من بشار الأسد وإليه يعود الحديث مجددا عن مستقبل سوريا ومستقبل الاستقطابات الدولية حول جغرافيتها السياسية والمصالح المحلية والإقليمية والدولية. فمنذ قرار النظام وطهران استخدام العنف ضد المتظاهرين السلميين، لجر العنف المضاد وتبريره تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، وتأمين موسكو غطاء دوليا عبر مجلس الأمن من خلال استخدام حق النقض “الفيتو” 15 مرة، والذي لم يكن كافيا لتجنب تدخلها العسكري المباشر قبل 5 سنوات، الذي غيّر بداية قواعد الاشتباك لصالح الأسد، إلا أنه قد يتسبب في هذه المرحلة في تغيير قواعد السياسة والتحالفات.
بعد 9 سنوات على ثورة الشعب السوري والحرب عليها، يمر تحالف دعم الأسد بنفس التناقضات الداخلية والخارجية التي مرت بها الثورة السورية وأدت إلى هزيمة المعارضة المشتتة نتيجة تباينات حادة وخلافات بين داعميها، أدت إلى تخلي المجتمع الدولي عن الشعب السوري.
فجبهة النظام الداخلية مهددة بصراع الأسد ـ مخلوف واستقطاباته، وتأثيره على وحدة البيت العلوي، الخاضع نسبيا إلى مركزية قرار آل الأسد فيه وعليه، وفقا للضوابط التي فرضها الأب المؤسس للنظام حافظ الأسد والتي تشهد الآن صراعا بطابع مالي وتجاري له أبعاد عائلية وفقا لتوصيف الكاتب اللبناني خيرالله خيرالله الذي يرى أنه “صراع بين عائلتين في عائلة واحدة لم يعد فيها مكان لآل مخلوف الذين شكّلوا طوال سنوات الذراع المالية للسلطة التي تشكّلت في 16 نوفمبر من العام 1970 عندما احتكر حافظ الأسد الحكم وصار في فبراير 1971 أول علوي يتولى الرئاسة في سوريا”.
بالرغم من هذه المعادلة العائلية، إلا أن رامي مخلوف الذي موّل آلة القتل الأسدية لم يدخل في هذا النزاع وهو يدرك أن موازين القوى تميل لصالح ابن عمته، لولا التقاطه إشارة ما خرجت من بين جدران الكرملين الحمراء، سمحت بالحديث علانية عن مستقبل الأسد.
من هنا لا يمكن فصل أزمة البيت الداخلي عن تدخلات الخارج، ولا يمكن اختزال الخارج، بما يروج له من نزاع روسي ـ إيراني على مستقبل سوريا، لأن هذا النزاع أو التباين ما بين موسكو وطهران بات تحت مجهر الخارج ومحاولات استثماره، حيث دخلت واشنطن مباشرة على خط تبايناتهما من خلال موقفها الصريح بأنها تفضل سوريا الروسية على سوريا الإيرانية.
هذا الموقف يمكن التقاطه من الكلام المتفائل الذي صدر عن مبعوث واشنطن الخاص إلى سوريا جيمس جفري عن إمكانية التعاون مجددا مع روسيا في سوريا التي ضاقت ذرعا بالأسد “قد تكون روسيا مستعدة بشكل أكبر الآن، رأينا بعض المؤشرات في الإعلام الروسي وفي تصرفات روسية معيّنة لتكون أكثر مرونة بشأن اللجنة الدستورية”.
وكان جفري قد ألمح سابقا إلى صعوبة إعادة نظام الأسد إلى الجامعة العربية واعتبر تبرير عودته من أجل إخراج إيران نوعا من الجنون، وهو ما يمكن وصفه برسالة ثقيلة أخرى إلى موسكو التي كانت تعول على مشروع عربي تتبناه الجزائر في الجامعة العربية يساعدها على إعادة تعويم النظام؛ وهذا ما يعطي مؤشرا لكل الراغبين بالعودة إلى الساحة السورية بأن لا جدوى من الاستثمار بالأسد، ما يفرض على الجميع التفكير بمخرج لأزمتين، نهاية الصراع والأخذ بعين الاعتبار حقوق ومطالب الشعب السوري وتضحياته وهو ما لا يتناسب مع فكرة الإبقاء على الأسد ومنظومته الاقتصادية والأمنية، وأزمة إخراج الأسد نفسه من السلطة والتي قد تؤدي إلى نزاعات خارجية بأدوات محلية.
تعترف موسكو ضمنيا بعد 9 سنوات من الصراع بصعوبة إعادة ترميم مؤسسات وأجهزة النظام، وتدرك جيدا أن مواصفات الحل الدولي لا تتطابق مع مواصفات النظام ورأسه، إضافة إلى مواصفات أخرى أصبحت أكثر تعقيدا من مستقبل النظام عندما يشدد الخارج على مواصفات هوية الدولة السورية ما بعد النظام، حتى لو كانت تحت الإشراف الروسي والتبني العربي؛ حيث لم الأسد هو يعد العائق الوحيد أمام مشروع الحل وإعادة الإعمار، بل إن حجم النفوذ الإيراني ومستقبله بات العائق الأكبر.
العائق الإيراني هذا، قد يُدخل سوريا بدوامة عنف جديدة ولكن مختلفة هذه المرة وقد تدفع ثمنها الحاضنة الموالية للنظام والأسد، إذ تبدو أنها أمام مخاطر الانقسام ما بين موسكو وطهران وخوف الأخيرة من تأمين حاضنة أخرى لروسيا عبر تصالحها مع الأغلبية من البوابة العربية.
المصدر:الحرة