القضية الكردية ومحاولات تفكيكها..

آلدار خليل-

إن التنوع السائد في سوريا الديني، الثقافي، القومي والمجتمعي في المجمل تنوعاً؛ يعطي اندفاعاً نحو قوة المجتمع السوري وطبيعة هذا التنوع ليس مؤهلاً في الأصل لأن يكون أرضية لصراع ما؛ حيث حقيقة كل الخلافات التي يحاول البعض أن يُظهرها هي سياسات مصطنعة بحكم إن التنوع والتماسك بالشكل الكامل يعطي قوة مضّرة بمصالح وسياسات من لا يريد أن يكون طبيعة المجتمع كما هي لا، بل يحاولون دوماً إضفاء صبغة الفردية في التعاطي من جهة وكذلك تقسيم عوامل القوة الناجمة عن الالتقاء معاً ضمن الاختلاف. ومن هنا؛ فإن محاربة تجربة الأمة الديمقراطية الخيار المطروح لضمان سلم وأمان المجتمع عبر البحث عن أساسيات التنشئة الطبيعية غير الخاضعة لمحاولات قوى السلطة والحكم ما زالت مستمرة بقوة للأسباب ذاتها التي تمنح المجتمع السوري القوة والمناعة ضد المحاولات المذكورة.
تعتبر القضية الكردية في سوريا قضية محورية وهامة ولها عمر طويل في سوريا وتحولت بفعل محاولات من أراد إقصاء هذه القضية عن التفاصيل الدقيقة في سوريا إلى مشكلة. لكن؛ بمنظورين؛ الأول مشكلة تهدد بعض الأمور كما يتم التسويق لها؛ بهدف التشوية ومشكلة بحاجة لحل لضمان قوة سوريا وتماسكها؛ الآن وبعد الأزمة في سوريا تبين خطأ الرؤية الأولى، حيث لم يقبل الكرد في أن يكونوا مطلقاً سكينة حادة في الخاصرة السورية مع العلم بأن حالة الإعداد وإظهار القضية الكردية والكرد في سوريا بالشكل المشوه الذي تم تقديمه؛ يؤهل الكرد لأن ينطلقوا من أرضية قوية من تلك التي هيأوها افتراضياً للتحرك خارج الجسم السوري- مجازاً- لكن؛ لم يفعل الكرد ذلك لا، بل التفوا حول وحدة سوريا بكل قوة.
عامل آخر أضافه الكرد في تكريس واقع الاستقرار والقوة في المجتمع السوري وهو عامل الحل الديمقراطي ضمن الإطار والسياق الوطني السوري؛ بمعنى حل عام يفرض القوة في الانتماء لا العكس إلى المجتمع السوري، حيث كما يعلم الجميع تحت تسويق المشكلة الكردية (التي هي قضية)؛ تم محاولات التغطية على معضلات كثيرة في المجتمع السوري ومنها أن الحل في سوريا لا يختصر فقط على الكرد وإنما العرب، السريان؛ بمعنى قضية الديمقراطية في سوريا جميع هؤلاء أيضاً بحاجة لأن يكون لهم حقوق بالشكل الذي يخدم هويتهم وثقافتهم. لذا؛ كان مشروع الأمة الديمقراطية، أخوّ  ة الشعوب، العمل والتعايش المشترك بحيث لا يمكن التفكير في حلّ لكل قضايا هذه الشعوب بمعزل على الأخرى بحكم تلك العلاقة المتعدية والمؤثرة ببعضها؛ أي حل القضية الكردية مع العربية والسريانية وغيرها وكل الحلول تعطي القوة لبعضها البعض على عكس الحل بشكل أحادي الذي يُفتقد فيه الضمانات وعملياً حل منقوص وضيق.
تحاول البعض من الأطراف العمل على حل القضية الكردية (طبعاً بشكل مناسب لها) بمعزل عن قضية الديمقراطية في سوريا بحيث يكون التناول في الحل ـ كما يسمونه- بالنظر إلى الكرد كأفراد و مواطنين كي لا يتم فهم هذا الأمر بشكل مغاير. ما أقصده هنا لا يعني إن الكرد ليسوا مواطنين ولا يوجد لديهم انتماء سوري. لكن؛ ما أقصده هو أن قضيتهم قضية مجتمعية لا يمكن حلها بمنح حقوق وواجبات الفرد؛ يعني حلها كقضية مطلوب. ومن ثم ضمن ذلك سيكون هناك حقوق وواجبات فردية؛ بالتناول الفردي لا يمكن أن يكون هناك حل ديمقراطي يحتاجه الجميع ويجتمع فيه الكرد والعرب والسريان وغيرهم. هذا التناول يعزز غياب الشكل الكامل للحل بحيث يكون مختصراً على أمور معينة ليست بحجم التطلعات المشروعة لشعبنا. لذا؛ فإن تناول قضية الكرد في سوريا بهذا النمط هو بمثابة تقزيم للقضية الكردية؛ ما يجب أن يكون وبالشكل الصحيح هو حل ديمقراطي تشارك فيه كل الشعوب، وكذلك يضمن حل القضية الكردية ضمن الإطار السوري كقضية شعب له هويته وثقافته وتاريخه مع ضرورة وجود دور بحجم ما تم على الأرض في جهود الحل السياسي والتفاوض وفي المقدمة ضمن إعداد الدستور المستقبلي لسوريا التي أيضاً كان للكرد دور مهم في معالجة الأزمة السورية التي بدأت منذ سنوات، حيث الحفاظ على الوحدة والدفاع عنها ضد مخططات التقسيم.