تستمر الليرة السورية في التراجع حتى وصلت الأسبوع الماضي لـ 15000 ل.س مقابل الدولار الواحد، ما يؤثر بطبيعة الحال، في أسعار السلع والخدمات من جهة، وفي ما تبقى من القوة الشرائية لدخل المواطن المتدني أساساً من جهة ثانية.
إن ما ولّدته الضغوط الاقتصادية والمعيشية من تراكمات سلبية على مدار السنوات السابقة يجعل من نسبة الانخفاض الحالية مثيرة للمخاوف والقلق، لا سيما مع تراجع التمويل الدولي للعمل الإغاثي، وهو ما يعني أن شريحة واسعة من المحتاجين سوف تكون وحيدة في مواجهتها للظروف المعيشية، والتي تزداد سوءاً. كما أن نسبة الانخفاض الحالية في قيمة سعر الصرف تتزامن مع تطورات جديدة على الساحة السورية تتمثل في الحشود العسكرية الأميركية في الشرق السوري، وهو ما يؤشر إلى إمكانية أن تزداد الضغوط الاقتصادية على البلاد أكثر في الفترة القادمة.
ارتفاع معدل الفقر بين السوريين بشكل واسع، والتقديرات الأممية تتحدث عن دخول أكثر من 91% من السوريين في دائرة الفقر، لكن توقعات الباحثين تذهب إلى تأكيد أن الأثر الأهم للأوضاع الحالية يكمن في زيادة نسبة الذين يعانون من فقر مدقع.
حيث اتسعت نسبة الأسر التيتعاني من انعدام شديد – أو متوسط في أمنهم الغذائي، وتراجع نسبة الأسر التي تتمتع بأمن غذائي. فمثلاً وفق المسح الرسمي المعد مع برنامج الغذاء العالمي، فإن 8.3% من الأسر السورية تعاني من انخفاض حاد في أمنها الغذائي، 47.2% من انخفاض متوسط، 39.4% تتمتع بمستوى مقبول من الأمن لكنها معرضة لفقدان أمنها الغذائي، وفقط 5.1% هي نسبة الأسر الآمنة.
إن استمرار تسخير الموارد والثروات في معظم مناطق الجغرافيا السورية لخدمة المجهود الحربي، وهذا يتجلى بوضوح في التعامل مع ثروة البلاد النفطية، وفي الأوضاع الخدمية والاقتصادية السائدة في إدلب وشمال حلب.
هناك غياب استراتيجية حكومية واضحة للتعامل مع التطورات الاقتصادية الحاصلة، فالقرارات الحكومية الاقتصادية بمعظمها كانت أقرب إلى ردات الفعل منها إلى استشراف الأزمات والمشكلات والحيلولة دون وقوعها أو التخفيف من تأثيرها. والكثير من السياسات الاقتصادية الحكومية كانت تسهم في زيادة الضغوط الاقتصادية. وربما التعامل مع تقلبات سعر الصرف منذ بداية الأزمة وحتى الآن يشكل دليلاً على ضعف السياسات الحكومية، كذلك التعامل مع ملف معالجة عجز الموازنة عبر زيادة أسعار حوامل الطاقة والسلع المدعومة…إلخ.
إن الحلول الغير مجدية التي تقدمها الحكومة السورية المتتالية لا تحاكي الواقع، خصوصاً في ظل تفشي الفساد الظاهرة الأصيلة في دعامات النظام الحكم منذ عقود، فالانهيار الاقتصادي وتردي الأوضاع المعيشية، وما يرافقه من فلتان أمني وانتشار للفساد والاحتكار من قبل مجموعات تحت رعاية أجهزة الأمن ومؤسسات الدولة، هذه العوامل وغيرها يدفع الناس إلى الغضب والاستياء من الواقع المعيشي والدعوة إلى تظاهرات تطالب بإسقاط “الحكومة السورية” واستمرار الاحتجاجات في السويداء خير دليل على ذلك.