الصراع بين المدن التركية يعرض سلطة أردوغان للخطر

يتزايد الاستقطاب السياسي وسياسة الأحزاب في دولتين يُنظر إليهما على أنهما يسيئان التعامل مع وباء فيروس كورونا؛ على وجه التحديد نوع الأزمة التي كان من المفترض أن تدفع الأعداء السياسيين إلى إيجاد توافق والتعاون من أجل إنقاذ الأرواح.

وقالت سينيم أدار، الباحثة التركي في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، لأحوال “ما حدث كان عكس ذلك تمامًا. لقد استخدمت الحكومة المركزية هذا الخطاب الاستقطابي لتقويض واستبعاد الحكومات المحلية من تقديم المساعدة والخدمات للمواطنين”.

هذه السياسة يمكن أن تنطبق كذلك على الولايات المتحدة مثلها مثل تركيا.

حيث في ظل تجاوز حالات الإصابة في الولايات المتحدة حاجز المليون، ووفاة أكثر من 56 ألف حالة، كان الرئيس دونالد ترامب يجادل يوميًا تقريبًا بشأن الاختبارات والمواد الواقية ومتى سيتم رفع حالة الحظر مع عدد قليل من رؤساء الولايات من حزب الديمقراطيين، بما في ذلك أندرو كومو من نيويورك، مركز بؤرة التفشي في الولايات المتحدة، وجي بي بريتزكر من ولاية إلينوي، وهي ولاية أخرى تضررت بشدة بسبب الفيروس.

وقال ترامب في تغريدة نشرها يوم الاثنين “لماذا يجب على الناس ودافعي الضرائب في أميركا إنقاذ الولايات ذات الإدارة الضعيفة (مثل إلينوي، على سبيل المثال) والمدن التي يديرها الديمقراطيون، في حين أن معظم الولايات الأخرى لا تتطلع إلى أي إنقاذ أو مساعدة؟”.

وقبل أسبوعين، أعلن ترامب أن لديه السلطة الكاملة على الولايات، ثم تخلى لاحقًا عن هذه السلطة وقال إن الأمر متروك للولايات في تحديد كيفية التعامل مع الأزمة.

وفي تركيا، التي سجلت حتى يوم الاثنين أكثر من 110 ألف حالة إصابة وحوالي 3 آلاف حالة وفاة، سعى الرئيس رجب طيب أردوغان في الأسابيع الأخيرة لإظهار سلطته الكاملة على الحكومات البلدية التي يديرها منافسيه، ولا سيما حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي.

سمح أردوغان للمدن التي يديرها حزب العدالة والتنمية الحاكم بجمع التبرعات للمساعدة في تمويل تدابير الاستجابة لفيروس كورونا، ومنع المدن التي يديرها حزب الشعب الجمهوري، بما في ذلك اسطنبول وأنقرة، من القيام بنفس الشيء.  وقد أطلق تحقيقات جنائية ضد عمدتي إسطنبول وأنقرة في حملات التبرع الخاصة بهما، بينما منعت حكومته حملة الخبز المجانية في بلدية مرسين التي كان يديرها حزب الشعب الجمهوري وأغلقت مستشفى ميدانيًا في أضنة التي يديرها حزب الشعب الجمهوري، والمطاعم التي يديرها حزب الشعب الجمهوري في أنطاليا ومرسين واسكي شهر.

وقالت أدار، الذي اعتبر هذه الممارسات ما هي إلا ضعف من جهة أردوغان في أعقاب خسائر الانتخابات في العام الماضي والمشاكل الاقتصادية المستمرة. “لا يوجد منطق في الأساس لأي من هذه القرارات. أعتقد أنها تكشف أكثر من أي وقت مضى عن أزمة الشرعية السياسية للحكومة”.

أوتكو شاكروزر، هو عضو البرلمان عن مدينة أسكي شهر في حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي، حيث أصبح مطعماً للفقراء يبلغ من العمر 25 عامًا مصدرًا مهمًا للطعام خلال فترة الوباء.

وأبلغ شاكروزر أحوال “كان المطعم يقدم الطعام فقط للمسنين والفقراء والمعوقين، والطلاب والعاطلين والكثير من الناس والآلاف يحصلون على الغذاء هناك. لمصلحة من إغلاق هذا المطعم؟ لا أستطيع أن أفهم ذلك”.

يبدو أن أردوغان يعتقد أن ذلك يصب في مصلحته ومصالح حزب العدالة والتنمية، لأنه يخشى ظهور حزب الشعب الجمهوري الذي تم إحياؤه، بقيادة عمدة اسطنبول إكرام إمام أوغلو وعمدة أنقرة منصور يافاش. وقالت أدار أنه من خلال تقويض البلديات، فإن أردوغان “يرسل لهم باستمرار رسالة” مفادها أنه “أنني أملك المحليات أيضاً. لا يمكنكم فعل شئ يمكن أن أعتبره تحدياً لي”.

