منذ تسلم حزب العدالة والتنمية الحكم في تركيا عام 2002، كانت ثمة قاعدة في الحياة الحزبية في البلاد.
تتلخص في الصعود الكبير لحزب العدالة والتنمية، وفوزه في سلسلة الانتخابات التي جرت، وسيطرته على مؤسسات الدولة تدريجيا، مقابل تراجع المعارضة، وضعف أحزابها، وتشتتها، وعجزها عن الاتفاق على قائد كارزمي في مواجهة أردوغان، إلى أن تغيرت المعادلة مع الانتخابات المحلية التي جرت عام 2019، إذ شكّل هذا التاريخ منعطفا كبيرا في الحياة الحزبية التركية، فمعها بدأ حزب العدالة والتنمية يعاني من الانقسامات والانشقاقات والخلافات، فيما باتت أحزاب المعارضة تحقق النجاحات، وتستحوذ على عناصر القوة، وتفوز بالانتخابات، وتوحد صفوفها، وتتجهز لمرحلة جديدة، إلى أن بدأت تبحث عن خارطة طريق للتخلص من حكم أردوغان عبر صناديق الاقتراع، وهي في سعيها إلى تحقيق هدفها هذا، ثمة توافقات باتت أحزاب المعارضة التركية تجتمع عليها، لعل أهمها:
1- ضرورة التراجع عن النظام الرئاسي الذي منح الرئيس أردوغان سلطات مطلقة على حساب التعددية، حيث جعل النظام الرئاسي، الحكم في تركيا شموليا استبداديا.
2- ضرورة العودة إلى النظام البرلماني الذي يحقق التوازن في إدارة الحكم، وممارسة السلطة، وتوزيع الصلاحيات، ويحفظ التعددية الحزبية والسياسية، ويحافظ على قواعد اللعبة الديمقراطية في البلاد.
3- إجماع أحزاب المعارضة على ضرورة إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة، بوصف هذه الانتخابات تشكّل مخرجا للتخلص من الأزمات الداخلية والخارجية التي تعاني منها تركيا بفعل سياسات أردوغان.
4- ضرورة إيجاد حل سياسي سلمي للقضية الكردية في تركيا، بعد أن اعتمد أردوغان العنف وسيلة وحيدة للتعامل مع هذه القضية خلال الفترة الماضية، وقد كان لافتا مطالبة جميع قادة أحزاب المعارضة التركية بالإفراج عن الزعيم السابق لحزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين ديميرداش الذي سُجن لأسباب سياسية، حيث رفض أردوغان الإفراج عنه رغم القرار الذي أصدرته المحكمة الأوروبية العليا لحقوق الإنسان، والقاضي بالإفراج الفوري عنه.
5- استعداد أحزاب المعارضة لإنشاء أوسع تحالف سياسي وانتخابي لمقارعة أردوغان في صناديق الانتخابات، وقد كان لافتا إعلان زعيم المعارضة التركية رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو، قبل أيام، عن قرب توصل أحزاب المعارضة التركية إلى إعلان خارطة طريق من أجل المرحلة المقبلة.
أمام هذه التوافقات بين أحزاب المعارضة، ثمة معطيات توحي بأن الكفة باتت تميل لصالح المعارضة التركية، لعل أهمها:
1- استطلاعات الرأي التي تشير إلى تراجع كبير في شعبية أردوغان وحزبه الحاكم، إذ تشير هذه الاستطلاعات للمرة الأولى إلى تفوق بعض قادة المعارضة على أردوغان، مثل منصور يافاش رئيس بلدية العاصمة أنقرة، وكذلك أكرم إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول، كما تشير هذه الاستطلاعات للمرة الأولى إلى تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية إلى حدود ثلاثين بالمئة، ولعل هذا ما يدفع أردوغان حتى الآن إلى رفض دعوات المعارضة التركية المتتالية إلى إجراء انتخابات مبكرة خوفا من الهزيمة.
2- تعالي أصوات قادة أحزاب المعارضة المنتقدة لأردوغان، واتهامه بالفساد والحكم العائلي، إذ إن مثل هذه الانتقادات القوية بتنا نسمعها بشكل شبه يومي من أحمد داود أوغلو رئيس حزب المستقبل، وعلي باباجان رئيس حزب الديمقراطية والتقدم، فضلا عن قادة حزب الشعوب الديمقراطي، وكذلك كليجدار أوغلو الذي طالب مرارا برحيل أردوغان.
3- حالة الاحتقان الكبير في الشارع التركي، بسبب الممارسات السلطوية لحكم أردوغان، والوضع المعيشي الصعب، بسبب انهيار قيمة الليرة التركية أمام الدولار، وأثر كل ذلك على القدرة الشرائية للمواطن التركي، حيث يصب كل ذلك في صالح المعارضة التي تحمّل حكومة أردوغان المسؤولية عن التدهور الحاصل.
4- تزامن العوامل السابقة مع قدوم إدارة أمريكية جديدة برئاسة الديمقراطي جو بايدن الذي وصف أردوغان بالحاكم المستبد، متوعدا بدعم المعارضة للتخلص منه في صناديق الاقتراع، وهو ما بات يشكل حافزا مهما للمعارضة التركية في مقارعة أردوغان ونظامه الرئاسي.
في الواقع، كل ما سبق يضع المعارضة في حالة استنفار دائمة، وأمام مسؤولية تاريخية لتوحيد صفوفها، وللتوافق على خارطة طريق للمرحلة المقبلة، استعدادا للانتخابات المبكرة التي تتزايد الدعوات المطالبة بإجرائها للخروج من انسداد الحياة السياسية في البلاد بفعل السياسة التي اتبعها أردوغان في الداخل والخارج.
خورشيد دلي /العين الإخبارية