بدأت دمشق وأنقرة مساراً لتطبيع علاقاتهما بشكل رسمي نهاية 2022، بلقاء على مستوى وزيري الدفاع ثم في 2023 على مستوى وزراء الخارجية بحضور نظرائهم الروس ودعم موسكو. وكان يُفترض أن يتوج هذا المسار بلقاء بين أردوغان والأسد، لكن ذلك لم يحصل، واعترض مسار التطبيع عددٌ من القضايا الخلافية بين الجانبين أبرزها، مسألة انسحاب القوات التركية من الشمال السوري.
حيث لفتت المصادر إلى أن العلاقة التركية مع حكومة دمشق أصبحت “أكثر قرباً”، وكشفت صحيفة تركية عن لقاء جمع وفدين عسكريين واحد تركي وآخر من حكومة دمشق قبل أيام في قاعدة حميميم الجوية الروسية على الساحل السوري برعاية ووساطة من موسكو.
ووفقاً للمصادر، تم خلال الاجتماع بحث الأحداث الأخيرة في إدلب بالتزامن مع إصرار حكومة دمشق بقيام بعملية عسكرية واسعة في أشهر القليلة القادمة ضد الفصائل التابعة للاحتلال التركي في المناطق المحتلة، وتصفية فصائل الاحتلال التركي وتسليمهم إلى حكومة دمشق.
ورجحت المصادر وجود مساع روسية لإعادة شمال غرب سوريا إلى سيطرة حكومة دمشق بشكل تدريجي لتطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا، والتي يبدو أنها بدأت مع محاولات تركيا الأخيرة بادخال وفد عسكري روسي إلى مدينة الباب عبر معبر أبو الزندين.
المفاوضات التركية والسورية تناولت محورين اساسيين الأول، هو تخلي تركيا عن الفصائل السورية وقطع الدعم عنهم، وقد حدث وسبق وأن نفذت تركيا المطالب السورية وروسيا، وتخلت عن الفـصائل، فهي تقوم بتفكيكهم من بعض الفرق وضمهم إلى فرق أخرى، بغرض تفريقهم وحلهم عن بعض وتكون النتيجة الاقتتال فيما بينهم على المحاصصات والتصفيات، وأيضاً التلاعب بقيمة رواتبهم وخفضها، أو تأجيل منحهم لها، وإلى جانب أخر إرسال هذه الفصائل وزجهم في حروب خارج سوريا، كل ذلك لتتخلص منهم وبشتى الوسائل.
وأما المحور الثاني من المفوضات من أجل فتح المجال أمام قوات حكومة دمشق وروسيا لاستلام إدلب والمناطق المحتلة.
إن توزيع مراكز القوى والنفوذ في محافظة إدلب ومحيطها محكومُ بصيغة الحل المرحلي التي توصلت لها أطراف آستانة في سبتمبر 2017، والذي يُقسم المنطقة لصالح دمشق وروسيا وتركيا، وايضا تصفية الفصائل المُسلحة التابعة للاحتلال التركي عبر استهدافها واعتقالها، وقد أظهرت أنقرة ذلك ضد العديد من الفصائل بإرسالهم إلى النيجر، ليبيا، افريقيا، إقليم كردستان العراق وغيرها من أجل التخلص منهم، وفي المناطق المحتلة كعفرين وسريه كانية والباب واعزاز أيضا قامت تركيا بتحريض الفصائل ضد بعضهم، بهدف التخلص منهم، وفي ذات السياق لن تتوانى موسكو عن استهداف الفصائل المسلحة السورية، حيث تقوم روسيا الان بتجهز الفصائل السورية لارسالهم الى اوكرانيا والقتال هناك، بحسب الوسائل الإعلامية.
وقال المحللون بأن التصريحات والتلميحات التركية حيال الاستعداد للانسحاب التدريجي من إدلب شريطة إبرام اتفاقية تسمح لها حق التدخل في الأراضي السورية مسافة 30 كيلو متر مع تثبيت قواعدها الضامنة للحل على صعيد استراتيجي، وهناك إصرار على هذه النقطة التي تدفع بها موسكو لتحقيق تسوية استراتيجية على نهج (رابح رابح)، أي حل يصب في مصلحة الطرفين.
والرغبة الروسية في إبقاء الجانب التركي فاعلاً ولو نسبياً في سوريا لتكون عنصر توازن أمام الفاعل الإيراني، وفي ذات الوقت الجانب الأمريكي الذي تتعارض تحركاته مع طموح أنقرة.