شهد العالم عموماً صراعات كثيرة؛ أدت إلى انهيار شبه كامل في الكثير من الأماكن حتى إن البعض حينما يعود إلى تاريخ تلك الصراعات، فإنه يستغرب من دوام الحياة في يومنا هذا بالشكل المنظم والتوافق الذي هو موجود على وجه الخصوص في ساحات الصراع؛ من بين أكثر الأماكن التي شهدت تلك الصراعات والحروب هي أوروبا التي كانت مكاناً للحرب المفتوحة والتي من أشهرها تاريخياً حرب الــ 30 عام التي مزّقت أوروبا وأدت إلى مشاكل من أهمها المجاعات والتخلف والقتل وتقدم النزعات الطائفية الدينية على وجه الخصوص في مرحلة ما بين أعوام 1618- 1648، إضافة إلى إن الحرب العالمية الأولى والثانية أدتا إلى الكثير من الدمار والقتل ودمار في البنية التحتية حتى إن الكثير من الدول الأوروبية التي كانت تتواجد في الشرق الأوسط بمسميات عدّة؛ اضطرت للعودة إلى بلادها بسب حالة الضعف والانهيار في مواطنها الأصلية.
استطاعت الشعوب بعد تلك المرحلة البدء بإجراءات البناء خاصة على الصعد المجتمعية بعد أن توصلت إلى قناعة تامة بأن الحروب والصراع يخّلف الخسائر في كل المواقع ولا تؤدي إلى تحقيق أي تطوير وها هي تلك الدول التي قاتلت بعضها البعض تعيش اليوم تحت مظلة جامعة في مختلف المؤسسات التي تتواجد اليوم هناك ومنها أو الأكثر احتواء لأوروبا الاتحاد الأوروبي، حيث خلو المداخلات المعادية لهذه التوجهات أو عدم توفر سبل تفتيت المجتمعات آنذاك ساهم لا شك في هذا التطور.
في الشرق الأوسط وبالرغم من توافر الكثير من العوامل المشتركة الأكثر قوة والتي يمكن من خلالها بناء وحدة مجتمعية أقوى إلا إن المجتمعات في الشرق الأوسط لا تزال تعاني من التشتت والضعف وإن الكثير من القوى لا تزال تتحكم في هذه المجتمعات وتحاول بكل ما تملك منع أي تقارب أو وحدة بين المجتمعات الشرق أوسطية وفي المقدمة النظام العالمي المهيمن الذي يمارس كل ما يملك من وسائل لمنع أيّ تطور ملموس وحقيقي في هذا المجال.
الوضع الذي تمرّ به المنطقة لا شك يعود إلى وجود هذا التحكم والممارسات من قبل القوى والأطراف التي لا تريد أن تتحقق أي وحدة أو تجانس مستقر في هذه المجتمعات وعلى هذا الأساس ومن هذا المنطلق؛ نجد اليوم إن المداخلات التي تتم في هذه المنطقة بكل أشكالها من قبل هذه الأطراف هي من أجل الاستمرارية في الوضع الموجود والذي أصبح سائداً منذ قرون طويلة، وما الجمود في أي تغيير ملحوظ في الكثير من الدول اليوم إلا بسبب هذه السياسات وهنا نخص بالذكر ليبيا، العراق، اليمن وسوريا.
إنّ المشروع الذي يمكن من خلاله تحقيق التطور الههم في منطقة الشرق الأوسط والأكثر قدرة على احتواء الصراعات والتناقضات وممارسات الدولة المركزية هو مشروع الأمة الديمقراطية والذي هو مهيئ لأن يكون الانطلاقة نحو مظلة جامعة لمجتمعات المنطقة والبدء بحياة تشاركية يتم التركيز فيها على سبل التطور. إن الأمة الديمقراطية كمشروع ريادي سيساهم ببناء إرادة هذه المجتمعات المتعددة وتوحيدها بالرغم من اختلافاتها وهذا يؤدي إلى ضمان الاستقرار وبناء الوحدة الحقيقة التي لا يمكن التغلب عليها.
تأتي محاربة هذا المشروع والتقاء الكثير من الأطراف على وحدة الهدف وهو النيل منه – مشروع الأمة الديمقراطية- من أهميته وقدرته على الحد من تلك المداخلات والتحكم في مسارات المجتمعات، لا بل الأمة الديمقراطية ضمانة أكيدة لمنع تطور أية خلافات مستقبلية.
الشعب الكردي مع شركائه من عرب وسريان وآشور وباعتبارهم المنطلقين نحو إنجاح هذا المشروع؛ مؤهلين لقيادة المرحلة التاريخية الحالية وبخاصة في إطار بناء وحدة المجتمعات وتماسكها، حيث إن الحلول التي يحملها الكرد مع شركائهم من خلال هذا المشروع هامة في تحقيق الاستقرار الفعلي من خلال قدرة مشروع الأمة الديمقراطية على حلّ المعضلات الخاصة بالشعوب والمجتمعات في الشرق الأوسط إلى جانب حل القضية الكردية أيضاً بكل تأكيد والتي تعتبر معضلة في الشرق الأوسط بدونها لا نستطيع الحديث عن أي حلول.
بهذه التوجهات يمكن أن تكون هناك حالة نوعية مغايرة للتي سادت لسنوات طويلة في الشرق الأوسط، لا بل هذا التحول يمكن أن يجعل منطقة الشرق الأوسط كاملة في ثورة حقيقة نحو التغيير والديمقراطية وبناء الوحدة على غرار حالة الاتحاد الموجودة في العالم كما إن خصوصية هذه المنطقة وتنوعها يجعلها مثالاً نوعياً للوحدة والتماسك والقوة .