تسود منطقة الشرق الأوسط توترات متزايدة بين إيران وإسرائيل، ما أدى إلى تصاعد النزاع بينهما وتداعياته على الأوضاع الإقليمية، لا سيما في سوريا ولبنان. بدأت هذه التهديدات في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وشهدت تصعيدًا كبيرًا بعد اندلاع الأزمة السورية في عام 2011.
في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ارتفعت التهديدات بين إيران وإسرائيل، خاصةً بسبب الملف النووي الإيراني. بدأ التوتر بين البلدين يتصاعد بشكل ملحوظ مع الكشف عن برنامج إيران النووي الذي اعتبرته إسرائيل تهديدًا مباشرًا لأمنها. تزايدت حدة التوتر مع دعم إيران للمجموعات المسلحة في المنطقة مثل حزب الله في لبنان، مما أثار مخاوف إسرائيل من تعزيز النفوذ الإيراني بالقرب من حدودها.
مع بداية الأزمة السورية في عام 2011، زادت إيران من دعمها لحكومة دمشق بقيادة بشار الأسد، ليس فقط عسكريًا ولكن أيضًا ماليًا ولوجستيًا. هذا الدعم شمل تدريب الفصائل وتنظيمها، بما في ذلك حزب الله اللبناني، الذي أصبح القوة الرئيسية لإيران في المنطقة. أثار هذا الدعم قلق إسرائيل، التي بدأت في شن غارات جوية على أهداف إيرانية وحزب الله في سوريا لتقليص التهديد على أمنها.
في 1 أبريل 2024، نفذت إسرائيل هجومًا جويًا على مبنى ملحق بالقنصلية الإيرانية في دمشق، ما أسفر عن مقتل 16 شخصًا، بينهم قادة عسكريون إيرانيون. هذا الهجوم كان من أبرز التصعيدات في النزاع بين إيران وإسرائيل، حيث أعقبته هجمات إيرانية انتقامية على إسرائيل باستخدام الطائرات المسيرة والصواريخ. استجابةً لهذه التطورات، نشرت إسرائيل أنظمة تشويش لمواجهة الهجمات المحتملة، بينما أخلت إيران سبع سفارات إسرائيلية حول العالم كإجراء احترازي.
مع تصاعد الهجمات الإسرائيلية في سوريا بعد الهجوم على القنصلية الإيرانية، ركزت الهجمات على الأهداف الإيرانية وحزب الله. في لبنان، زادت التوترات أيضًا مع إمكانية اندلاع نزاع بين حزب الله وإسرائيل، مما قد يؤدي إلى مزيد من التصعيد الإقليمي.
بعد واقعة القصف على مجدل شمس بالجولان المحتل، ومقتل 12 شخصاً فيها، شهدت الأجواء الإقليمية توتراً بين إيران وإسرائيل، وترقب للرد الذي يجهزان له كل من الطرفين، وسط حالة تملؤها التساؤلات في الشرق الأوسط من احتمال توسع رقعة الحرب وتكثيف الضربات من كل الأطراف ضد بعضها.
رد إسرائيل كان بتوجيهه ضربة موجعة لحزب الله وإيران، فاغتياله لأحد أكبر قادة حزب الله، فؤاد شكر، في بيروت، وكذلك مقتل رئيس المكتب السياسي لحماس، اسماعيل هنية داخل طهران، كانت بمثابة تصعيد كبير من الجانب الإسرائيلي، وتحذير لحزب الله وإيران بعدم التحرك ضدها لما تمتلك إسرائيل من قدرات استخباراتية.
وعمقت تلك العمليات من حدة الصراع والتهديدات من جانب إيران وحلفاؤها، ضد إسرائيل، حيث توعدت إيران برد قوي على الداخل الإسرائيلي، فيما حذرت الأخيرة من قيام أي جهة بتصعيد آخر ضدها كون ذلك ليس من مصلحتهم.
تسببت التوترات بين إيران وإسرائيل في وضع حكومة دمشق في موقف صعب. على الرغم من الخطاب الاستعراضي للحكومة، سعت دمشق لتجنب المواجهة المباشرة مع إسرائيل. ومع تصاعد الهجمات الإسرائيلية، أصبح الوضع أكثر تعقيدًا بالنسبة لحكومة دمشق، خاصةً إذا ما كانت إيران سترد من الأراضي السورية. هذا الضغط قد يجبر حكومة دمشق على إعادة النظر في علاقاتها مع إيران.
مع تحسن العلاقات بين الدول العربية وسوريا بعد زلزال فبراير 2023، طلبت الدول العربية من حكومة دمشق الالتزام بعدد من الأهداف، بما في ذلك التوصل إلى تسوية سياسية، مكافحة تهريب المخدرات، والحد من التأثير الإيراني في سوريا. رغم هذا، لم تبذل حكومة دمشق جهدًا ملموسًا لتحقيق هذه المطالب، مما أثار استياءً من بعض الدول العربية، مثل الأردن والسعودية.
إذا استمر التصعيد بين إيران وإسرائيل، قد تجد حكومة دمشق نفسها مضطرة للابتعاد عن تحالفها مع إيران في محاولة لتحسين علاقاتها مع الدول العربية. في الوقت نفسه، قد تؤدي أي عمليات انتقامية إسرائيلية في سوريا إلى تفاقم الوضع وإضعاف قبضة الحكومة على السلطة. في حال تزايدت الأعمال العدائية، قد يقود ذلك حكومة دمشق إلى محاولة تقليل المخاطر بتجنب دعم إيران بشكل علني.
تستمر التهديدات بين إيران وإسرائيل في التصاعد، مما يخلق وضعًا معقدًا في سوريا ولبنان. الهجمات الأخيرة والتصعيد العسكري يشكلان تحديات كبيرة لحكومة دمشق، التي تجد نفسها تحت ضغط كبير من إيران من جهة والدول العربية من جهة أخرى. على الرغم من عدم تراجع حكومة دمشق عن تحالفها مع إيران حتى الآن، فإن استمرار التوترات قد يجبرها على إعادة تقييم استراتيجيتها والتفكير في التوجهات المستقبلية التي قد تؤثر على الاستقرار الإقليمي وسياستها الخارجية.