خرج تنظيم «داعش» عن صمته الذي لم يدم طويلاً، بعد مقتل خليفته المزعوم أبو بكر البغدادي مع قياديين آخرين، ليعلن في بيان نشره من خلال وكالة «أعماق»، وعبر منصاته على الإنترنت، تأكيد مقتل البغدادي، واختيار شخصية غير معروفة وغامضة، إلى حد ما.
وفي دلالات اختيار شخصية غير إعلامية، أو ليست ذات كاريزما وحضور يمكن القول إن التنظيم يحاول الانتقال من الاعتماد على البروباغندا الإعلامية إلى الانتقال إلى مرحلة الكمون والعمل السري.
ويمكن القول إن الكمون الظاهري الذي تبديه هذه المرحلة من تحّركات التنظيمات الإرهابية، على رأسها تنظيم «داعش»، لا يعني إلا تراجعاً تكتيكياً لمنظومة الإرهاب المعقدة، التي تتطور مع بقاء مضخات إنتاجها الفكرية والتمويلية، وأيضاً المناخ السياسي العام الذي ما زالت قضايا المنطقة معه عالقة إلى أجل مسمى.
عودة الإرهاب من الفعل إلى ردة الفعل هو جزء من خطة تنظيم «داعش»، كما يروج لها منظّروه إلى فك الارتباط مع ما يسمى «مركزية دولة الخلافة»، والانتقال إلى التمدد عبر الولايات المعلنة في مناطق التوتر، وتترشح ليبيا لأسباب كثيرة؛ من أهمها نشاط الراديكاليين في منطقة المغرب العربي وشمال أفريقيا مجدداً.
ترحيل الأزمة من مناطق التوتر إلى مناطق أكثر أماناً لتنظيم «داعش» سيكون التحدي الأكبر للمرحلة المقبلة، فالتنظيم قادر على حشد أتباعه من الأصول غير العربية.
التنظيم الإعلامي يمكنه أن يرصد انتشار الخطابات الموجه إلى جمهور تلك المناطق بلغاتهم الأصلية على حساب منتجاته الإعلامية باللغة العربية، فالتنظيم على مستوى الاستراتيجية الإعلامية هو تنظيم معولم شديد الاتصال بالتقنية، وتلك العولمة والحداثة في الخطاب لا تقف عند جذور وانتماءات الكوادر والشخصيات المقاتلة، ولا مستوى طبيعة العمليات أو جغرافيا الاستهداف، لذلك ربما كان أحد أهم أهداف التنظيم في مرحلة الانتقام المقبلة هو تأجيج مناطق متفرقة من العالم، وتحويلها إلى مكان غير آمن ولا مستقر، بعد أن أدركوا قواعد اللعبة الجديدة، وهي الاستثمار في الخراب والدمار وإشاعة الفوضى، واستنزاف الدول المتضررة من الإرهاب وجّرها إلى أرض المعركة، واستخدام ذلك دعايةً مجانيةً في استقطاب الأتباع الجدد.
((الكاتب: يوسف الديني))