تركيا تطمح للاستيلاء على النفط السوري من خلال المنطقة الآمنة

(مايكل روبن)

اتصل وزير الدفاع الأمريكي (مارك إسبير) بنظيره التركي في 29 تموز للمرة الأولى منذ أن تولى مركزه رسمياً، ولم تتم المكالمة بشكل جيد.

فوفقًا للقراءة التركية للمكالمة الهاتفية، طلب وزير الدفاع التركي (خلوصي  أكار) من الولايات المتحدة منح تركيا منطقة عازلة في شمال سوريا تمتد على عمق20 ميلً إلى داخل البلاد.

وتبرر تركيا طلبها في اتهامها بأنها وحدها يمكنها توفير الأمن, وأن المناطق التي يسيطر عليها الكرد في شمال سوريا هي أوكار إرهابية. وعلى وجه التحديد يجادل المسؤولون الأتراك بأن حزب العمال الكردستاني أو حزب الاتحاد الديمقراطي يسيطر على الكانتونات الكردية في شمال وشرق سوريا.

وصرح أكار بأنه إذا لم توافق الولايات المتحدة على المطالب التركية فإن تركيا ستشن عملية عسكرية واسعة النطاق في شمال سوريا.

لقد زرت المناطق التي يسيطر عليها الكرد في شمال سوريا مرتين خلال السنوات الخمس الماضية:

مرة  في كانون الثاني 2014، ومرة ​​أخرى هذا الشهر.

ما أنجزه الكرد والعرب السنة والمسيحيون والأيزيديون وغيرهم ممن عملوا معهم هو أمر رائع, مع القليل جداً من المال فقد وفروا الأمن وبنوا مجتمعاً متسامحاً, في حين قدمت تركيا الدعم للجماعات الإسلامية المتطرفة وفتحت حدودها أمام الآلاف من عناصر داعش، وإن وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة (YPJ) وقوات سوريا الديمقراطية تميزت بالقوة والعزيمة وهزمت في النهاية الجماعات الإرهابية.

في الواقع بالنسبة لتركيا وأنصارها الذين يشتكون من دعم الولايات المتحدة للمجموعات الكردية في سوريا، سعت الولايات المتحدة إلى إقامة شراكة مع تركيا في البداية، لكنها خلصت إلى أن هزيمة داعش تتطلب العمل مع خصوم تركيا بدلاً من تمكينها (فتركيا تدعم الجماعات الإرهابية), بينما يقول (أكار) إن المنطقة برمتها هي دولة إرهابية لحزب العمال الكردستاني فصورة مؤسس حزب العمال الكردستاني (عبد الله أوجلان) قليلة التواجد في المنطقة الآن مما كانت عليه قبل خمس سنوات. وكذلك فإن تصرفات حزب العمال الكردستاني والفلسفة السياسية للحزب قد تطورت عن السابق, والأهم من ذلك فقد قضت محكمة بلجيكية مؤخراً بأن حزب العمال الكردستاني ليس جماعة إرهابية.

حتى إذا كان حزب العمال الكردستاني أو بعض فروعه  يقوم بعمليات مسلحة ضد الأتراك، لكن تبقى حقيقتان:

 أولاً: تقوم تركيا باغتيالات سياسية للقادة الكرد أكثر مما يفعل الكرد من الأتراك.

 ثانياً: لا يوجد دليل على أن الكرد شنوا أية هجمات إرهابية انطلاقاً من سوريا في الآونة الأخيرة.

وعلى سبيل المثال اغتال مهاجمون ضابط مخابرات تركي (نائب القنصل التركي) في أربيل بكردستان العراق, ونسب الأتراك هذه العملية إلى حزب العمال الكردستاني، لكن حتى التقارير التركية تشير إلى أن كردٌ من تركيا وربما من العراق هم المسؤولون عن الاغتيال، وليس كرد سوريا.

