تشوب العلاقة بين روسيا وتركيا عدة خلافات “مستترة”، بمعنى أن تداعياتها لم تخرج إلى العلن وبشكل رسمي.
ومن شأن هذه الخلافات بحسب مراقبين أن تعقّد “معادلة التوازن الصعبة” التي تسير بها موسكو وأنقرة منذ سنوات، حيث يحاول كل طرف أن يسير بهدوء بموازاة الطرف الآخر من أجل تحقيق المصالح المرحلية. وفي المقابل قد تفض هذه الخلافات في نهاية المطاف بالوصول إلى درجة عالية من التوتر والتصعيد، بناء على عدة اعتبارات.
تتداخل المصالح الروسية- التركية في عدة ملفات إقليمية ودولية، من بينها الملفين السوري والليبي حيث يدعم كل منهما طرف، بالإضافة إلى ملفات الحرب بين أذربيجان وأرمينيا، وصولاً إلى التطورات المتعلقة بملف أوكرانيا و شرائها طائرات مسيّرة بدون طيار من أنقرة، وأطماع تركيا في القرم وتدخلها في شؤون الأقليات المسلمة في روسيا الاتحادية وإنشاء تحالفات استراتيجية مع دول الناطقة باللغة التركية وموضوع قتل السفير الروسي واسقاط الطائرة الروسية على الحدود مع سوريا كلها تقض مضجع الكرملين وبالمقابل تركيا تتوجس من أطماع روسيا في قسطنطينية (إسطنبول) ولم تنسى الحروب الطويلة مع روسيا القيصرية¬¬¬¬¬
أما بالنسبة لرسائل الطمأنة التي بعثت بها أنقرة إلى موسكو بشأن صفقة الطائرات المسيرة، إلا أن ذلك لم يكن كفيلاً بزوال المخاوف الروسية والتحذيرات أيضاً، الأمر الذي دفع الأخيرة لخطوة اعتبرت بمثابة خلاف آخر.
ويرى باحث في الشأن التركي، محمود علوش أن تركيا تسعى لتعزيز حضورها في مناطق تعتبرها روسيا “حديقة خلفية” لها كالقوقاز وآسيا الوسطى وشرق أوروبا، وهذا يُثير حفيظة موسكو التي تُراقب بحذر هذا التوسع التركي.
ويشير الباحث التركي: “لذلك نجد أن مسار التعاون يتأثّر صعوداً أو هبوطاً بحسب تداخل المصالح.
في غضون ذلك لم تتوقف الخلافات “المستترة” بين البلدين على الملفين السابقين، بل انسحبت في الأيام الماضية إلى ملف آخر فتحته بولندا، بإعلانها شراء طائرات مسيرة تركية نوع “بيرقدار.”
هو تطور يراه مراقبون أنه يحمل أبعاداً استراتيجية ومن شأنه أن يثير غضب موسكو مجدداً، كون بولندا تقع بالجوار الروسي لكنها ضمن “المعسكر الغربي”، وتشوب علاقتها معها اضطرابات وتوتر مستمر.
الغضب الروسي بدت ارتداداته واضحة على المشهد العام، منذ فترة بعد إحياء تركيا الذكرة السنوية لتهجير تتار القرم والشركس من قبل روسيا.
وقالت الخارجية التركية تعليقاً على ذلك: “إن نحو 250 ألف شخص من تتار القرم سلخوا عن وطنهم الأم في ليلة 18 من مايو 1944″، مشيرةً: “لا زالوا يواجهون صعوبات ناجمة عن الضم الروسي غير القانوني لشبه جزيرة القرم.”
وعلى أثر ذلك هددت روسيا بالرد على تركيا في حال مواصلة خطابها “المغرض” اتجاهها، وقالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا: “تصريحات تركيا بشأن تتار القرم وشبه جزيرة القرم مثيرة للقلق، إذا لم تتغير هذه التصريحات فسنضطر إلى إثارة المشاكل الدينية والعرقية في تركيا”.
ويتوقع المحلل السياسي الروسي، ديمتري بريجع أن تكون الخلافات بين روسيا وتركيا واسعة، وقد تذهب إلى مناح متصاعدة.
أو تبقى الخلافات بين البلدين في مسار ضيق في الظروف الحالية، بالرغم من عامل الناتو الذي يستمر في التأثير على العلاقات الروسية التركية”.
أمام ما سبق لم تتضح الصورة الكاملة التي ستكون عليها العلاقة بين تركيا وروسيا، وهما البلدان اللذان يصفان نفسهما بـ “الشريكان” وليس “الحليفان.”.
فهل سنشهد في المستقبل القريب توتراً في العلاقات التركية الروسية؟؟