المبعوث الامريكي السابق للتحالف الدولي ” ليس هنالك دليل يثبت ان وحدات حماية الشعب موجهة من قبل حزب العمال الكردستاني “


بعد اصرار الرئيس الامريكي على قرار سحب قوات بلاده من سوريا , عدل ترامب عن هذا القرار وسمح ببقاء 400 جندي

مجلة (فورين أفيرز) الأمريكية، نشرت مقالاً , حيث نبه بريت مكغورك المبعوث الرئاسي الأمريكي السابق إلى التحالف المضاد لداعش الى ان تلك القوة الصغيرة لن تستطيع تنفيذ أي خطط واسعة

ينوه مكغورك إلى أن “الدبلوماسيين الأمريكيين بينوا منذ البداية أن تلك الحملة الدولية لن تكون حرباً لا نهاية لها في سبيل بناء الدولة وتغيير الشرق الأوسط”، بل الغرض منها “هزيمة داعش ومساعدة الناس على تنظيم أمورهم بعد الحرب” والخطة وضعت بحيث لا تشارك قوة امريكية كبيرة  بالمعركة “لأن العراقيين والسوريين تولوا الجزء الأكبر من القتال”.

قوات سوريا الديمقراطية حررت 30% من الأراضي السورية من قبضة داعش والنظام , وتعد ثاني اوسع منطقة , حيث يتمركز فيها قوات عمليات خاصة أمريكية وبريطانية وفرنسية إلى جانب عشرات الآلاف من مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية، ويظن ماكغورك ان نهاية الحرب “سيعزز الحدود الفاصلة بين مناطق النفوذ في سوريا، ما سيجر القوى العظمى إلى طاولة المفاوضات الدبلوماسية”.

دبلوماسية القوى العظمى في روج افا

تشارك روسيا منذ الربع الأخير من 2015 بصورة غير مباشرة في الحرب الأهلية السورية، ومذذاك بدأت المفاوضات الأمريكية – الروسية، التي كانت تهدف أولاً إلى الحؤول دون تصادم الطائرات الحربية الروسية والأمريكية، ثم امتدت لتحدد الحدود التي لم يكن يسمح باختراقها من قبل روسيا وسوريا والميليشيات التابعة لإيران.

يقول مكغورك إن أمريكا كانت منذ خريف 2018 تعد لسلسلة محادثات مع الروس لتحقيق هدفين مختلفين لكن متتابعين، الأول أن تحث واشنطن الروس على استخدام نفوذهم مع النظام السوري ودفعه للقبول بعملية حل تشرف عليها الأمم المتحدة، والمعروفة بعملية جنيف

وفي حال عدم نجاح هذه الخطوة، ستعمل أمريكا على الهدف الثاني، وهو الحوار المباشر مع الروس للتوصل إلى اتفاق بين قوات سوريا الديمقراطية والنظام السوري والذي يعيد قسماً من الخدمات الحكومية السورية إلى مناطق نفوذ قوات سوريا الديمقراطية، ومنها المدارس والمستشفيات، على أن يتمتع أهالي المنطقة بمجموعة “حقوق سياسية أولية”.

ويؤكد مكغورك على أن تلك الخطوة كان لا بد منها، إلا إن كانت “أمريكا وحلفاؤها تنوي التمهيد لخلق دولة صغيرة في شمال شرق سوريا”، وكان الأمريكيون يخططون في كل اتفاق للسماح لواشنطن باستخدام المجال الجوي للمنطقة وأن تكون لها قواعد عسكرية صغيرة فيها لكي تستمر في الضغط على داعش وتمنع عودة ظهوره.

تقييد إيران

يقضي قرار ترمب الجديد ببقاء 200 جندي أمريكي في قاعدة التنف التي أنشئت لمواجهة التوسع الإيراني في سوريا، ويرى مكغورك أن بيان بولتن المتعلق ببقاء القوات الأمريكية في سوريا حتى خروج جميع القوات الإيرانية من سوريا لم يكن واقعياً، ولكن الوجود العسكري الأمريكي في سوريا سيؤثر على النفوذ الإيراني فيها.

ويشير المقال إلى أنه حتى في حال تخصيص موارد لامحدودة لتحقيق هذا الهدف، لن تتمكن أمريكا من إخراج إيران من سوريا بصورة تامة لأن “الشراكة العسكرية بين إيران وسوريا تعود إلى مطلع ثمانينات القرن المنصرم، وترى طهران أن سوريا واحد من أهم حلفائها وهي مستعدة لدفع أية ضريبة لقاء حماية مكانتها في تلك الدولة”.