ثلاثة عوامل تحفّز تركيا للهجوم على شرق الفرات:

أولاً: تسعى تركيا إلى احتلال المزيد من الأراضي السورية, ففي عمليتها السابقة في عفرين لم تشارك تركيا في مكافحة الإرهاب، ولكن في التطهير العرقي.

وسوف تمنح منطقة عازلة عمقها 20 ميلًا لتركيا السيطرة ليس فقط على معظم البلدات والمدن الكردية (قامشلو، كوباني، عامودا، ديرك، عين عيسى، ومنبج), فقد يؤدي التواجد التركي على الجانب السوري من الحدود إلى اندلاع حرب أهلية, بحيث لا يجد الكرد أي مكان آخر يذهبون إليه.

إذا كانت تركيا مهتمة حقاً بمحاربة الإرهاب، فلتنشئ منطقة عازلة داخل أراضيها, ويجب على الدبلوماسيين والجنرالات الأتراك أن يدركوا أن أي تواجد للقوات التركية في المناطق الكردية في سوريا ستكون استفزازية, مثل تواجد القوات الأرمنية أو اليونانية داخل تركيا.

ثانياً: يريد أردوغان أطلاق حملة عسكرية لصرف نظر الأتراك عن إخفاقاته, فالاقتصاد التركي يتأرجح, وحجة إلقاء اللوم على الأعداء (أو الحلفاء السابقين كما في حالة فتح الله غولن) فقدت مصداقيته لدى الأتراك, و خسائر أردوغان المتكررة في انتخابات اسطنبول هزت الثقة في الزعيم التركي, ومع اقتراب نشوء تركيا الحديثة من مائة عام، يدرك أردوغان أن الشيء الوحيد الذي يمكن أن يجعل أردوغان كما أتاتورك رمزاً لتركيا هو نصر عسكري كبير, ومن المفارقات أن غطرسة أردوغان قد تدخل تركيا في حرب وإرهاب قد تفضي في نهاية المطاف إلى تقسيمها.

ثالثاً: وهو الأهم، تعطش تركيا إلى النفط, إذ تفتقر لمواردها الخاصة من الغاز والنفط، وقد وضعت تركيا نفسها منذ فترة طويلة كمركز للطاقة, وترفد رسوم العبور على خطوط وأنابيب الغاز والنفط  الخزائن التركية بمليارات الدولارات سنوياً, وعدوانية تركيا الكبيرة في مسألة قبرص مدفوعة إلى حد كبير بالرغبة في احتكار (تركيا وروسيا) لخطوط الأنابيب بقدر ما هي الرغبة في الحصول على موارد نفط وغاز خاصة بها, إذ ستقع الغالبية العظمى من موارد النفط السورية في (المنطقة الآمنة) التي تريدها تركيا وتسعى لاحتلالها تحت سيطرتها, في الواقع لا تسعى تركيا إلى طرد الكرد السوريين من المنطقة الآمنة فقط، بل تريد امتلاك احتياطي النفط في بلداتهم وقراهم التاريخية, وهذا سيكون بمثابة نعمة للاقتصاد التركي ولأردوغان نفسه، حيث يوجد عدد قليل من الصفقات التجارية الكبرى اليوم في تركيا, يستفيد منها أردوغان أو أفراد أسرته.

إذا أراد وزير الدفاع الأمريكي (إسبر) منع حدوث أزمة متنامية في شرق البحر المتوسط ​​أو سوريا، فيجب أن يخبر (أكار) بأنه لن تكون هناك منطقة آمنة في سوريا وفق الرؤية التركية، ولن تكون هناك المزيد من القوات التركية على الأراضي السورية, ولا ينبغي لـ(إسبر) أن يقع ضحية للعبة التركية المتمثلة في إبراز مواقف متطرفة مبالغ فيها من أجل التماس تنازلات مفترضة لا يمكن الدفاع عنها بنفس القدر.

ترجمة: الاتحاد الديمقراطي