اليسار القومي والماركسي يتحالف مع الأسد الأب والابن

بعد سيطرة حافظ الأسد على الحكم بانقلاب 16 نوفمبر 1970، ودعوته إلى إنشاء ما أسماه (جبهة وطنية تقدمية) بقيادة حزب البعث، وافقت قوى اليسار السوري بعمومها على الانضمام إلى هذا التحالف.

ويمكن فهم انضمام قوى اليسار القومية إلى هذه الجبهة وتفهّمه، ولكن لا يمكن فهم موقف الشيوعيين منها، فقد سلّموا فعلياً لحكمٍ عسكريٍ بمسمى (حزب البعث) بقيادة مرحلة بناء الدولة الوطنية الديمقراطية، وبناء الاشتراكية، في وقت هم يدركون نظرياً أن هذا الحكم لا يمثّل فعلياً مصالح الطبقات الشعبية.

لقد حوّلت (الجبهة الوطنية) اليسار السوري إلى قوى إصلاحية تبحث في تحقيق مكتسبات سياسية صغيرة، وأبعدته عن تسلم دوره التاريخي في حمل قضايا التحول الاجتماعي (نظرياً)، باعتباره ممثلاً للقوى الشعبية المهمشة.

وللتغطية على دوره الوطني المتخاذل بقي اليسار السوري يرفع شعار معاداة الامبريالية منسجماً بذلك مع (اليسار العالمي الذي جعل من شعار معاداة الإمبريالية غطاءً سميكاً يحول دون رؤية حال سلطة تمارس مختلف أنواع القتل والتدمير ضد الشعب السوري الذي تحاول أن تستمر في حكمه وليس ضد قوى الإمبريالية أو قوى الاحتلال).

لذلك لا يمكن فهم انتقال اليسار الماركسي والقومي الذي ما يزال شريكاً في المأساة السورية إلى موقع المدافع عن سلطة دكتاتورية تعيد إنتاج الاستبداد والقهر بشعارات زائفة تدّعي فيها أنها أنظمة (صمود ومقاومة)، ومن خلال فكرة يروجون لها تدّعي أن النظام علماني، بل أن الأمر يتعدى إلى شراكة سياسية واقتصادية تجمع هذا اليسار مع النظام الحاكم في البلاد.

اليسار السوري الذي يصنّف نفسه يساراً ضد الإميريالية العالمية ويناهضها، هو لا يفهم مطلقاً أن النظام الحاكم وكيل اقتصادي مشوه للاقتصاد الرأسمالي الاحتكاري الدولي، ولهذا تذهب تحليلاته إلى المركز الرأسمالي العالمي ومعاداته (الولايات المتحدة وأوربا) وينسى الأذرع الصغيرة لهذا المركز والفاعلة بضراوة ضدّ مصالح الشعب السوري عموماً.

وهناك أوهام تُروَّج من قوى تصنّف نفسها ضمن نطاق معاداة الإمبريالية ولا تريد أن ترى التدخل الدولي (الروسي والإيراني) الذي ما يزال يقوم بدوره لمصلحة النظام ولمنعه من السقوط، هذه القوى تطرح مقولات متخيلة وليس وقائع ملموسة، فالوجود الأجنبي الداعم عسكرياً واقتصادياً للنظام في البلاد منع هذا اليسار أن يرى الحقيقة كما هي، فأحال الأمور الصراعية على مستوى آخر، لذلك رأى (أن السلطة السورية هي الوحيدة التي لم تسقط، أو يسقط رئيسها، ليس هذا ناتجاً أساساً من عامل خارجي، بل من الامتداد الاجتماعي للسلطة السورية التي اعتمدت منذ يوم وصول حافظ الأسد إلى السلطة في 16 تشرين الثاني / نوفمبر 1970، وما زالت على تحالف ثلاثي (جهاز السلطة – التجار والصناعيين – مؤسسة ال‘سلام الرسمي).

هذا جزء من الحقيقة، جزء تبريري يغفل ما لعبه اليسار السوري وتحديداً الستاليني من دور كابح ومضلّل لاتجاهات الصراع مع سلطة حوّلت الدولة إلى قطاع خاص بها تمارس من خلاله عميات النهب الاقتصادي والقمع وقهر الإنسان.

ويمكن فهم طبيعة هذا الانحدار في الموقف النظري والسياسي لقوى اليسار السوري المنضوية تحت مظلة النظام من خلال فهم ما ترتب أساساً على تطور بنية هذا اليسار غير الأصيل موضوعياً (وعلى أزمته الموضوعية وهي ظاهرة انهيار التجربة الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي، إضافة إلى ظاهرة جموده الفكري وظاهرة القيادات التي نشأت على قاعدة التلقين وليس التفكير).