ويعتقد مكغورك أن الهدف الواقعي الأمريكي بخصوص النفوذ الإيراني في سوريا هو “كبح جماح إيران في سوريا، والتصدي لتهديد إيران لسوريا، واستخدام الدبلوماسية لخلق خلافات بين طهران وموسكو”، ويؤكد على أن “أمريكا لم تكن أبداً تنوي طرد كل الإيرانيين من سوريا، لكنها كانت تستطيع من خلال العمل مع الإسرائيليين واستغلال نفوذها في سوريا للحصول على نوع من التعاون الروسي لضمان الحد من التوسع الإيراني، لأن بوتن أيضاً يرى أن العلاقات الإسرائيلية – الروسية مكون رئيس لاستراتيجية بلده في الشرق الأوسط.

الأحلام العثمانية

منذ العام 2015، كان للتعاون بين القوات الأمريكية ووحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية تأثيره على علاقات واشنطن وأنقرة التي يصفها مكغورك بـ”الشريك المشاكس” في حرب داعش. كما يكشف عن أن الخلافات بين تركيا وأمريكا أدت إلى أن يصبح البيت الأبيض شريكاً وثيقاً لقوات حماية الشعب.

كما يقول: “لم تعثر واشنطن على أي حالة تجاوز على الحدود التركية من جانب وحدات حماية الشعب، أو دليل يثبت توجيه هذه الوحدات من قبل حزب العمال الكوردستاني، أو نقل الأسلحة الأمريكية إلى تركيا (لمقاتلي حزب العمال الكوردستاني)” كما أن “صناع السياسة الأمريكية حاولوا إزالة القلق التركي”.

ثم يقول مكغورك في مقاله إن أمريكا “قلصت حجم مساعداتها العسكرية لقوات سوريا الديمقراطية” لطرد المخاوف التركية “لدرجة أن المقاتلين كانوا يخوضون المعارك بدون ملابس واقية من الرصاص وبدون خوذ”، ويروي أنه “في واحدة من زياراتي إلى الرقة تناهى إلى سمعي أن مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية ابتاعت قطعان غنم لاستخدامها في كشف وتفجير ألغام داعش”.

ولا يخفي مكغورك أن أمريكا أخرت عملية قوات سوريا الديمقراطية لاستعادة منبج، من أجل طرد مخاوف الرئيس التركي أردوغان، ثم بعثت واشنطن بأفضل خبرائها العسكريين إلى أنقرة لرسم خطة تحرير الرقة، وإشراك المعارضة السورية المقربة من تركيا في العملية، لكن تبين لهم في الأخير أن “الخطة المشتركة مع تركيا تحتاج إلى 20000 جندي مشاة أمريكي لتنفيذها، ورفض أوباما وكذلك ترمب ذلك الخيار”، وفي النهاية تم تحرير المدينتين من قبل قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب.

في كانون الثاني 2018، هاجمت القوات التركية والمعارضة العربية السنية السورية منطقة عفرين، ويقول مكغورك إن الجيش التركي بالتعاون مع “حلفائه الإسلاميين في المعارضة السورية، هاجموا وحدات حماية الشعب، وشردوا 150000 كوردي وجاؤوا بعرب وتركمان من مناطق سورية أخرى وأسكنوهم في تلك المحافظة”.

وينفي مكغورك أن يكون الهجوم على عفرين قد جاء رداً على “تهديد حقيقي”، بل “كان نتيجة طموحات أردوغان لتوسيع الحدود التركية، واعتقاده بأن تلك الحدود اختزلت بصورة جائرة من خلال معاهدة لوزان، وقد سمعتُ من أردوغان في اجتماع وصفَه لأربعمئة ميل من الحدود بين الموصل وحلب بالمنطقة الأمنية لتركيا”، ولهذا يصر مكغورك على أن الانسحاب الأمريكي من سوريا قد يؤدي إلى تكرار هجمات مشابهة للهجوم على عفرين.

واصل المسؤولون الأمريكيون في السنوات الثلاث الأخيرة المباحثات مع نظرائهم الأتراك، للتوصل إلى حل من شأنه أن يطرد المخاوف التركية، وحسب مقال مكغورك، فإن الوجود العسكري الأمريكي كان يمنح الدبلوماسيين الأمريكيين الوقت للاتفاق على إجراءات ترضي تركيا وتحمي مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية في نفس الوقت، وإن الانسحاب الأمريكي قبل التوصل إلى هذا الحل “يهدد بكارثة، لأن هجوماُ تركياً سيؤدي إلى نزوح المدنيين وحل قوات سوريا الديمقراطية وخلق فراغ أمني”، وهذا سيمهد على المدى البعيد لظهور داعش مجدداً.

الجامعة العربية ودمشق

خطت دول عربية، كالأردن ومصر والإمارات والسعودية، في الأشهر الأخيرة باتجاه تطبيع العلاقات مع الحكومة السورية، وهناك جهود لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية، ويشير مكغورك إلى أن أمريكا تعارض هذه المساعي العربية لأنها “تخفف من الضغط على الأسد للقبول بعملية جنيف”.

