عامان ونصف من التعذيب والتنكيل بسبب سيجارة
أكثر من عامين ونصف من التعذيب والتنكيل بشاب كردي من عفرين لم يتجاوز الـ 20 عامًا، والسبب سيجارة رفض إعطاءها لعدد من الشباب الأتراك، لينتهي به المطاف في أحد السجون التركية سيئة الصيت بمدينة الباب المحتلة.
وبشكل عام، يتعرض الشباب الكرد في المدن التركية للمضايقات من قبل المواطنين الأتراك والأجهزة الاستخباراتية التابعة للاحتلال التركي، بهدف ترحيلهم من تركيا، ورصدت منظمات حقوق الإنسان آلاف الحالات من هذا النوع دون أي رادع من قبل المجتمع الدولي لوقف الانتهاكات التركية لحقوق الإنسان.
الشاب (إ ح) هو مواطن كردي من عفرين، ولأسباب أمنية سرد قصته دون ذكر اسمه الكامل، حرصًا على سلامته من أعمال انتقامية قد تطاله مجددًا؛ سرد قصة اعتقاله من منطقة (أرناويت كوي) التابعة لمدينة اسطنبول، التي سافر إليها عام 2013، بقصد العمل وتأمين لقمة العيش له ولأسرته.
‘تعرض للمضايقات إبان عدوان الاحتلال التركي على عفرين’
الشاب (إ ح) يقول إنه في فترة الحملة التي أطلقتها تركيا ومرتزقته لاحتلال مسقط رأسه عفرين، تعرض للعديد من المضايقات من قبل الأتراك والأجهزة الاستخباراتية، وكان أشدها وطأة القصة التي أودت به إلى المعتقل، حيث إن مجموعة من الشباب الأتراك ومع علمهم بجنسية الشاب العفريني، اعترضوا طريقه وافتعلوا معه شجارًا بعد طلبهم لسيجارة منه، بالإضافة إلى هاتفه المحمول، في الوقت الذي اتفقوا فيه مع دورية للشرطة لإلقاء القبض عليه فور البدء بالشجار، واقتياده إلى السجن، وهذا ما حصل بالفعل.
وبعد شهرين من التعذيب والتنكيل بحق الشاب، تم ترحيله قسرًا الى سوريا عبر معبر باب الهوى، مع 16آخرين، وأجبر على التوقيع والبصم للخروج دون عودة، على أساس رغبته الشخصية دون ضغط من السلطات التركية للالتفاف على حقوق الإنسان.
‘رحلة الموت مع الشاب العفريني’
ويصل الشاب إلى عفرين إبان احتلالها بأيام قليلة، حيث تم اعتقاله على الفور من كراج عفرين من قبل مرتزقة السلطان مراد، واقتيد إلى السجن، وكانت التهمة تعامل وتخابر مع الإدارة الذاتية لتنفيذ هجمات وتفجيرات داخل عفرين المحتلة.
وخلال 27 يومًا من اعتقاله تعرض لأبشع أنواع التعذيب من قبل رئيس السجن المرتزق المدعو “أبو الليث” وتولى التحقيق معه المرتزق المدعو “أبو خالد” مع حرمانه من الشرب والأكل طيلة أيام عديدة.
وتم تسليم الشاب بعدها لمرتزقة فرقة الحمزات بقيادة المرتزق “أحمد زكور الملقب بأبو عبدو البوشي” والتي كانت تتخذ من مركز قوى الأمن الداخلي، الأسايش مركزًا لها.
وعلى مدار شهرين من الاعتقال لدى مرتزقة الحمزات، نال الشاب ما ناله من التعذيب الجسدي والتعنيف المعنوي وما رافقه من شتم وسب من قبل ضباط أتراك تولوا التحقيق معه لانتزاع معلومات عن تهم لا يعرفها من الأساس، كالتخابر مع الإدارة الذاتية والقيام بعمليات تفجير وزرع عبوات ناسفة، وكان معه في السجن آنذاك، الدكتور رياض ملا من أهالي قرية جوقة التابعة لإقليم عفرين.
وذكر الشاب (إ ح) انه خلال مدة اعتقاله لدى مرتزقة الحمزات، تم اعتقال 42 شخصًا من أهالي عفرين بينهم نساء وأطفال، والتهم متنوعة وكيدية لطلب الفدية من ذويهم.
‘سجن أبو غريب التركي’
ويعد سجن أبو غريب في العراق من أسوأ السجون في الشرق الأوسط الذي يتجرد فيه السجين من أبسط حقوقه كإنسان، وذاع صيته إبان الغزو الأمريكي للعراق، وعلى شاكلته أنشأت تركيا ومرتزقتها سجنًا مماثلًا في منطقة حوار كلس.
واقتيد (إ ح) إلى سجن أبو غريب التركي في منطقة حوار كلس، وكان استقباله في السجن بجرح ظهره بأداة حادة وسكب روح الخل والملح على الجروح.
