يعانون وهم يجهلون حدود معاناتهم التي تتطور للأسوأ.
آخر التطورات التي تحاول فيه الأطراف المذكورة ومن خلالها إبراز نواياهم الحريصة على سوريا هو موضوع اللجنة الدستورية التي تأسست في سبتمبر/ أيلول 2019 بقرار أممي دون أي اعتبار لا للحاجة السورية ولا للواقع السوري، حيث ومنذ تشكيلها تسعى لإضاعة الوقت على حساب معاناة السوريين. ناهيكم عن حجم القصور الذي تعانيه هذه اللجنة حيث من ناحية تفتقر لأهم العناصر المساعدة لتطوير الحل في سوريا وهي أن القوى المدنية العلمانية الديمقراطية التي أسست مشروعاً وطنياً سوريا في شمال وشرق سوريا مغيبة تماماً.
ومن جهة أخرى هذه اللجنة معدومة المصداقية بين الطرفين قبل أن تنال المصداقية من الشعب السوري. حيث الأول من الأطراف المشاركة يتم وصفه بأنه مستبد ودكتاتوري والآخر يتم وصفه من قبل الأول بأنه إرهابي ومجرم وعميل.
حقيقةً كل من يشارك في أعمال هذه اللجنة هم شركاء حقيقيون في تأزيم الوضع السوري، شركاء في الاستخفاف بمعاناة السوريين، شركاء في استمرار هذا الواقع المؤلم؛ لأسباب ومنها الأسس المفاوض عليها معدومة وفي مقدمتها الشعور بمسؤولية الحل وأدنى الأسباب التي تؤكد فشل هكذا محاولات هي أن سوريا وبعد هذه المعاناة المسببين الرئيسين في معاناتها يجتمعون لأجل حل للمعاناة التي هم سببها! لربما اجتماعهم ليس بخطأ لكن ليس مع استمرارهم بممارساتهم التي تؤزم الوضع في سوريا.
يا ترى بعد كل هذه الصعاب هل يحتاج السوريين لهكذا صولات وجولات وجري في مدارات فارغة، معدومة، مهترئة؟ هل يمكن أن يتم صياغة دستور بقصد الحل والاستقرار في سوريا ليكون ديمقراطياً ملبياً لحاجة الشعب السوري وفي ذات الوقت هناك إنكار لثلث هذا الشعب في جغرافية هي سوريا؟ أليس واقع الإنكار والرفض وسياسات الفصل ما بين السوريين هي من الأسباب التي أوصلت سوريا لما هي عليه الآن؟
مسؤولية الجميع تكمن في أن يكونوا واقعيين، يرون المشهد السوري بعين والواقع بأخرى، لا يمكن ولا يُعقل بأن يتم التهرب وبعد كل ما حدث من تهجير ودمار وقتل وتشريد واحتلال من الحل الواضح والمطلوب لسوريا وشعبها والذي يدركه كل من يشارك اليوم في اللجنة الدستورية وبأنه غير ممكن بهذا الشكل الذي يتم تناوله! سوريا أحوج اليوم بأن يتم وضع دستور يؤسس لوطن ملك للسوريين وليس دستوراً أساساً لدستور أنهك السوريين لعقود طويلة وقاسية. فإن كانت النوايا من المشاركة في هذه اللجنة هي لتوضيح المواقف والحرص على سوريا وشعبها؛ فالانسحاب منها وتجاهلها أو المطالبة لأن تكون هذه اللجنة أكثر تمثيلاً للواقع السوري هو شرف لكل من يشارك فيها الآن أسمى بكثير من شرف المشاركة الحالية إن كان البعض يتوهم بأنهم يشاركون بهذا الشكل بعمل أخلاقي خاصة وأن اللجنة مشلولة لا قدرة لها في أن تختار لا الحاجة الآنية ولا المستقبلية لسوريا؛ من جهة أخرى القوى الفاعلة في سوريا والأمم المتحدة يجب ألا يكونوا أطرافاً في هذه المساعي التي لن تجلب شيء للسوريين سوى علامات سوداء ستضاف لسجل هذا العقد في سوريا كلما تم الحديث عن جهود الحل ومساعي الاستقرار.

 

آلدار خليل