وكما تعارض أمريكا تقارب الدول العربية مع الأسد، تعارض الدول العربية قرار أمريكا بالانسحاب وخفض الوجود العسكري الأمريكي في سوريا، لكن مكغورك يؤكد على أن الوجود العسكري الأمريكي في سوريا يمنح دبلوماسيي واشنطن سلطة مطالبة العرب بعدم التقارب مع الأسد لأن القوات الأمريكية تعمل كرقيب على “توسع النفوذ التركي والإيراني الذي يخيف الدول العربية”.

ويرى مكغورك أن من الصعوبة بمكان، بعد قرار سحب القوات، إقناع الحلفاء العرب بأن “أمريكا لاعب ملتزم في سوريا” خاصة مع “مضي كل من إيران وسوريا في أجنداتهما في سوريا” والتي تختلف كثيراً عن أجندة العرب، وفي حال كهذه لا تستطيع أمريكا أن تقول لشركائها العرب “لا تتبعوا مصالحكم” ومن بين تلك المصالح التعاون مع نظام الأسد.

الحقائق الصعبة

في الأشهر الثلاثة الأخيرة، أشار مسؤولو البنتاغون إلى أن إبقاء 400 جندي أمريكي في شمال شرق وجنوب شرق سوريا كفيل بطرد المخاوف التي خلقتها خطة الانسحاب، ويرى مكغورك رأياً آخر وهو أن أمريكا تخفض حجم قواتها بدون أن تكون واثقة من أن قوات الدول الحليفة ستحل محلها “وهذا يجعل رسم خطة أمراً صعباً”.

وحسب مقال مكغورك، فإن لأمريكا 22 شريكاً عسكرياً في العراق، بينما لديها ثلاثة شركاء فقط في سوريا، ومشاركتهم العسكرية صغيرة جداً ومهمة القوات الأمريكية، إلى جانب منع ظهور داعش من جديد، أضيف إليها الحد من توسع إيران وحماية المنطقة الآمنة القريبة من الحدود التركية، لذا فإن أفضل خيار هو إلغاء قرار الانسحاب أو خفض القوات، أو إعادة النظر في استراتيجيتها.

ويشير مكغورك إلى مجموعة حقائق صعبة يجب أن تراعيها واشنطن في سياستها الخاصة بسوريا والمنطقة، أولها “إن أمريكا أو أي طرف آخر لا يستطيع إزاحة الأسد من السلطة”، وفي هذه الحال فإن السلاح الفعال الوحيد في يد أمريكا هو “فرض عقوبات” لتحقيق أهداف محدودة من بينها التأكد من تمكن اللاجئين السوريين من العودة والسماح للأمم المتحدة بالعمل في كل سوريا وبضمن ذلك المناطق الخاضعة لسلطة قوات سوريا الديمقراطية.

الحقيقة الثانية هي استئناف العلاقات بين الدول العربية ودمشق، ومعارضة أمريكا لن تسفر إلا عن “استياء” تلك الدول وبالنتيجة إلى إخفاء مساعيها عن أمريكا، وخير الخيارات في وضع كهذا هو الطلب من الدول العربية أن تشترط على الأسد، لقاء تطبيع العلاقات معه، قبول مجموعة خطوات لإعادة بناء الثقة في المجتمع السوري، ومنها إعلان العفو العام عن ضباط الجيش السوري السابقين.

الحقيقة الثالثة هي أن “على أمريكا القبول بأن تركيا ليست شريكاً مؤثراً”، كما لا ينبغي أن تشارك أمريكا “في المشروع التركي الهادف إلى توسيع حدودها بعمق 20 ميلاً في شمال شرق سوريا”، وإلا فإن على أمريكا أن توضح لتركيا “أنه حتى بعد انسحاب القوات الأمريكية، فإن هجوماً تركياً على قوات سوريا الديمقراطية ستكون له آثار جدية على العلاقات الأمريكية – التركية”.

والحقيقة الصعبة الأخيرة هي أن أمريكا مرغمة على الاعتراف بأن “روسيا هي الوسيط القوي والرئيس في سوريا”، ثم ولعدم وجود أي علاقة لواشنطن مع طهران ودمشق “عليها أن تعمل مع موسكو إن أرادت إنجاز شيء”، ويؤكد مكغورك على أنه “بدون اتصال مباشر بين موسكو وواشنطن، لن يكون هناك حل للأزمة السورية، ويجب على أمريكا أن تفصل بين الأزمة السورية وبين الجوانب المضطربة من علاقاتها مع روسيا”.

ثم يؤكد المبعوث الرئاسي الأمريكي السابق إلى التحالف المضاد لداعش، بريت مكغورك، على أنه “يجب أن يقبل السياسيون الأمريكيون بأن النفوذ الأمريكي في سوريا قد خف، لذا يجب عليهم أن يراجعوا أهدافهم في ذلك البلد”، ويركزوا على أن سوريا تهم واشنطن، أي “الحيلولة دون تحول سوريا إلى منطلق للهجوم على أمريكا وحلفائها، فهذا هدف هام ممكن التحقيق، والعائق الوحيد أمام تحقيقه هو رفضه”.