وذكر الشاب أن التحقيق معه ومع باقي المعتقلين كان يتم خلال الساعات المتأخرة من الليل بعد أن تمارس بحق المعتقل أبشع أنواع التعذيب النفسي والجسدي خلال اليوم منها (التشبيح على البلنكو، وضع إبر تحت الأظافر وقلعها، الصعق بالكهرباء والضرب بالجنازير الحديدية) وكل هذا مع الحرمان من الأكل والشرب طيلة فترة التحقيق، ويتولى ضباط من الاستخبارات التركية (MIT) التحقيق مع المعتقلين.
ولشدة ما عاناه الشاب في سجن أبو غريب لم تسعفه الكلمات لوصف شعوره بعد تعليقه على البلنكو لمدة شهر كامل وصلبه على الباب لمدة 3 أيام، ليتم بعدها استجوابه عن الأماكن التي كان يستعد لتفجيرها حسب التهم الملفقة له من قبل تركيا ومرتزقتها.
وبعدها نقل الشاب برفقة آخرين الى مكان مجهول تحت الأرض، ليعلم بعد 6 أشهر أنه في أحد سجون المرتزقة بمدينة الباب المحتلة، الذي تديره فرقة الحمزات المرتزقة ويرأسه المرتزق المدعو أبو العبد الكادري وهو أحد عملاء الاستخبارات التركية.
‘كانوا أدوات لتسلية ثلة من الحشاشين والمتعاطين’
مكث الشاب في سجن الباب عامين وشهرين، وأيضًا لم تسعفه الكلمات في الوصف، حيث كان تدير السجن مجموعة من متعاطي المخدرات الذين كانوا يعتبرون المعتقلين أدوات لتسليتهم ولهوهم، ويبتكرون طرقًا للتعذيب لم يشهدها تاريخ السجون من قبل.
وكان من ضمن طرق التعذيب والإهانة، تجويع المعتقلين لفترة، وبعدها تحلق رؤوسهم وتدهن بالمربى وإجبار المعتقلين على الأكل من رؤوس بعضهم البعض، ويقتصر الأكل في باقي الأيام على نصف رغيف من الخبز المعفن وحبة زيتون وهي وجبة يوم كامل.
ومنع المرتزقة الاستحمام على المعتقلين، حيث لا يستحم المعتقل إلا مرة واحدة كل بضعة أشهر، ويكون الاستحمام بدون مواد تنظيف أو صابون، فقط برش المياه عليهم.
ومنذ الأيام الأولى يصاب المعتقل بالقمل والجرب الذي يبقى ينهش في لحمه حتى يموت البعض منهم حسبما وصف الشاب (إ ح).
‘العشرات يفقدون حياتهم في المعتقل إما بالتعذيب أو بالتسمم أو الجوع والجرب’
وذكر (إ ح) عدد من الأشخاص الذين ماتوا في المعتقل، منهم المواطن من عفرين كاوا عمر من أهالي قرية دار كريه، وكان يعمل معلم مدرسة في السابق، ومنهم أيضًا محمد عمر وهو مواطن كفيف من نفس القرية، ولا علاقة له بأي من التهم الملفقة ضدهم، حالهم حال كل المعتقلين.
وأوضح (إ ح) أن المرتزقة كانوا يجبرون المواطن كاوا عمر خلال التعذيب على شرب المياه الملوثة بعد تعطيشه على مدار أيام من التحقيق، حتى أصيب بإسهال حاد رافقه نزيف في المعدة، وعند طلب مساعدة طبيب، دخل المرتزقة على المعتقلين وانهالوا عليهم بالسباب والشتام بأبشع الألفاظ ويكررون عبارة ” أنتم الكرد خنازير وكفار” ليقوم أحد المرتزقة بضرب كاوا عمر بأنبوب معدني على بطنه ورأسه ويفقد حياته على إثرها فورًا.
وأضاف (إ ح) “من شدة التعذيب ووسائل الموت البطيئة التي يستخدمها المرتزقة، يضطر بعض المعتقلين إلى إنهاء حياتهم بأيديهم على أن يموتوا في اليوم الواحد ألف مرة، ومنهم المواطن العفريني أحمد بيباكا الذي انتحر بسبب عدم تحمله التعذيب، وهو زوج المواطنة (ن س) التي اعتقلت مع زوجها وأفرج عنها المرتزقة بعد عامين و7 أشهر من الاعتقال”.
وبعد أكثر من عامين ونصف من الاعتقال التعسفي والتعذيب والتنكيل، وبدون أي محاكمة تذكر، أفرج المرتزقة عن الشاب (إ ح) وتمكن بعدها من الفرار خارج المناطق المحتلة ويتوجه بعدها إلى مناطق الشهباء.
منظمة حقوق الإنسان عفرين- سوريا