ووافق شاكروزر على ذلك. وقال “لا يريد أردوغان وحزبه أن يرى الناس مساعدة رؤساء بلدياتهم لهم في هذه الظروف الصعبة. إنها استراتيجية سياسية واضحة للغاية لتعطيل البلديات وتشويه صورتها أمام الناس”.

هذه لعبة سياسية مع الشعب التركي. يعاني الآلاف من الجوع، والمرضى لديهم عدد أقل من أسرة المستشفيات، وتجمع الحكومات المحلية والوطنية في تركيا التبرعات أقل بملايين مما يجب أن تجمعه استجابةً لتداعيات فيروس كورونا. ونتيجة لذلك، فمن المرجح أن يزداد عدد المصابين بالفيروس في أنقرة واسطنبول ومرسين وإسكي شهر ومدن أخرى، وأن يموت المزيد بسبب مكائد أردوغان.

وقال جيفري ساش، الأستاذ بجامعة كولومبيا، الذي عمل مع مسؤولين حكوميين رفيعي المستوى لمدة أربعة عقود، لصحيفة نيويوركر هذا الأسبوع “لم أر شيئًا مثل نرجسية هذا الرجل. نشاهد أمامنا فشلاً لسياسة الاستجابة تجاه الفيروس مع خسائر فادحة في الأرواح”.

وربما كان ساش يشير إلى ترامب أيضاً، الذي نصح هذا الأسبوع الأميركيين تقريبًا بحقن المطهرات السامة في أجسادهم، لكنه كان حتماً يتحدث عن أردوغان. على الأقل لدى الرئيس الأميركي سبب شبه صالح لتكتيكاته الاستقطابية: حيث وصل الوباء في منتصف حملته للانتخابات الرئاسية، والتي لم يتبقى عليها الآن سوى ستة أشهر.

ولكن لا يمتلك أردوغان مثل هذا العذر: حيث الانتخابات الرئاسية التركية التالية من المقرر أن يتم إجراؤها في أواخر عام 2023. ومع ذلك، لا يزال الزعيم التركي يصر على رؤية الأزمة ليس كفرصة لمعالجة مخاوف المواطنين وإنقاذ الأرواح، ولكن لمهاجمة المعارضين السياسيين.

وقال شاكروزر “أن تمارس ذلك إلى الحد الذي يجعلك تقسّم البلاد، فإن الناس لن بشعروا بالراحة”، مشيراً إلى زيادة الفقر بعد أن فقد الملايين من الناس وظائفهم. “الناس يريدون حل مشاكلهم”.

هذا هو الحال أيضًا في المدن التي يديرها، أو التي كان يديرها سابقًا، الحزب الجمهوري الشعبي المؤيد للأكراد، بعد أن عينت الحكومة ممثلين لها مستبدلين حكام 40 من أصل 65 بلدية فاز بها الحزب الجمهوري الشعبي المؤيد للأكراد.

وبسبب الأداء الضعيف لهؤلاء المعينين، يشعر سكان هذه المدن أنه لم يعد لديهم أي مكان يلجأون إليه للمساعدة. وقال أحد سكان ماردين لوكالة فرانس برس “لا أحد يصغي على أي حال. لا يمكننا الشكوى لأي شخص”.

وقبل أسبوعين، أصدر البرلمان التركي قانون العفو الخاص بالسجون الذي سمح بإطلاق سراح حوالي 90 ألف سجين، للحد من الاكتظاظ وبالتالي خطر تفشي فيروس كورونا، مع إبقاء عشرات الآلاف من المعتقلين والسجناء السياسيين في السجن. وبعد أيام، علق أردوغان البرلمان لمدة 45 يومًا، مشيرًا إلى الحاجة إلى التركيز على الوباء.

وترى آدار رسالة واضحة في تركيز أردوغان على إبقاء غطاء محكمًا على المعارضة.

وقالت “إنه يظهر شيئًا مهمًا جدًا للمواطنين وللجمهور الدولي، وهو أن الحكومة الحالية في تركيا تفقد بشكل متزايد مساحة المناورة الخاصة بها. الطريقة التي تدير بها الحكومة أزمة كورونا هي عبارة عن سلسلة من التكتيكات، بدلاً من اعتماد استراتيجية جيدة التخطيط ومدروسة جيدًا”.

واعترفت آدار بأن تركيا ليس لديها انتخابات مقررة لمدة أكثر من ثلاث سنوات، لكنها شعرت بتحول، وشعور جديد بالإحباط من زعيم وحكومة ظلت مستوطنة في السلطة منذ جيل.

وقالت آدار “سيكون من السذاجة أن نقول إن هذا سيترجم على الفور إلى تغيير سياسي، ولكن من الصعب تجاهل الأمر”.

 

 

دايفيد ليبسكا