بيادق جديدة على شطرنج الدولة التركية

إنطلاقاً من تغيير الأطراف المتصارعة على الساحة السورية من نهجها وقواعد لعبتها ومن ثم أنتقالها من التنافس على مناطق النفوذ إلى دعم أو تشكيل ” قوى سياسية ” على الأرض، فقد باشرت تركيا الآونة الأخيرة – التي كانت تتدخل في دول الجوارعسكريا أومن خلال مرتزقتها-  باستخدام الورقة التركمانية في كل من سوريا والعراق، ووفقاً لمتطلبات مصلحتها في تبديل بوصلتها ودعم بعض الزمر من الكرد المتواطئين مع الاحتلال التركي وفصائل المرتزقة وتقديم الدعم المطلوب لهم على غرار الدعم الذي كان يقدم للتركمان

ولكن وبالرغم من الدعم السياسي والعسكري والأمني الذي قدمته تركيا لشريحة من التركمان داخل سوريا إلا أن هذا الدعم لم يحقق لها ما كانت تخطط له على الأراضي السورية ولأن الورقة التركمانية لم تكن فاعلة كما أرادت، عمدت تركيا إلى استخدام ورقة جديدة ونعني بها استخدام بعض من الكرد الذين ارتضوا ان يقوموا هم أيضاً بالدور المنوط بالتركمان من قبل.

إن الدعم الذي قدمته تركيا لمجاميع تركمانية على الأراضي السورية لم يكن مشروعاً جديداَ بل العكس تماماً، فالدولة التركية ووفقاً لوثائق وادلة عثرت عليها ” وحدات حماية الشعب ” ــ خلال المعارك التي شهدها حي الشيخ مقصود في مدينة حلب في عامي 2013 و2014 ــ تؤكد وجود عناصر من المخابرات التركية وتعاون بينهم وبين المجاميع التركمانية منذ عام 2003 لاسيما في محافظة حلب وأريافها الشمالية على وجه التحديد، والمعروف ان تركيا تولي أهمية خاصة لتلك المناطق، وبالطبع فالدعم الذي قدمته تركيا لم يكن فقط من الناحية الأمنية والعسكرية  بل كان سياسيا أيضاً في أوائل عام 2013.

لا يخفى على أحد ان تركيا عمدت إلى تشكيل كيانات سياسية في شمال غربي سوريا لتكون رديفة للتشكيلات العسكرية التي شكلتها في المناطق التي احتلتها والتي تسميها بـ “درع الفرات” و “غصن الزيتون” حيث شكلت تيارين بارزين هما “الحركة الوطنية التركمانية في سوريا” والذي يقودها المدعو (حسن زياد) و”المجلس التركماني السوري” والذي يقوده المدعو(محمد وجيه جمعة)، وهذان التياران البارزان تم تشكيلهما ما بين عام 2012و2013 وبمباركة ودعم واشراف مباشر من الرئيس التركي أردوغان، وأصبح هذان التياران أداتين لتنفيذ مخططات الدولة التركية في مناطق الشمال السوري تحت ذريعة حماية الأقلية التركمانية التي ” قد تعرضت للظلم والاضطهاد ” من قبل النظام السوري.

هذه السياسة والتي اتبعتها  تركيا مع الورقة التركمانية في سوريا وحتى أواخر عام 2019 لم تأتي أوكلها ولم تحقق الكثير من الأطماع التركية وكما إن هذه الورقة تستطع خوض المعترك السياسي الذي تتهيأ سوريا لخوضه في الفترة القادمة.

من جانب أخرفقد اعلن المكتب التنفيذي لحزب الحركة الوطنية التركمانية عن عزل رئيسه حسن زياد في شباط 2020 ، وعزا المكتب التنفيذي ذلك القرار على أنه جاء ” بعد التصرفات الفردية التي أقدم عليها رئيس التيار التركماني حسن زياد مؤخراً ” و وفقاً للبيان الرسمي الذي أصدره التيار التركماني، فان هذه االممارسات الداخلية من قبل الحزب ترافقت مع موجة من الانشقاقات من قبل المعينين من قبل الاستخبارات التركية، بعد تذمرهم من الممارسات التشبيحية لشخصيات تعمل معهم وتحمل الجنسية السورية، وهناك العديد من وسائل إعلامية تركية تداولت هذا الموضوع، مدعية ” ان الكيانات السياسية التي قد تم تقديم دعم مُبالغ فيه من قبل حزب العدالة والتنمية لا تعمل لخدمة التركمان في سوريا”  او” إن بعض الكيانات التي تتزعم هذا التيار تعمل دون الرجوع إلى الدولة التركية”  فما كان لمقربي الدولة التركية وعملائها إلا الانسحاب وترك التيار فارغاً من عناصره، كون الغالبية التي تواجدت ضمنه هم من الموالين للدولة التركية، ويأتمرون بأوامرها.

مما لا شك فيه إن التركمان في سوريا وغيرها كذلك ينظرون إلى تركيا على إنها وطنهم الأم إلا أن الدولة التركية تنظر للمكون التركماني في سوريا أو العراق بنظرة إستعلائية ودونية، ولعل هذا أيضا أحد الأسباب للتغيرات اللافتة بين صفوف التيار التركماني في سوريا.

من جانب أخر شهدت الأشهر الثلاثة الماضية موجة من الاستقالات التي عصفت بصفوف أعضاء التيار التركماني في سوريا سواء في الداخل السوري أوممثلياتهم داخل الأراضي التركية، وهذه التغيرات المثيرة دفعت ببعض التركمان السوريين لإعادة النظر في تعاملهم مع الدولة التركية.

وكما كانت الدولة التركية تحاول من خلال دعمها للتركمان تنفيذ مخططاتها الاستعمارية، والتي لم تنجح تماما، تحاول اليوم برمي ثقلها للمتعاملين معها من الكرد المرتزقة، وتقديم الدعم لهم بهدف كسب بعض الوقت أولاً واستجرار أو خلق قاعدة شعبية من الكرد المغرر بهم، تحت حجة إعادة مهجري عفرين إليها ثانياً.

كما أن تشكيل التيارات السياسية الكردية في مناطق عفرين ومنهم “رابطة المستقلين الكرد” و “الهيئة العليا للكرد” والتركيز على الشريحة الكردية المتعاملة مع اجندة الدولة التركية دفعت هذه التغيرات في سياسة الدولة التركية إلى تهميش دور المكون التركماني وتشكيلاتهم العسكرية الى حين، والتي كانت قد تأسست على أيدي المخابرات التركية ومن أبرزها “كتيبة السلطان مراد، فرقة الحمزة، لواء سليمان شاه” وراحت الدولة التركية تتجه في الوقت الحاضرالى  دعم وتقوية الكتائب العسكرية الكردية، لاسيما بعد ان عمدت الدولة التركية الى ارسال الفصائل التركمانية للمشاركة في  معاركها الدائرة في ليبيا وأذربيجان، بالإضافة الى توارد انباء عن نية الدولة التركية ارسال بعض الفصائل التركمانية ولأنخراط في الصراع الدائر بين باكستان والهند حول كشمير.

هذه السياسة الجديدة والتي بدأت تظهر رويداً رويداً تشير إلى استخدام الدولة التركية ” الورقة الكردية ” المستحدثة، والمراهنة عليها في سوريا إلى جانب استخدامها الورقة التركمانية، وكل ذلك لضرب مكتسبات الشعب الكردي في روج افا وشعوب شمال شرق سوريا عامة.

 

NRLS